تصدرت السعودية والإمارات واجهة ما يسمى: "التحالف العربي لدعم السلطة الشرعية في اليمن"، لتصبحا، معاً، المحرك الأبرز للحرب الدائرة منذ مارس/ آذار 2015. ومع الارتباط الوثيق، أو المرتهن، على أدق تعبير، بين سلطة الرئيس هادي، وبين التحالف، لا شك أن القضية، التي تدافع عنها هذه السلطة يمكن أن تتأثر، سلبا أو إيجابا، تبعا لأي تحول سياسي أو اقتصادي، قد يحدث في أيٍّ من الدولتين أو كليهما.
يمكن النظر إلى هذا الارتباط، على أنه علاقة بين متغيرين: أحدهما مستقل، (التحالف)، والآخر تابع (السلطة الشرعية)، مع إعطاء الجانب الأمريكي، دور المتغير المعدِّل؛ وذلك في ظل ارتهان هذه السلطة للتحالف، وارتهانهما معاً للولايات المتحدة. أما الحوثيون فيترقبون أي نتيجة سلبية يمكن أن تقدمها هذه العلاقة، في حالة وقوع أي تحول حرج لدى قطبي التحالف، واستغلال ذلك في تعزيز موقفهم السياسي والعسكري.
في ظل تشتت وانقسام الصف اليمني المناوئ للحوثيين، فإن السلطة الشرعية مرشحة لأن تواجه، مستقبلا، تهديدا وجوديا، إذا ما تعرض التحالف، خاصة السعودية، لهزات عنيفة يكون من نتائجها إعادة تشكيل منظومة الحكم فيها، بنخبة حاكمة تتبنى مواقف غير مؤيدة لسلطة الرئيس هادي، أو للحرب كلها، وقد تتحول النظرة إلى ما يجري في اليمن، بوصفه نزاعا متعدد الأطراف، ما يعني إفراغه من مدلوله القائم، الذي يصنف الوضع الراهن، بأنه نزاع بين سلطة شرعية ومتمردين عليها، وقد يقود ذلك إلى التجزئة الجغرافية، في ظل ما أفرزته السياسة البراغماتية للتحالف، من ديناميات سياسية، وعسكرية، وأمنية، ودينية، تتعارض مع توجهات هذه السلطة ومكوناتها المختلفة.
ليس ما أوردناه، آنفا، أمرا محال الوقوع، فكل شيء ممكن في عالم السياسة، الذي تعلو فيه المصالح على القيم النبيلة، لكن يظل النظر أكثر تركيزا على من يمكنه تطويع التحولات الناشئة لمصلحته، مهما كانت الظروف المحيطة به. ففي كثير من التحولات الدولية والإقليمية، التي دخل اليمن دوائر تأثيرها، سنحت لقوى فاعلة فيه، فرص ثمينة لم تكن لتتحقق في ظل دوام الظروف العادية، ومن ذلك الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، التي طوت ما تبقى من الهيمنة العثمانية على شمال اليمن، ومكنت الإمام يحيى حميد الدين، من استغلال نتائج هذه الحرب في تثبيت دعائم حكمه، وتوسيع نفوذه.
إلى ذلك، نكسة يونيو/ حزيران 1967، وما أفرزته من تداعيات على الحرب بين الجمهوريين والملكيين. فعقب هذه النكسة، انسحبت القوات المصرية الداعمة للجمهوريين، مما أحدث فجوة كبيرة في قوة الجيش الجمهوري، فما كان من الملكيين إلا أن بادروا بفرض حصار عسكري على صنعاء، دام نحو سبعين يوما (نوفمبر/ تشرين الثاني 1967- فبراير/ شباط 1968)، إلا أن الجمهوريين تمكنوا من جسر هذه الفجوة بالتلاحم الشعبي، وحشد مقاتلي المقاومة الشعبية من المناطق، التي أعلنت دعمها للثورة.
لبيان أثر هذه التحولات والقياس عليها بما يجري اليوم، فإن خروج هذه القوات، مثل، من الناحية العملية، مكسبا للجمهوريين، قبل أن يكون خسارة لهم؛ حيث تجلى ذلك في تخلص القيادة الوطنية من هيمنة القرار المصري، التي أطالت أمد الحرب، ومنحت السعودية مبررات لدعم الملكيين. وزاد من متانة موقف الجمهوريين، تمكن الشطر الجنوبي من طرد المحتل البريطاني ونيل الاستقلال في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967؛ إذ شكل ذلك حافزا للصمود في وجه الحصار، والدفاع عن النظام الجمهوري، بوصفه مطلبا مكملا لتمكين البلاد من تحقيق استقلالها من المحتل، وانعتاقها من ربق الكهنوت.
مثال آخر يتجسد في إنجاز الوحدة بين شطري البلاد، شمالا وجنوبا، عام 1990. فقد لعبت تحولات دولية وإقليمية أدوارا بارزة في ذلك، وكان من بينها انهيار الاتحاد السوفييتي، وما شهدته المنطقة العربية من تكتلات سياسية واقتصادية إقليمية، كقيام مجلس التعاون العربي، في فبراير/ شباط 1989، الذي كان اليمن (شمالا) عضوا فيه، إلى جانب العراق، والأردن، ومصر. وما لعبه اجتياح الجيش العراقي للكويت في 2 أغسطس/ آب 1990، والتدخل العسكري الغربي في هذه الأزمة، من دور في تحييد أطراف إقليمية اعتقدت أن الوحدة اليمنية تمثل تهديدا لها.
بالاستناد إلى هذه المقاربة، وبالعودة إلى التأثيرات المحتملة على السلطة الشرعية؛ بفعل تحولات مشابهة قد تحدث، فإن أي احتدام مسلح في الخليج، سواء كانت السعودية طرفا أصيلا أو مساعدا فيه، سيلقي بظله على الأطراف الداخلية للحرب في اليمن. وعلى نحو أقل يبدو مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده باسطنبول، في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، فقد يفتح ذلك الطريق أمام عواصف سعودية هامدة تحركها خلفيات مشابهة لمقتل الرجل، كإعدام المعارض الشيعي نمر باقر النمر، مع أزيد من أربعين معارضا، في يناير/ كانون الثاني 2016، وجلب معارضين سعوديين إلى بلادهم، قسرا، وبطرق استخبارية.
نتيجة لهذه الواقعة المدوية، قد تدفع السعودية الثمن باهضا، سياسيا واقتصاديا، وقد ينعكس الأثر على كافة حلفائها في المنطقة، وليس على السلطة الشرعية باليمن فقط. وعلى سبيل المثال: فإن رؤية السعودية 2030، ومشروع نيوم الاستثماري، والاتجاه التحديثي المنفتح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سيتأثر كثيرا، ولن يكون لدى القيادة السعودية، المثقلة بأعباء الضغوط والابتزازات الأمريكية والغربية عموما، طاقة كافية لتحمل أعباء حرب طويلة.
إلى ذلك، قد تتخذ السعودية إجراءات داخلية قاسية إزاء العمالة الوافدة، التي يشكل اليمنيون أحد أغلب مصادرها، وسيؤدي ذلك إلى تداعيات مختلفة، اقتصادية وسياسة واجتماعية، لا تقوى السلطة الشرعية على مواجهتها، في ظل ما تواجهه من تحديات راهنة، مثل: عدم استقرارها في العاصمة عدن، وتشتت هياكل سلطاتها بين الرياض، وعدن، ومارب. وتردي الوضع الاقتصادي، ونفور القوى السياسية الجنوبية من هذه السلطة.
خلاصة القول، إن ما يواجه السلطة الشرعية من تحديات راهنة، وما قد تتعرض له من تهديدات مستقبلية؛ بفعل أي تحولات إقليمية حرجة، يتطلب التركيز على توحيد مختلف القوى السياسية، وردم الفجوة الحاصلة بين السلطة الشرعية وبين التحالف، أو بينها وبين طرف بعينه في هذا التحالف، والعمل على استقرار مؤسسة الرئاسة والحكومة في العاصمة عدن، وتعزيز حضور أجهزة السلطات المختلفة في المناطق المحررة، وتوحيد التشكيلات العسكرية والأمنية تحت قيادتها الرسمية، بما يمكنهما، كلها، من القيام بوظائهما، والتأهب لمواجهة أي أخطار محتملة.
*محلل سياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية
حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت" ©2018
أخبار ذات صلة
السبت, 22 سبتمبر, 2018
اليمن بين سبتمبرين.. الثورة «1962»، والنكبة «2014» (تحليل خاص)
السبت, 04 أغسطس, 2018
أدوار متوقعة للسواحل اليمنية لمواجهة التحكمات الإيرانية في مضيق هرمز (تحليل خاص)
الثلاثاء, 28 يونيو, 2016
المحلل العسكري علي الذهب يكتب عن:استعادة سلاح الدولة: بين الوهم والخداع(تحليل)