أخذ موضوع استعادة سلاح الجيش اليمني، الذي استولى عليه الحوثيون، صدارة القضايا الأكثر طرحا بين طرفي المفاوضات الدائرة في الكويت، التي تجمع بين ممثلي الرئيس الشرعي للبلاد عبدربه منصور هادي، وممثلي الانقلاب الحوثي وحليفهم الرئيس السابق علي صالح، وستظل هذه المسألة إحدى أعقد المسائل التي قد تحبط هذه المفاوضات أو أي آلية لتنفيذها؛ ذلك أن مسألة من هذا النوع غالبا ما تفشل عمليا عندما يكون خصم السلطة الرسمية بلغ ما بلغه بالقوة المسلحة القاهرة، ولعل أبلغ شاهد للمقارنة في مستوى المنطقة، حزب الله اللبناني الذي يعد الوجه المشابه لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن؛ حيث لم يُحل حزب الله اللبناني بوصفه ميليشيا مسلحة مناوئة للحكومة اللبنانية، ولم ينزع سلاحه، ولم تبسط الحكومة سيطرتها على مناطق نفوذه، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1559 لعام 2004م.
كيف استولى الحوثيون على أسلحة الجيش؟
تمكنت جماعة الحوثيين من الاستيلاء على أسلحة الجيش عبر عدد من المقتربات، هي: غنائم الحرب، والسوق الرمادية، والوصاية المباشرة، والمصادرة بالقوة، ودعم أجنحة السلطة. ففي الفترة التي خاض فيها الحوثيون حروبهم الستة (2004م-2010م) ضد وحدات عسكرية من الفرقة الأولى المدرعة، تمكن الحوثيون من الاستيلاء على أنواع مختلفة من أسلحتها الخفيفة والمتوسطة والثقيلة كغنائم حرب، أو كنتيجة لأوامر رئاسية بتخلي الجيش عن أسلحته ومواقعه والانسحاب منها، وقد تجلى هذا الوضع، بقوة، مع استيلائهم على معسكرات الجيش في صنعاء دون أدنى مقاومة صبيحة الانقلاب الحوثي المسلح في 21 سبتمبر/أيلول عام 2014م.
كما كان بعض جنود وضباط الجيش مصدرا لحصول الحوثيين على سلاح الجيش نفسه، حين كانوا يبيعون لهم ذلك فيما يعرف بـ "السوق الرمادية" للأسلحة، مقابل مبالغ مغرية يدفعها الحوثيون عن طريق متعهدين لهم في محافظة صعدة والمحافظات المجاورة لها. والسوق الرمادية، هذه، اصطلاح افتراضي شائع، يشير إلى حركة التداول التجاري للأسلحة التي تكون في أصلها مملوكة للجيش أو الشرطة، جرى استيرادها بطريقة مشروعة، لكنها تسرب من مخازنهما لتباع بطريقة غير مشروعة لطرف ثالث هو، في الغالب، جماعات العنف المسلحة المناوئة للسلطات الشرعية الحاكمة. وقد كشفت إحدى وثائق ويكيليكس حصول الحوثيين على شحنة صواريخ كاتيوشا مطلع عام 2009م، كان خلفها الجيش اليمني نفسه.
ما يجدي الاستدلال به في هذا المقام، إحالة قائد عسكريين ينتمي لواحدة من الوحدات العسكرية المرابطة في صعدة، إلى القضاء العسكري خلال الحروب الستة، بعد اتهامه ببيع أسلحة للحوثيين من الوحدة التي يعمل فيها. وبالمثل اتهم عدد من الجنود والضباط ببيع أسلحتهم للحوثيين وتمكينهم من أسلحة كانت بعهدتهم، بوصفهم مسئولي تسليح في وحدات عسكرية، وليس هذا فحسب، بل لقد اعتقل عدد من الضباط، حينها، بتهمة تسريب معلومات حساسة للحوثيين لا يستبعد أن يكون جانب منها معني بالقدرات التسليحية للجيش. ولقد أزاحت التعيينات التي أصدرها الحوثيون في الجيش والشرطة والمخابرات، القناع عن وجوه بعض أولئك الضباط، وأنهم كانوا على ارتباط وثيق بهم. وليس لهذا الأمر من دلالة سوى قوة اختراقهم لهذه الأجهزة، عبر عناصر تقدم الولاء العصبوي على الولاء الوطني المحظور دستورا وقانونا.
إن ما يثير الاندهاش، أن حصول الحوثيين على أسلحة الجيش والشرطة بهذه الطريقة، كان أسهل من حصولهم عليها من السوق السوداء للسلاح التي تشتهر بها محافظة صعدة والمحافظات المجاورة لها، ومع ذلك لا يمكن القول إنهم استغنوا عن هذه السوق، فقد كان رجل الأعمال وتاجر السلاح اليمني فارس مناع، أحد مصادر تسليحهم الذي اعتقله جهاز الأمن القومي اليمني في يناير/كانون ثاني عام 2010م لمدة خمسة أشهر تحت هذه التهمة واعتمادا على اشتهاره بتجارة السلاح منذ ثمانينات القرن الماضي؛ حيث تردد اسمه خلال حرب صيف 1994م، أنه زود الجيش اليمني بكميات من الأسلحة والذخائر كان لها دور فاعل في تلك الحرب، فضلا عن كونه أحد المدرجين في اللائحة الصادرة عن مجلس الأمن في إطار قراره رقم 1844 لعام 2008م، المتهمين ببيع أسلحة لجماعات إرهابية في الصومال وإرتيريا.
في جانب الوصاية المباشرة على الجيش والشرطة، كمقترب لحصول الحوثيين على السلاح، تجلى هذا الأمر في أحداث ثورة 11 فبراير/شباط 2011م، عندما استدعى الحوثيون أنصارهم من بعض محافظات الجمهورية، وفرضوا، عمليا، سيطرتهم على مدينة صعدة، وعينوا تاجر السلاح فارس مناع، المشار إليه سلفا، محافظا عليها، ومارسوا وصايتهم الفعلية على كافة المعسكرات المتمركزة فيها، من خلال مرابطة مقاتليهم عند مداخل تلك المعسكرات للحؤول دون وقوقع أي استحداث فيها أو انتقال أي منها إلى مناطق أخرى بناء على أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس هادي، وهذا ما كشف عنه الرئيس هادي نفسه في أحد الحوارات الصحافية عام 2016م. كما اتبع الحوثيون الأسلوب ذاته بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء، فكان مصير ما سَلِم من المعسكرات من نهب عناصرهم أو غيرهم، فرض الحراسة والرقابة الصارمة عليها.
السلاح المنهوب وما الذي أبقت عليه الحرب؟
يتمثل سلاح الدولة الذي استولى عليه الحوثيون بكميات كبيرة من الدبابات، والعربات المدرعة، والسيارات رباعية الدفع، ومدفعية الدفاع الجوي، ومدفعية الميدان، وأجهزة الاتصال، والذخائر المتنوعة، إلا أن أسئلة كثيرة تثار حول الحجم الحقيقي لهذا السلاح، سواء ما استولوا عليه خلال سنوات الحروب الستة (2004م-2010م)، ووصولا إلى انقلاب 21 سبتمبر/أيلول 2014م، أو ما تمكنوا منه خلال الفترة التي تلت ذلك إلى اليوم.
في المجمل يمكن القول: إن الحوثيين استطاعوا إفراغ كل ما تبقى من أسلحة من مخازن الجيش في العاصمة صنعاء ومناطق تمركز وحداته في بعض المحافظات، بذريعة حمايتها من استهداف القاعدة وطائرات التحالف، ولم يوزع من تلك الأسلحة أثناء الحرب إلا القليل. وكان شهود عيان، إثر كل هجمة تطال مخازن السلاح في جبال صنعاء، يرون الشاحنات تتقاطر إليها ثم تغادرها محملة بالسلاح دون معرفة وجهتها التالية، فيما يروي آخرون أنها لم تبرح العاصمة؛ ما يعني بقاؤها في مخابئ استحدثت أثناء الحرب، بخلاف ما حصل في الأيام الأولى للسيطرة على العاصمة في سبتمبر/أيلول 2014م؛ حيث سحب الكثير من الأسلحة إلى عمران وصعدة، فيما أعيد نشر بعضها في مناطق متفرقة داخل العاصمة.
كما تكشف عمليات الإطلاق المتقطعة للصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى التي يقوم بها الحوثيون ضد أهداف في مارب والجوف ومناطق من لحج والضالع، أنهم ما زالوا متحكمين بعدد من منصات الإطلاق وذخائها تحكما مباشرا، وما زالوا مبقين على بعض منها في مخابئ سرية استعدادا لمواجهة قادمة مع أي طرف في حال فشل أي حل سياسي. كما أن روايات كثيرة تؤكد وجود كميات من الأسلحة المتنوعة، سواء التي نهبت نهبا مباشرا، أو تلك التي يفرض الحوثيون وصايتهم المباشرة عليها، في وحدات الجيش المساند لهم التي لم يصلوا إليها، أو في مخابئ غير معروفة التي تمثل لهم مرتكزا قويا للصمود وإطالة أمد الحرب.
كما أتاحت فترة الشهرين التي تخللتها المفاوضات في الكويت، تمكنهم، على نطاق واسع، من إعادة توزيع وإخفاء كميات الأسلحة التي لم يطلها طيران التحالف، والحصول على أسلحة وذخائر جديدة. وقد أثار الأداء المراوغ للحوثيين في هذه المفاوضات شكوكا كثيرة حول مسألتين ذات صلة بشأن الأسلحة، هما: احتمال حصول الحوثيين على أنواع مختلفة من الأسلحة والذخائر من مصادر خارجية، وقيامهم بعمل تحصينات عسكرية ومخابئ أرضية لها داخل العاصمة استعدادا لأي حصار أو معركة متوقعة، وقد دل على ذلك التحليق المستمر لطائرات التحالف فوق سماء العاصمة خلال الشهرين الماضيين.
أكذوبة عودة سلاح الدولة
لدى الحوثيين تجارب سابقة لا تعطي انطباعا إيجابيا إزاء مسألة استعادة سلاح الدولة منهم، فهم غالبا ما يتبعون أسلوبا مراوغا مع كل مطلب فيه نزع للسلاح وتسليمه للحكومة، بل إنهم يفرضون إرادتهم، لحظة تنفيذ بنود أي صلح، خلافا لما اتفق عليه. على سبيل المثال: خلال الستة الحروب 2004م-2010م، كان تطبيق أي صلح متضمنٍ شرط تسليم السلاح أو الذخائر والألغام، لا ينفذ فيه هذا البند بتاتاً، ومع ذلك كان أعضاء الحكومة في لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق لا يبدون أي احتجاج إزاء ذلك؛ لأن تعليمات رئاسية مسبقة كانت تقضي بتجاوز ذلك، بحسب ما يرويه مراقبون عسكريون في هذه اللجان.
ليس ببعيد عن هذا الأمر مصير ما تضمنه الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة الذي فرضه الحوثيون، بقوة السلاح المسلوب، عشية انقلاب 21 سبتمبر/أيلول 2014م. فقد حدد هذا الملحق آلية لنزع واستعادة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة المملوكة للدولة التي استولى عليها الحوثيون أو غيرهم، لكنهم ماطلوا في التوقيع عليه، ولم يفعلوا ذلك إلا بعد أسبوع على توقيعهم على اتفاق السلم والشراكة؛ لأنهم يعون أن عملا كهذا يمثل ضربة قاتلة لقوة تسليحهم التي كانت سببا في الاستيلاء على السلطة، بل إن ذلك تقييد لطموحهم الذي يقوم أساسا على فكرة القوة القاهرة؛ لذلك لم يكد حبر التوقيع على هذا الملحق يجف، إلا ومجاميعهم المسلحة تجتاح المدن والمعسكرات تحت تهديد السلاح المطلوب تسليمه للدولة.
لقد كان اشتراط الحوثيين في كل مصالحة يبرمونها مع خصومهم، أن تسلم الجماعات المسلحة الأخرى أسلحتها، رغم أنه لم تكن هناك جماعة مسلحة تضاهيهم بقوة السلاح والسيطرة على مناطق محررة، سوى جماعة أنصار الشريعة التابعة للقاعدة، وهي حالة استثنائية تعامل معها الجيش بالعنف المشروع منذ سنوات؛ لذلك لا غرابة أن يتساءل رئيس وفد الحوثيين في مفاوضات الكويت، محمد عبدالسلام، في مقابلة صحافية نشرت في مايو/ آيار المنصرم، عن الكيفية والجهة التي يمكن أن تسلم لها الأسلحة، وأين هي الدولة، في اليمن، التي يمكن أن يسلَّم لها السلاح؟! إن الموقف الحقيقي لجماعته في مؤدى قوله: إنه يجب، أولا، بناء الدولة، ثم الحديث عن تسليم السلاح. ما يعني أن أي من التسويات القاضية بتسليم هذا السلاح، ستكون مجرد حبر على ورق، ولن تجاوز مداها مصير الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة وقرار مجلس الأمن رقم 2216 لعام 2015م.
*باحث يمني في الشئون الاستراتيجية