لم تستطع الدول التي خرجت من رحم الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي عموماً، في نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي، أن تتحول إلى الرأسمالية الصناعية التي بشرت بها النخب التي تصدرت تلك العمليات التاريخية في التغيير.
كان العائق الأكبر لتحولها هو أنه سرعان ما نشأت طبقة طفيلية من داخل أجهزة السلطة القديمة المتنفذة في هذه البلدان سيطرت على الموارد الاقتصادية الأساسية، وقامت بتكييف الاقتصاد مع نمط الانتاج الذي يليق بطبيعتها الطفيلية، ومعه تحولت إلى أليجارشية مالية مسيطرة على القرار السياسي.
اهتم الغرب بهذه الطبقة القادمة من قلب النظام السياسي والاجتماعي المتحول من نمط انتاج كانت الدولة تمتلك كل أدواته الاقتصادية والمالية إلى نمط انتاج انتقالي فوضوي لم تعرفه البشرية، والذي أخذ مؤسسوه يستفيدون من حالة تخبط الدولة الحديثة ليحققوا بالفساد الثروات الهائلة من بيع أصول الدولة القديمة وتملك مواردها، ووفر الملاذات الآمنة لها وللثروات الهائلة التي جنتها من وراء هذا التحول في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمقدرة بمئات المليارات من الدولارات في صورة عقارات ويخوت ومنشئات سياحية ورياضية وأصول منقولة وأرصدة مالية.
لم تهتم المؤسسات المالية والقانونية في الغرب بمصدر هذه الأموال التي تدفقت إلى شرايين اقتصادها، ولم تلاحظ أن هذه الأليجارشية كانت مجرد قنوات استنزاف لثروات بلدانها، وكل ما عملته هو أنها أعادت هيكلة اقتصاد بلدانها بمعايير حرمته من أن يكون منافساً في السوق الرأسمالية العالمية في مجال الانتاج الصناعي والتكنولوجي، بل أصبح مجرد مصدر للمواد الأولية في شكلها الخام الذي يعاد تشكيله صناعياً في بلدان أخرى.
ولذلك فقد استفادت أوربا الصناعية وأمريكا من هذه الأليجارشية مرتين، الأولى: الثروات الهائلة التي قامت بتحويلها إلى السوق المالية والعقارية في هذه البلدان، والثانية: أنها منعت تحويل بلدانها إلى دول منتجة للمعرفة والتكنولوجيا وابقتها تتحرك في اقتصاد طفيلي استهلاكي شكل سوقاً ضخمة للمنتجات القادمة من البلدان الصناعية.
وعندما قامت هذه الدول بمصادرة ثروات الأليجارشية الروسية مؤخراً بسبب الحرب الروسية الاوكرانية نجد أن الشارع الروسي لم يحرك ساكناً، ولم يظهر أي رد فعل أو تعاطف مع الأليجارشية المصادرة أموالها لسبب طبيعي وهو أنها انفصلت عن مجتمعها، وخلفت وراءها سمعة اتسمت بالفوضى والفساد واستنزاف ثروة البلاد في استثمارات خارجية ترفيه لم تعد بأي نفع على اقتصاد بلدانها.
ولذلك فإن الغرب لم يجد حرجاً عندما أقدم على هذه المصادرات التي كان يأخذها على النظام الاشتراكي فيما سبق باعتبارها تعدٍ على ممتلكات الغير، ففيها من الدلالة ما يوحي بأن السياسة التي اتبعها الغرب في تعامله مع هذه الطبقة، في البداية والنهاية، لم تستند على القيم التي ظل يرفعها في وجه النظام الاشتراكي، فكانت تعبيراً عن حاجته لأدوات خاصة في التعاطي مع تلك التطورات المفاجئة.. وهي أدوات اشتقت من بنى سياسية تواجه فيها الأخلاق تحديات كثيرة من قبل الحاجة إلى انتصارات حاسمة في ميدان الاقتصاد بعد ما اتضح أن الصراع الأيديولوجي كان كذبة كبرى.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
اقراء أيضاً
لا تراجع.. بل المزيد من فرض قيم وسيادة الدولة
البنك المركزي اليمني.. وقرار توسيع وترشيد المعركة
هل تعلمنا من الدرس؟!