لم تكن الجبهة الاقتصادية محايدة في الحرب التي أشعلتها المليشيات الحوثية بدعم من إيران على اليمن، فقد وظفت هذه المليشيات منظومة الآلية الاقتصادية والمالية والمصرفية والتجارية، بما في ذلك الاتصالات والتجارة والموانئ والطيران وغيرها من الخدمات ومؤسساتها التي تم مأسستها في المركز الاداري للنظام السياسي، والذي سيطرت عليه بالانقلاب واختطاف الدولة في حربها التي استهدفت تكريس انقلابها كأمر واقع على الشعب اليمني.
 
وفي كل محاولة لإقناع المجتمع الدولي بخطورة بقاء هذه المنظومة بيد المليشيات الانقلابية، وتأثير ذلك سلباً على كل جهود السلام لم تكن منظماته المعنية بالشأن اليمني، بما في ذلك مراكز البحث التي تساهم بفعالية في صياغة القرار السياسي في بلدانها، تستمع بجدية لمثل هذا التحذير.
 
وكانت تعتبر هذا التوظيف، الذي تقوم به المليشيات، جزءاً من مشكلة مركبة يصعب، من وجهة نظرهم، تفكيكها ولطالما بررت ذلك بالقول بأن أي محاولة لتغيير الوضع من قبل الحكومة الشرعية سيؤدي إلى انهيارات تعقد جهود السلام.
 
لقد ظل المجتمع الدولي يرمي في وجه الشرعية بالقضية الانسانية كرادع ٍلها من أي محاولة لتغيير آلية عمل هذه المؤسسات التي استمرت المليشيات الانقلابية في استخدامها لتعزيز قرارها بإفشال كل جهود السلام، وإبقاء اليمن في حالة حرب مستمرة.
 
الآن وبعد أن أدرك الجميع خطورة ما يتعرض له اليمن من نكبة حقيقية بسبب ذلك التراخي في الموقف من تداعيات المشكلة على كافة الاصعدة، ولأسباب تتعلق بالأمن الدولي، وما يمثله الحوثي كذراع لإيران من خطر كبير.
 
كان لا بد للحكومة الشرعية أن تلتقط لحظة التحول تلك وتعيد بناء عناصر معركة استعادة الدولة على أسس تستطيع معها أن تستخدم كل مقومات ومؤسسات الدولة، وهو ما بدأه البنك المركزي وقيادته المحترمة، ومؤخراً وزارة النقل ووزارة المواصلات في أهم أنشطة ظلت المليشيات الحوثية تجندها مالياً وأمنياً وعسكرياً في حربها التي لم تتوقف ولو للحظة واحدة.
 
فالحرب ليست البندقية فقط، ولكنها أشمل من ذلك، بما فيه حرب التجويع التي منعت بموجبها تصدير النفط بقصف موانئ التصدير في عمل إجرامي تعدى كل معايير تصنيف الأعمال الارهابية، والتي لم يلتفت إلى خطورتها أحد، بل تركت الشرعية تلعق خيبتها من هذا الموقف وتواجه تداعياته من رصيدها السياسي والعسكري.
 
إن أي محاولة الان للتراجع عن هذه الخطوات سيكون بمثابة انتحار للحكومة الشرعية، ولن تقوم لها بعد ذلك أي قائمة، ومعها سينتهي أي أمل في تعديل ميزان القوة الذي يعول عليه في الوصول بالسلام إلى بر الأمان. ولا يجب أن يتكرر ما حدث عند الذهاب إلى ستوكهولم عام ٢٠١٨ للتوقيع على اتفاق الحديدة حينما تم التنازل عن أهم عناصر المبادرة والقوة في ميزان المعركة دون أي مقابل.
 
بالعكس من ذلك لا بد من توسيع استخدام أدوات وقيم الدولة في هذه المعركة الوجودية برؤيا تجسد التمسك بالدولة في مواجهة مليشيا طارئة تسخر من الدولة وتدوس على قيمها.
 
وفي هذا المسار على أشقائنا، ومعهم المجتمع الدولي، أن يقفوا إلى جانب قيم الدولة ومؤسساتها التي تعمل الآن على استعادة وظيفتها الوطنية والسيادية، وهو المسار، الذي لو دُعّم بموقف ثابت، فلا شك أنه سيمهد الطريق لسلام ينتظره اليمنيون على أحر من الجمر.
 

*نقلاً عن صفحة الكاتب في فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر