الهوس السراويلي


عبد الله شروح

 لا يكاد يمرّ شهر لا تطالعنا فيه المليشيا الحوثية بتقليعة أخلاقية يدور موضوعها حول السراويل. ما زلنا نتذكر تلك المذكّرة التي نشرتها قبل مدّة إحدى الجامعات، بإيعاز من سلطة المليشيا، متضمنة تعليمات حاسمة بشأن مواصفات سراويل الطلاب من الجنسين. كما نتذكر أيضاً سيلاً من المذكّرات المشابهة حددت فيها المليشيا مواصفات ملابس النساء في الأعراس، وها هي تطالعنا قبل يومين بآخر تقليعاتها السراويلية، معلنة ضبط كمية سراويل طُبعت عليها عبارات "لا أخلاقية"!
 
عجيب هذا الإصرار وهذه المواظبة، حتى ليبدو الأمر وكأن الشعب اليمني لم يكن يتسرول مطلقاً، وأنه ظل عارياً آلاف السنين ينتظر متى يأتيه الحوثي بهذا الاختراع العجيب، السروال، والذي يبلغ من التعقيد أنه يحتاج كتالوجاً حوثياً يوضح طرق الاستخدام الآمنة، ولعلّ المليشيا ستعلن في قادم الأيام، كواحد من مظاهر هوسها السراويلي، عن "دورات ثقافية" إلزامية لأتباعها بعناوين من نوع: "نهج العترة في السرولة"، "الهدي السراويلي في فكر الشهيد القائد"، وأخرى عسكرية بعناوين من نوع: "السراويل الصاروخية في مواجهة العدوان"، "الاستراتيجية السروالية في استنزاف العدو العاري"! 
 
هذا الإغراق بالسخافات يتزامن مع مصادرة كل ما هو جوهري وأساسي في حياة المواطن اليمني، وأولها حق العيش بكرامة، هذا الحق الأصيل الذي يُعتبر "الراتب" أبسط مظاهره الواقعية، والذي ما زالت المليشيا تنكره على اليمني بل وتعتبر مطالبتها به شكلاً من الخيانة، وهي لا تكتفي فقط بحرمان اليمني من هذا الحق فتتعدى إلى سلبه ما بقي من مدخراته تحت ذرائع شتى، وها هي تمضي أخيراً في تقرير جرعة اقتصادية وكأنما في سباق للإجهاز على ملايين اليمنيين بالموت جوعاً.
 
من غير المجدي مطالبة المليشيا الحوثية بفعل شيء آخر يغاير هذا الذي تفعله. هي مهيئة فقط للتصرف بهذا الشكل. أي شكل آخر للتصرف، هو حتماً خارج خارطتها الذهنية. لن يفيدك في شيء مثلاً تذكيرها بأن "إسقاط الجرعة الظالمة" كان هو المبرر الأول الذي ساقته للناس عند اقتحامها العاصمة بقوة السلاح وإسقاط البلاد. هي فقط مَكَنة للزيف والدّجل، مَكَنة على قدرة لا نهائية في الانسجام مع شتى التناقضات والاستمرارية كحصّادة لا ترحم، حصّادة أعمار وإمكانات وآمال.
 
لا يهم الحوثيّة أن يموت اليمني جوعاً، هي ليست معنية بتوفير الخبر، ولا بتوفير أي شيء آخر ضروري. وحتى في نطاق هوسها السراويلي هذا فهي لا ترى نفسها معنية بأن توفر للمواطن دخلاً يكيفه لشراء ما يستر عورته، وإنما يهمها فقط أن يشتري اليمني سراويله وفقاً لذائقتها وبالمقاس واللون والشكل الذي تقترحه هي.
 
سيدور الزمان دورته ويأتي اليوم الذي لا تكون فيه الحوثية سوى صفحة سوداء في تاريخ هذا البلد العريق، البلد الذي سلبته المليشيا سرواله في الواحد والعشرين من سبتمبر الكئيب، عارضة بذلك عورته في وجه الريح وأمام كلّ من هبّ ودبّ، ولن يطول الوقت بهذا البلد العزيز قبل أن يسترد سرواله بتعرية ناهبيه.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر