لا يجادل أحدا أن التوحش الحوثي، كان بالنسبة للجماعة سلوك أساسي متعمّد، بل واستراتيجية للسيطرة وليس مجرد إجراء تكتيكي عابر، أو حالات فردية تحدث كنتيجة طبيعية للحرب، وبما يقتضيه ردات الفعل في هذا الموقف أو ذاك.
وبصرف النظر عن الفظاعة الأخلاقية للسلوك المتوحش، إلا أنه كان عامل مهم رسخ صورة الحوثي كجماعة باطشة، ومكنها كأقلية من فرض سلطتها واخضاع المجتمع بالكامل. غير أن هذا النهج بقدر ما هو عامل تحكم في زمن الحرب وفي اللحظات الأولى لفرض السيطرة، يتحول لعامل تهديد داخلي للجماعة في لحظات استقرار سيطرتها، وربما أحد مزالق السقوط وخلخلة تماسكها.
لا يمكن لجماعة، مهما بلغت ضراوتها، أن تتحكم بأدوات سيطرتها الأولى، مهما كانت عناصرها الأمنية والعسكرية خاضعة لنظام إداري صارم!. وفي حالة الحوثي هناك مؤشرات كثيرة تؤكد أن الحالة الداخلية للجماعة ليست متطابقة مع الصورة المشاعة عنها بكونها جماعة صارمة وشديدة التحكم بعناصرها. أي أن عوامل قوتها في مسارح الحرب، هي عوامل ضعفها في المدن المستقرة لحكمها.
إن حالة التوحش التي مارستها جماعة الحوثي طوال مسيرتها؛ بدءًا من مقتل القشيبي، مرورا بكل حالات القتل البشعة لرموز القبائل، وتفجير منازل الخصوم، وليس انتهاءً بطريقة القتل لحليفها السابق (عفاش)، وما بعدها..، كل هذه السلوكيات، حتى مع كونها تمت بشكل متعمد وكنوع من إذلال الخصم والتنكيل به؛ لضمان استكانة كل من يفكر بمناهضتها. إلا أنها خلقت حالة عمومية من التوحش المنفلت لدى عناصرها، وبما يجعلهم مستعدين للبطش بأي فرد، أو مجموعة، في أي موقف، حتى لو لم يكن يحمل أي رمزية، يلحق الضرر بالجماعة، أكثر من كونه عامل مساعد لترسيخ سلطتها، أو تعزيز قبضتها على المجتمع.
لدينا المحرقة التي حدثت للمهاجرين الأثيوبيين في صنعاء، كمثال حديث؛ هذه الجريمة من المرجح أنها لم تحدث كقرار رسمي لتأديبهم، وأغلب الظن أنه تصرف قامت به عناصرها الأمنية كردة فعل على موقف اللاجئين والاشتباك الذي حدث بينهم وبين مسلحي الحوثي.. لكنه تصرف كارثي على الجماعة نفسها؛ جريمة عبثية ما كانت بحاجة لها، وهي نتيجة طبيعية للتوحش المنفلت لدى عناصرها.
صحيح أن كل الأخبار تؤكد أن الحوثي حاول اقناع اللاجئين بالمشاركة معه في الجبهات؛ لكن هذه الرغبة، التي لم يتمكن من اقناع الأثيوبيين بها، ليست هي المتسبب بإحراقهم، فالسلوك كان تصرف فردي. وكونه فردي، هنا، ليست تبريرا يعفي الحوثي من المسؤولية؛ بل إدانة أكبر له؛ إدانة تفضح درجة تحكمه بعناصره، كما تكشف مستوى استعدادهم للفظاعات، وكيف أن الحوثي يمتلك كتائب أمنية، هي مجموعة من القتلة والمجرمين المستعدين لذبح الناس بهدوء- وليس جهازا أمنيا بأي حال من الأحوال.
يمكن لجماعة معينة أن تدفع بمستوى الفظاعة لحدودها القصوى، في إطار مواجهتها المصيرية مع الخصم؛ لكنها لا تستطيع فرملة توحشها هذا بعد أن تنجز المهمة، ويغدو سلوكا مترسخا في بنيتها ويتجلى في مواجهتها مع المجتمع، حتى في قضايا بسيطة يمكن حلها دونما حاجة لاستعراض القوة.
تعمد الحوثي تصدير صورة مرعبة عنه للجميع؛ لكن هذا الرعب ليس مفيدا في كل الأحوال. فالإفراط في استخدام القوة، يورثك مزيد من الهوان، وما كان مجديا في تعزيز سطوتك، يغدو لعنة تفقدك سيطرتك على المجتمع، ويفتح أبواب الجحيم ضدك، ولو فشل خصمك في كسرك، تنكسر بنفسك، ومن الداخل.
هناك أمثلة كثيرة للانفلات، قامت به عناصر تابعة للحوثي، وفي المدن المستتبة له. وهي نتائج طبيعية للتوحش، والشحن المتطرف الذي يتلقاه أفرادها؛ سواء تطرف خشن أم تطرف سلوكي لمضايقة المجتمع، وكلها أمور تدخل الجماعة في مواجهة داخلية وتراكم حالة الغضب والاحتقان ضدها.
وفي كل مرة يبررها الحوثي، بكونها سلوكيات فردية!؛ لكن ماذا يعني أنها سلوكيات فردية؟ أي أن الجماعة ليست متحكمة تماما بتصرفات أفرادها. ففي كل المواقف التي بررتها الجماعة بكونها فردية؛ سواء حين قامت عناصرها بإغلاق محلات تعمل فيها نساء والتهكم عليهن، أم ألقت قنابل على مركز للاجئين في صنعاء؛ كلاهما سلوكان يؤكدان أن التطرف ليس منهجا قابلا للتحكم به..
فلا يمكنك أن تطلب من أفرادك أن يكونوا في ذلك الموقف متطرفين، وفي أخر معتدلين. فالمسلح الذي يمثل بجثة شيخ قبلي في صنعاء، أو عمران، هو المسلح الذي سيطلق قنابل حارقة على مخيم اللاجئين ويتسبب بكارثة للمئآت.
الخلاصة: نحن أمام جماعة يمثل التطرف- بالنسبة لها- عنصرا تكوينيا، على المستوى النظري والعقدي، وينعكس بشكل عفوي على سلوكها؛ سواء حين تتعمد التصرف بشكل عنيف ومقصود أم حين لا ترغب. فالعنف يتناسل في داخل بنيتها ويسري كطبع وميكانيزم نفسي غير قابل للتجاوز والالغاء..
هذه الطبيعة، ستجلب مآزق كثيرة للحوثي، وستفجر ضده مشكلات كثيرة. ولا يكفي أن تكون حساسيته الأخلاقية منعدمة، أو غير مكترث لمسؤوليته الإجتماعية، كي ينجو منها. فالجماعات والدول، قد تصمد أمام التحديات الكبرى؛ لكنها تسقط من تراكم تلك الاختلالات المتفرقة!..
وهو ما يؤكد استحالة صلاح هذه الجماعة للحكم. فالقوة لا تجدي دوما، والشعوب لا تستقر بالتكتم على المشكلات أو سياسة البطش الطويل.
اقراء أيضاً
"غزة" كرافعة أخلاقية للعدالة
في السلم والحرب.. طباع الحوثي واحدة
عن التعبئة الشعبية لمعركة الجمهورية