يوما فآخر يسقط مشروع الانفصال أخلاقيا بتحوله من المشروع السياسي العادل (سواء اتفقنا معه أو اختلفنا) إلى العنصرية المقيتة بالمولد والنسب والمنطقة، عبر إجراءات الترحيل ونقاط الفرز العنصري المهينة، على مداخل المدن المحررة وخاصة عدن، ويتحول هذا المشروع إلى ما يشبه الجريمة المنظمة، أين خلقت وما هي منطقتك وماهو مذهبك، وهو انحدار لا نهاية له ولا أفق، وربما لا يتوقف إلا عند حدود السلطنات في أحسن الأحوال، ومع أن هذه الإجراءات المتكررة من الحزام والقوى المدعومة إماراتيا، تتكرر بشكل متقطع، إلا أن الإنصاف يقتضي بالقول إن عدن هي أكبر مدينة يمنية استقبلت نازحين إليها رغم كل شيء. ويمكن القول إن هؤلاء القائمين على هذه الحملات هم حمقى بدرجة كبيرة من الغباء والاستهتار، حيث يحتجزون عشرات الأسر لساعات وبعد أن يسمع كل الناس بهذه الجريمة المقززة يضطرون إلى السماح لهم بالدخول. والأكثر غباء حقا وانحطاطا حقا هو تبرير أولئك الداعمين لهذه الأفعال، بقولهم لماذا عدن؟ متناسين أن عدن ثاني أكبر مدينة يمنية مؤهلة، وهي الآن عاصمة مؤقتة ومقر للحكومة، ويريدون تحويلها إلى مدينة بحجم قرية كسناح أو صعدة مثلا.
غير أن الأخطر في قضية التهجير والترحيل التي أصابت اليمنيين خلال هذه الحرب الانقلابية؛ هو ما تقوم به الإمامة وكهنوت الهاشمية في صنعاء، وصعدة وسائر المدن التي تقع تحت سيطرتها، وإذا كانت سياسة الترحيل والإغلاق جنوبا عملية مؤقتة لأهداف آنية، فإنها لدى الإمامة عملية تهجير منظمة بأديولوجيا تتعامل مع سكان المدن كوافدين ومستوطنين يجب ترحيلهم بأي شكل من الأشكال، وإجراءات الترحيل الحوثية بإجرامها البشع لا تظهر في الإعلام أبدا، وتعتمد على تخريب المدن، وتدمير بنيتها التحتية وخدماتها الأساسية وتضييق سبل الحياة فيها، وانتهاك للحرمات وإذلال للكرامات، ويحدث كل ذلك وفق مذهب الكهنوت الإمامي. أما صعدة فدخولها بنفس إجراءات دخول دولة أخرى، حيث يتوجب على الداخلين إلى صعدة كفيل وضمين من أنصار الحوثي ومعاريفهم.
وقد حققت الإمامة بالفعل نجاحا غير عاديا إذ أفرغت المدن الكبيرة وخاصة صنعاء من سكانها، ونحن هنا لا نتكلم عن الأرياف والضواحي والتي كان لها أيضا نصيب من التهجير الجماعي وإن كان بدرجة أقل من المدن، وإنما نتحدث عن أمانة العاصمة التي كان يسكنها قرابة ثلاثة مليون شخص، كأكبر مدينة يمنية سكانا وخدمات ولا يستطيع اليوم أحد فيها صرف عملاته أو الحصول على وقود أو أمن أو دراسة. ولو حدث لا قدر الله أن توقفت معارك الحديدة فإن الكهنوت الإمامي سيصادر كل مقدرات النازحين وثرواتهم وأموالهم وممتلكاتهم.
وأهم إجراءات التهجير العرقي والديمغرافي في صنعاء تتمثل في تعطيل وهدم كل مؤسسات الدولة، وتعطيل التدريس والتعليم، وقطع الرواتب وقطع الكهرباء والوقود، وصولا إلى الاستيلاء على عقاراتهم وبناياتهم وتجارتهم وأخيرا مصادرة المليشيا الإجرامية الفئة الجديدة للعملة، وغيرها من خدمات البنية الأساسية التي لا يمكن للمدن أن تعيش بدونها. ومن الصعب معالجتها. ولنتذكر أن حركة النزوح لا تتجه إلى مناطق سيطرة الإمامة من المدن المحررة، بل العكس تماما.
ما تفكر به الإمامة الهاشمية حقا هو إفراغ المدن من سكانها وإعادة الناس إلى القرى وإرسال أفراد السلالة حكاما ومشرفين إلى الضواحي كي يتسنى إعادة صياغة المجتمع بناء على مصالحها الثقافية والسياسية والاجتماعية والمذهبية، ذلك أن السيطرة على القرى وإعادة صياغتها ليس بالأمر الصعب لكهنوت له خبرة طويلة في هذا المجال، بعكس المدن الكبيرة، المتنوعة بأطياف الشعب.
وغالبا لا يذكر الإعلام بسبب القبضةالأمنية الباطشة للإمامة اختطافات الحوثيين للمسافرين في الطرقات، لكن أعداد المختطفين لدى المليشيا تقترب من عشرين ألف مختطفا وفقا لأمهات المختطفين، تستعملهم كدروع بشرية وتعذبهم حتى الموت، ويتعدد مذاهب الاختطاف لدى الحوثي فمختطفيه من تعز بناء على المنطقة، ومختطفيه من صنعاء بناء على القبيلة والحزبية والنفس الطائفي، وفي كل منطقة له مبرراته، وعلى كل فإن مليشيا الحوثي تختطف لعشرات الأسباب المناطقية والدينية والعرقية والمذهبية، غير ان هذه الاسباب جميعها تنطلق بدافع واحد أيديولجي، ينطلق من صميم عقيدة الإمامة التي تنظر إلينا كيمنيين خاصة في المناطق الخاضعة لها: إما أن نكون عبيدا لها، وفي هذه الحالة لا يجب علينا الاعتراض على اختطافنا، أو تنظر إلينا ككفار تأويل نستحق كل أنواع الوبال والدمار والعذاب.
اقراء أيضاً
كيف يهزم العصيان المدني الحوثيين؟
تهديد الحوثي ككلب بلا أنياب
كي لا يخطف الحوثي المبعوث الأممي