لقد جاء الإسلام فأسس لفلسفة جديدة في تحرير المرأة وإنصافها ومساوتها بالرجل، مساواة الشقين المتكاملين، لا الندين المتنافرين.
لقد حررها من لعنة الخطيئة الأولى، عندما أعلن أن التكليف والغواية والعصيان والتوبة إنما كانت من آدم وحواء معا، وأن مسؤولية آدم إنما كانت أكبر من مسؤولية حواء "وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه" (البقرة 35، 36)، "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" (الأعراف 19)، "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما" (طه115).
ولقد جاء الإسلام والفكر الديني يعتقد أن حواء قد خلقت من ضلع أعوج - ضلع آدم - "فالمرأة من الرجل والرجل ليس من المرأة"، فقرر الإسلام أن آدم وحواء كليهما قد خلقا من نفس واحدة "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" (الروم 21)، "..خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها" (النساء 1)، "وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة" (الأنعام 98)، "..لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" (آل عمران 195)، "..هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" (البقرة187)، "..وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا" (النساء 21).
وبعد أن كانت المرأة معزولة عن ولايات العمل العام، أشركها الإسلام - مع الرجال - في هذه الولايات العامة: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" (التوبة 71)، فأول من آمن بالإسلام امرأة - خديجة - وأول شهداء الإسلام امرأة - سمية بنت خياط -.
وفي الجمعية التأسيسية لإقامة الدولة الإسلامية الأولى - بيعة العقبة - شاركت في أعلى مستويات الولاية السياسية امرأتان - أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية وأسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية -، وفي البيعة على الدخول في الإسلام كان للنساء بيعة مستقلة، وفي الذمة المالية كان للنساء ذمة مالية مستقلة، وتكونت في عهد النبوة جمعية نسائية، ذهبت مندوبة عنها "وافدة النساء" بمطالب اتفقت عليها هذه الجمعية، وقالت "وافدة النساء" للرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا رسول من خلفي من نساء المؤمنين، يقلن بقولي وهن على مثل رأيي".
وفي الولاية الدينية، روت المرأة الحديث وأفتت في الفقه مثل الرجال، وكانت هناك خطيبة للنساء تهز أعواد المنابر مثل الرجال، وسمع الله حوار المرأة التي تجادل الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعل لمحاورتها سورة في القرآن الكريم.
وفي القتال يوم أحد، كانت المرأة ضمن الذين صمدوا.
وفي الولايات المالية، تولت المرأة "حسبة" - وزارة - السوق والتجارة، سمراء بنت نهيك في عهد الرسول، والشفاء بنت عبد الله في عهد عمر بن الخطاب.
وعندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عدد الذين دخلوا في الإسلام 124000، أما الذين تربوا في مدرسة النبوة من الصفوة والنخبة، فقد أحصاهم العلماء فذكروا ترجمات ثمانية آلاف، كان منهم أكثر من ألف امرأة، وهي أعلى نسبة من القيادات النسائية في أية نهضة أو ثورة في التاريخ، شاركن في إقامة الدين، وفي الهجرة، وفي تأسيس الدولة، وفي صناعة التاريخ.
هكذا تم تحرير المرأة بالإسلام، وهكذا طوى الإسلام بهذا التحرير للمرأة صفحات الفكر الديني القديم، التي ظلت تمتهن المرأة وتحتقرها وتهمشها قرونا طويلة في التاريخ القديم.
*عربي21
اقراء أيضاً
تجفيف منابع التدين بالعلمانية
مناهج النظر العقلي
الصهيونية على خطا النازية