الوحدة التي لا تقويك لا تقتلك


مجدي أحمد

كقيمة أصيلة، وثقافة شعبية، وسلوك اجتماعي، تبدو الوحدة اليمنية، قديمة قدم اليمني نفسه، وعريقة عراقة حضارته الضاربة في التاريخ، وقد ظلت الوحدة السلوك الذي يضبط إيقاع الحياة في كل مراحل التاريخ اليمني باستثناء بعض الفترات البسيطة التي تخللت حكم بعض الأنظمة والدول المتعاقبة على اليمن وكان الانفصال سياسياً وليس سلوكاً اجتماعيا.
 
وتعود أول وحدة يمنية قام بها الملك يعرب بن قحطان إلى 5000 قبل الميلاد، كما يذكر صاحب كتاب الوحدة والثورات اليمنية، ويعد الملك سبا بن يشجب بحسب المؤلف أول من وحد اليمن الطبيعية وكان أول الملوك المتوجة حسب تعبير كتب التاريخ القديم.
 
ولذا فان الوحدة اليمنية ليست وليدة 22 مايو 1990م وإنما كان هذا التاريخ بمثابة التعميد الاخير والتأكيد على حالة الانسجام السياسي في شطري البلد، وهي اليوم في ذكرى ترسيمها الرابعة والثلاثين لا تزال الوحدة في بداية عنفوانها وعز شبابها مهما اصيبت بحالات ضعف وفترات وهن.
 
تبدو الحاجة للوحدة اليوم في الجنوب أكثر منها في الشمال ذلك أنها الضامن الوحيد لتماسك المحافظات الجنوبية وبدونها لا يمكن للجنوب أن يكون جنوباً ولا حتى للشمال أن يبقى شمالاً ولا للوسط أن يظل وسطاً.
 
من الظلم محاكمة الوحدة على كل صغيرة وكبيرة في البلد، على أخطاء السياسيين ونزوات بعض المثقفين وشطحات المتدينين، كثيراً ما نسيء إلى الوحدة حين نعتقد أنها وراء ضياع الحقوق وأنها المبرر لنهب الثروات وتعطيل المصالح والاصل أنها رأس مال الجميع ومكسب كبير لهم وليست خسارة وأن المشكلة في السلوك والممارسة وليست في القيمة والمبدأ.
 
الوضع الاقتصادي ليس مبرراً أبداً للهروب من وإلى الوحدة لان الانفصال لا يعني بأي حال من الاحوال الذهاب إلى جنة الاستقرار والرفاهية بل العكس من ذلك تماماً، الوحدة هي مصدر القوة حتى في لحظات الضعف فهي إن لم تقويك فلن تقتلك بالتأكيد.
 
تبدو الوحدة اليوم أكثر أماناً وأشد صلابة وتماسكاً من ذي قبل رغم كل المخاطر التي تتهددها والتحديات التي تحدق بها والمؤامرات التي تحاك ضدها، والمؤشرات التي تؤيد ذلك كثيرة من أبرزها: أن فرص نجاح الانفصال تبدو ضئيلة جداً لعدة اسباب من اهمها:
 
اولاً: فشل الرهان على المجلس الانتقالي في تقديم نموذج يمكن البناء عليه في الذهاب إلى عملية استقلال وحكم ذاتي.
 
ثانياً: التباين الحاصل داخل المكونات الجنوبية والخلافات الجنوبية الجنوبية.
 
ثالثا: عدم وجود مشروع حقيقي يوحد الجنوبيين للانفصال.
 
رابعا: رفع السقف الحضرمي في الدعوات الى دولة في حضرموت والمناطق الشرقية لا تخضع للشمال ولا للجنوب. 

خامسا: انخراط قيادات المجلس الانتقالي في التسوية السياسية اليمنية والمشاركة في المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية.
 
سادسا: الاجماع الدولي والاقليمي في التأكيد على وحدة اليمن في بحث اي تسوية سياسية.

واخيراً: بقاء الحوثي مهددا للجميع، وهذا الاخير وحده كاف ليكون قاسماً مشتركاً للعمل عليه وتعزيز قيم الوحدة والمضي في تحرير الوطن.
 
ولان الحوثي يتبع سلوك أجداده في موقفه من الوحدة فمن الطبيعي أن يعمل على بث ثقافة الكراهية ويسعى لتعزيز حالة التشظي والانقسام في المجتمع ويستميت في تعميق عملية التجزئة وتفكيك الوطن.
 
ومن المعلوم أن التقسيم السياسي لليمن تم إقراره لأول مرة في العام 1914 عقب التوقيع على الاتفاقية الحدودية بين الانجليز في اليمن الجنوبي وتركيا في اليمن الشمالي وكانت هي الاشارة الاولى الى وجود شطرين منفصلين في البلد الموحد منذ فجر التاريخ.
 
وقد ساعد الاستعمار في تقسيم اليمن طبيعة النظام الامامي الكهنوتي المتخلف الذي ما كان يهمه وحدة الارض اليمنية بقدر ما يهمه الاستيلاء على السلطة واستعباد الشعب وظلمه ولو ادى ذلك الى التنسيق مع المستعمرين والتغاضي عن اعمال المستعمر الهادفة الى تعميق الهوة بين الشعب الواحد بحسب الباحث محمد سالم شجاب.
 
ويذهب شجاب إلى أن تسمية جنوب الوطن بالجنوب العربي جاءت من قبل الامام احمد والانجليز لمحو حقيقة يمنية الجنوب وهذا مع الاسف ما يتساوق مع شعارات بعض الكيانات الجنوبية اليوم مما يؤكد وجود تخادم واضح وفاضح لدى مشاريع التقسيم والتجزئة.
 
وقد ظلت التجزئة في اليمن لفترة طويلة تعيش حالة من الاستقرار الآمن الذي استمدته من طبيعة الانظمة الاستعمارية البريطانية والانظمة الاستعبادية الامامية ووجد كل من الاستعمار والاستعباد في التجزئة قوة الاستمرار. ولان أحلام التشطير ومحاولات الاستعمار تحطمت على سواعد أبناء الجنوب أولاً قبل أبناء الشمال فلا قلق على الوحدة اذن.
 
إن الوحدة اليمنية ليست قضية للمساومة ولا ورقة للابتزاز والضغط من اجل تحقيق مكاسب سياسية وفي المقابل ليست فرصة للاستغلال والاقصاء والتهميش والاستقواء على بعض ..الوحدة غير قابلة للقسمة ولا تصلح للتجزئة ولا ينفع معها الانتقاء بحسب الامزجة ..الوحدة تؤخذ دفعة واحدة لأنها التقاء أرواح وتصافح قلوب وانسجام شعب وتناغم جغرافيا وهي في المجمل ثقافة وسلوك وعادات ودين ولذا فهي تعني بإيجاز وحدة قلوب لا وحدة غَلُوب ولا مغلوب.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر