صادف 11 فبراير/ شباط الحالي ذكرى ثورة الشباب الشعبية في اليمن، عام 2011، التي أطاحت الرئيس علي عبد الله صالح، ضمن موجة ثورات الربيع العربي التي اجتاحت، في العام ذاته، على التوالي، مصر وليبيا وسورية، وقبل ذلك تونس، في ديسمبر/ كانون الأول 2010.
وعلى الرغم من مرور أزيد من عَقْدٍ على اندلاع أحداث هذه الثورة، إلا أنها لا تزال تثير جدلًا واسعًا، بشأن انخراط العسكر فيها، سواءً في جانب الثوار، أم في الجانب المناوئ لهم، ويمتد الجدل إلى طرح أسئلةٍ من قبيل: هل هي ثورةٌ شعبية سِلمية، أم أزمةٌ سياسية، أم انقلابٌ عسكري؟
من الواضح أنَّ متغيرات كل هذا الجدل متداخلة، ولا يمكنُ الفصل بين أيٍّ منها، لأن المؤسَّستين العسكرية والأمنية (الشرطة والمخابرات) انخرطتا، جزئيًّا، في مختلف الأحداث ومراحلها. فمن جانبٍ، خاضت وحداتٌ من الجيش والشرطة مواجهاتٍ مسلحة، على الأرض، إلى جانب أطراف الصراع السياسي. ومن جانبٍ آخر، تسلَّل بعضٌ من كبار العسكريين (جيش وشرطة)، إلى المفاصل السياسية للدولة، بفعل المبادرة الخليجية التي أضفت على الثورة الشعبية طابع الأزمة السياسية، وأوقف دخولها حيِّز النفاذ، الحراك الثوري، إلى حدٍّ كبير.
في الواقع، مهما كان دور العسكريين في جانب هذه الثورة، أو في مقابِلها، فذلك لم ينزع عنها صفتها الشعبية، لكنْ من الصعب القول إنه أبقى على سلميّتها، لأنَّ نهج العنف الذي سلكته القوات (جيش وشرطة) الموالية للرئيس علي عبد الله صالح، استدعت استجابة مماثلة من العسكريين المؤيدين للثوار العُزَّل، في ميادين التظاهر، إضافة إلى انخراط قوات الطرف الأول، في مواجهاتٍ عنيفة أخرى، أمام مسلَّحِين قَبَليِّين مؤيدِين للثوار أو منهم، في مناطق مختلفة من ريف محافظتي صنعاء وتعز.
امتدَّ وقوف المنْشقِّين من العسكر بجانب الثوار، إلى أبعد من مفهوم عسكرة الثورة، وهو مضاعفة عسكرة الحياة المدنية، ومصادرة أهدافٍ جوهرية لهذه الثورة، حيث تراجعت، منذُ الوهلة الأولى، لوقوف هؤلاء العسكر بجانب الثوار، مطالبُ إسقاط كلِّ نظام الرئيس صالح إلى إسقاطه وحده، وتجذَّر معها نفوذ عسكريين سابقين في الهياكل المدنية للدولة، بل تمكَّن آخرون من تولي مناصب فيها.
كذلك، حَمَت عسكرة الثورة، مؤقتًا، نائب رئيس الجمهورية، حينذاك، الفريق عبد ربه منصور هادي، وصعَدت به من منصب محدود القرار، وعبر انتخابٍ شكلي، إلى منصب رئيس الجمهورية، وتدخَّلت اللجنة العسكرية والأمنية، لتحقيق الأمن والاستقرار، التي تولَّى رئاستها بنفسه، بموجب المبادرة الخليجية، في كل شؤون الدولة.
الأمر ذاته، بالنسبة إلى اللواء علي محسن الأحمر، الذي وصل إلى منصب مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن، معزِّزًا موقعه الشعبي إلى جانب الثوار، بوصفه أبرز المؤيدين العسكريين لهم، بموقعه السياسي هذا. ومِثلُه عددٌ من العسكريين، أو من ذوي الخلفيات العسكرية والأمنية، الذين مُكِّنوا من حقائب وزارية، أو مناصب محافظي محافظات، والمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، عبر عسكريين داعمين عسكرة الحياة المدنية.
أسوأ أثرٍ لموقف العسكر، الذين وقفوا إلى جانب ثوار فبراير (2011)، أو لموقف العسكر الذين انحازوا إلى جانب الرئيس علي عبد الله صالح، أنَّه أحدث شروخًا عميقة في كل صفوف الجيش والشرطة، ما مكَّن جماعة الحوثي من الفتك بالجيش المؤيد للثوار، سواءً بالتحالف مع خصومه من الجيش نفسه، أو بِغضِّه الطرف عن ذلك، خلال تقدمها من صعدة إلى صنعاء، ثم سيطرتها الكاملة على السلطة، بين سبتمبر/ أيلول 2014 وفبراير/ شباط 2015.
أخيرًا، مثَّلت عسكرة ثورة فبراير عبئًا ثقيلًا على مرحلة الانتقال السياسي الثانية، وعلى الأشخاص الذين باتوا في غنى عن هؤلاء العسكر خلالها، ومن أولئك الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي سلك مسلكًا خطيرًا للخلاص منهم، حيث كان له دورٌ واضح في إضعاف الموقف الدفاعي لوحدات الجيش التي تصدَّت لجماعة الحوثي بمحافظة عَمْران، ولا تزال مقولته الشهيرة، وسط جمع من قادة جماعة الحوثي: "لقد عادت عَمران إلى حضن الدولة"، دليلًا دامغًا على ذلك.
*نقلاً عن العربي الجديد
اقراء أيضاً
مفاوضات السلام اليمنية وتراجع الأجندات الخارجية
برلمان اليمن وحكومته: ضَعُفَ الطالب والمطلوب
"الانتقالي الجنوبي" ولعبة الإرهاب في أَبْيَن