من مقرّ إقامته المؤقت في الرياض، وعلى نحوٍ مفاجئ، أعلن الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، تفويض صلاحياته الكاملة إلى مجلس قيادة "رئاسي"، مكوّن من ثمانية أشخاص، خمسة منهم عسكريون، بمن فيهم رئيس المجلس، رشاد العَلِيمي (لواء شُرطة) وذلك في فجر آخر يوم من اختتام "المشاورات اليمنية - اليمنية"، التي لم تشارك فيها جماعة الحوثي، واستضافتها وأشرفت عليها الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في الرياض، (29 مارس/ آذار- 7 نيسان/ إبريل 2022).
لا يُعدُّ هذا الإعلان، واستباقه بقرار إعفاء نائب الرئيس، الفريق أول علي محسن الأحمر، من منصبه، امتثالًا لهذه المشاورات، وإن مثَّلت غطاء سياسيًّا له؛ فلم تكن هذه المشاورات قد اختتمت أعمالها، فضلًا عن أن قراراتها لا تَسمُو على الدستور اليمني، ولا على الإرادات الخارجية المتحكِّمة في الأزمة اليمنية، بل سيذهب معظم قراراتها وتوصياتها أدراج الرياح.
إذن، السيَاق الحقيقي لهذا التحوّل اقتضته مساعي السلام لوقف الحرب الدائرة في البلاد منذ ثماني سنوات، والتي أنهكت معها قطبي التحالف العربي "لدعم الشرعية اليمنية"، السعودية والإمارات، وأنّ الرئيس هادي، ونائبه محسن، مثَّلا عائقين كبيرين أمام هذه المساعي، لما تنطوي عليه من أجندات ماسَّة بالأمن القومي اليمني، وارتباط هذه المساعي بالمفاوضات الجارية بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وما يتيحه خفض العنف من فرصٍ لمواجهة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، خصوصًا على الدول الفاعلة في هذه المتغيرات.
مما يمكن الاسترشاد به، هنا، حشد السعودية نحو ألف مشارك يمني في "المشاورات اليمنية - اليمنية"، وإعلان قيادة التحالف العربي، وقف العمليات العسكرية، مع انطلاق هذه المشاورات، ثم إعلان المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، عن التوصل إلى مجموعة من التدابير لخفض العنف، بموجب هدنة لمدة شهرين، تبدأ في 2 نيسان/ إبريل "الجاري"، ووصوله إلى صنعاء، بعد أربعة أيام من الإعلان عن مجلس القيادة الرئاسي، والتي تُعدّ أول زيارة له مذ تسلُّمه مهماته، خلفًا لمارتن غريفيث، في سبتمبر/ أيلول 2102، بعد عُدول جماعة الحوثي عن رفض استقباله.
راهنًا، تحيط بمجلس القيادة الرئاسي مجموعة من التحدّيات المفضِية إلى العنف، وفقًا لما تشير إليه تشكيلة أعضائه، والظروف الداخلية المحيطة به، سواء أخفقت مساعي السلام، أم نجحت؛ لأن تجربة السلام التي يُراد تطبيقها لا عهد للبلاد بها. ولذلك لن تؤسّس لسلام دائم، فبالنسبة إلى تشكيلة المجلس، يُلحظ أنَّ معظم أعضائه يستندون إلى قوات ومليشيات مستقلة، وبأجندات وهويات متعارضة، وتكتنف قادتَها حالة من عدم الثقة المحمولة على ماضٍ دامٍ، بما فيها سنوات الحرب الراهنة.
وعلى الرغم مما يثار بشأن دمج مختلف القوات والمليشيات في هياكل وزارتي الدفاع والداخلية، تبدو المسألة بالغة التعقيد، ويضاعف من هذا التحدّي التوجه العام لجناح عضو مجلس القيادة، عيدروس الزبيدي، الذي يضع في أولوية الدمج، البدء، أولًا، بنقل القوات التمركزة في محافظات حضرموت (الوادي والصحراء)، وأبْيَن وشَبْوة، والمَهرة، إلى خارج جغرافيا جنوب البلاد، ما قبل عام 1999، وذلك ما يثير مخاوف القوى الوطنية تجاه نوايا الانفصال، إضافة إلى قناعة الجناح نفسه بأنَّ دوره العسكري في مواجهة جماعة الحوثيين لن يتخطى حدود هذه الجغرافيا.
كذلك، لا يخفى دور الاحتقان الشخصي بين بعضٍ من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، والقادة العسكريين، أو الجيش الوطني، ومثال ذلك العداء الصريح بين عضو المجلس، عثمان مجلِّي، ووزير الدفاع محمد المقدشي، وامتداد هذا العداء إلى قطاع واسع من الجيش، على خلفية اتهام مجلِّي وزير الدفاع، وقادة الجيش، ببيع أسلحته في السوق السوداء، والتكسُّب من ذلك، ومن القوام البشري الوهمي داخل صفوفه. ومثلُ هذا الوضع، وربما أسوأ منه، العلاقة بين عضو المجلس، العميد طارق صالح، وقادة الجيش الوطني من داعمي ثورة فبراير (2011) التي أطاحت عمَّه، الرئيس الأسبق، علي عبد الله صالح.
لا يزال مصير قوات ألوية الحماية الرئاسية، خصوصًا المتركزة في أبين والساحل الغربي (التِّهامي)، والتي كانت تحت قيادة نجل الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي؛ يثير جدلًا واسعًا، فلو أنَّ مجلس القيادة الرئاسي تهيأت له ظروف الانتقال من الرياض إلى عدن؛ هل ستكون هذه القوات، بخلفياتها وتشكيلها الراهن، باستثناء قيادتها العليا؛ هي المعنية بمهمّة حماية المجلس، أم أنَّ قواتٍ جديدة ستشكَّل لهذه المهمة، وهل سُتفرغ عدن من أي قوات ومليشيات انفصالية، من شأن بقائها تقويض دور المجلس؟
*نقلاً عن العربي الجديد
اقراء أيضاً
مفاوضات السلام اليمنية وتراجع الأجندات الخارجية
برلمان اليمن وحكومته: ضَعُفَ الطالب والمطلوب
"الانتقالي الجنوبي" ولعبة الإرهاب في أَبْيَن