مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، يديره شباب يمنيون وباحثون غربيون، ويتلقى دعماً ماليا يأتي من منظمات غربية، وهو دعم سخي بما يكفي لأن يقوم بدوره كمركز يعمل ضمن أجندة لبرالية. هذه ليست مشكلة في الحقيقة، لكن هذا المركز يؤكد باستمرار أنه مقاول جيد ونشيط للغاية وبتنافسية عالية قياساً ببقية المراكز الأكثر التزاماً والتي تعاني من محدودية الموارد.
أحدث ورقة صدرت عن هذا المركز حملت عنوان "تعز: معقل الميليشيات غير النظامية"، كتبه شخص ينتحل اسم: خالد فاروق، وقد برر المركز هذا الانتحال لأسباب أمنية، وكأن الكاتب يعيش في صنعاء معقل الحوثيين، أو في عدن معقل المجلس الانتقالي الانفصالي، أو في المخا معقل ميلشيا طارق صالح التي تنتحل بدورها اسم "حراس الجمهورية".
الورقة للأسف الشديد ليست أكثر من وشاية أكاديمية بتعز التي لا تزال تحتفظ بقدرة على حماية الجغرافيا التي يتنفس فيها الناس نسيم الحرية ويقاومون مشاريع تفكيك الدولة، وللأسف يبقى الإصلاح هو الشماعة التي ينفذ منها هؤلاء للنيل من الكتلة الصلبة المدافعة عن الدولة اليمنية المغدورة، رغم أنه حزب يشارك في الحكومة ويدافع بواسطة رجاله في الميدان عن الحواضر القليلة المتبقية تحت نفوذ الشرعية المعترف بها دولياً.
منذ فترة قريبة استطاعت قوى إقليمية نافذة على ما يبدو أن تدس في تقرير الخبراء البارزين معلومات حول وجود معسكرات تابعة للمقاومة الشعبية في تعز بقيادة الشيخ حمود المخلافي ووضعت أسئلة حول مصادر التمويل، وهذا الفريق في الحقيقة اليوم يواجه مشكلة تتعلق بمصداقيته وأخلاقه المهنية، وحياديته وقد رفضت الحكومة التمديد لهذا الفريق.
لكن يلاحظ أن ورقة مركز صنعاء كأنه قصد منها استكمال دور الفريق الدولي، والتي تضمنت إشارة إلى كل من قطر وعمان كمصدرين للتمويل، وفي المقابل سمت الورقة الإمارات مصدراً لتمويل الانتقالي وطارق صالح وكتائب أبو العباس المصنفة إرهابية، والسعودية ممولاً للجيش الوطني لتبدو الورقة حيادية ومنصفة.
ورقة مركز صنعاء اهتمت كثيراً بما أسمته توسعاً للمقاومة التي تصنفها كميلشيا غير نظامية، في منطقة الحجرية في محاولة للسيطرة على منافذ للحصول على السلاح. وللتذكير فقط، فمنطقة الحجرية كانت قد شهدت إفشال الجيش الوطني والمقاومة مخططاً إماراتياً لتمكين العميد طارق صالح وقواته في المخا متصلة بقيادات من اللواء 35 مدرع وكتائب أبو العباس، يهدف إلى فصل الحجرية عن بقية تعز وإحكام الطوق على عاصمة المحافظة وخنقها وخنق المشروع الذي تمثله.
من بين المخاوف العديدة التي أثارتها ورقة المركز، إمكانية صدام محتمل مع المجلس الانتقالي على تخوم محافظة لحج، أو تحرك قوات الجيش والمقاومة باتجاه المخا. ولأن رأس السلطة المحلية يبدو محايداً إلى حد الإحباط، فإن هذه الورقة قد تنجح في إيهام القارئ بأنه ليس من حق تعز أن تتحرر وتصبح خاضعة بالكامل للسلطة الشرعية، وما من طرف في هذه الحالة يمكنه أن يحقق هذا الهدف سوى الجيش الوطني والمقاومة الشعبية التي تسانده والتي يقودها الشيخ حمود المخلافي.
نموذج مأرب يبدو ماثلاً للعيان حيث تدور أشرس معركة في البلاد بين ميلشيا الحوثي الانقلابية والقوات الحكومية مسنودة من المقاومة الشعبية وهي خليط من القبائل والمقاتلين الذين ينتمون إلى مختلف محافظات الجمهورية حتى أولئك الذين كانوا جزء من الإصلاح هم يقاتلون بصفتهم إما مقاومة أو قوات تنتظم في السلك العسكري النظامي.
من المعيب أن تأتي هذه الوشاية من مركز صنعاء، لأن الجيش والمقاومة في تعز هي تعبير عن وحدة الموقف الوطني، كما أن أبناء الحجرية ليسوا كما جاء في الورقة، تسيطر عليهم المخاوف من تأثير معسكرات المقاومة التي هبطت من المريخ، أو أنهم في حالة توجس من المقاومة والجيش الوطني وكأن هذه المنطقة الزاخرة بالرجال عبارة عن كتلة ديمغرافية عزلاء أو لا شأن لها بما يجري وهي التي كانت ولا تزال القلب النابض للجمهورية.
القوة العسكرية التي تدافع عن تعز اليوم ليست حكراً على الإصلاح، وليست قوة يتصرف بها هذا الحزب كيفما يريد، وكذلك الحال بالنسبة للجيش الوطني في هذه المحافظة، والذي يتحكم بأهم موارد لواء يقود سلفي تابع للسعودية وللرئيس هادي وهو اللواء الخامس حرس رئاسي.
حُرم أبناء تعز من ميناء المخا التابع لمحافظتهم والذي كان يمكن أن يختصر معركتهم مع الانقلابيين، ويعيد للدولة وللسلطة الشرعية زمام المبادرة، لكن للأسف هذا الميناء أضيف إلى قائمة الإمكانيات الممنوحة لقوات نجل شقيق صالح التي استوطنت المخا ونسيت أن المخا مجرد قاعدة انطلاق لمعركة يجب أن تنتهي باستعادة صنعاء بالتعاون مع كل القوى اليمنية الجمهورية.
*من صفحة الكاتب على "فيسبوك"
اقراء أيضاً
عن الاعتداءات الصهيونية على الحديدة يوم السبت!
خارطة الطريق اليمنية إلى جحيم الحرب الحقيقية
لماذا كل هذا الرهان على مفاوضات مسقط الإنسانية الاقتصادية؟!