أصبحت مشاعرنا جزءاً من هذا الفضاء الإلكتروني، نعبر عنها بملصقات إيموجي إن صح القول، وبكبسة زر نُعبر عن شعور كبير نختصر من خلاله المسافات والطرق الطويلة والبعيدة، وبكبسة زر آخر واختيار وجه حزين أو سعيد أو غاضب نلغي الكلمات ونقص أجنحة الحروف فلا تكتب هنا، ولا على الورق، ولا يسمح لها بالذهاب إلى هناك.
أصبحنا جزءاً من تلك الملصقات؛ نعبر بها عن دواخلنا، عن الحب الكبير، عن الألم والصدمة، بل مع مرور الوقت عبر تلك الشاشات الزرقاء ومواقع التواصل المختلفة اكتشفنا أننا لم نعد فقط نعبر وننفس عن كبت أنفسنا في فضائها، بل أصبحنا نهدر الوقت والمشاعر والحروف والكلمات وكل جميل كان يجب أن نعبر عنه كما هو نكتبه في الورق كما ينبع من القلب وكما نتمنى.
ماذا لو تركناها وعدنا إلى الوراء قليلاً؛ إلى تلك الرسائل الورقية التي كان يكفينا منها احتفاظها بذكرى حبيب، وأخبار غالٍ كتب على سطورها حروفاً تهجاها لسانه وخطتها يده، وجزءاً كثيراً أو قليلاً بذله من أجل وضع جمل تليق بمن كتبت له.
ثم أرسلها بشوق كي يتلقاها المكتوبة من أجله بعد طول انتظار بشوق أكبر، وبين البريد والبريد حنينهم للرد وللكثير من البوح بعد كل تلك المسافات الطويلة.
اليوم فقدت تلك الرسائل رونقها، ووضعت على رفوف النسيان، وأغلقت مكاتب البريد، وهاجر مراسولها، وأصبحتْ جملة (متصل الآن، نشط الآن) أعلى الشاشة أو أسفلها وسيلتنا للاطمئنان على من نحب عبر رسالة جماعية عابرة، وسبيلنا لمعرفة أنه بخير في مكان ما في هذا العالم.. قد لا نكلف أنفسنا رغم كل هذا القرب عن السؤال أين؟؟
أصابت مشاعرنا طفرة في عالم التكنولوجيا، وكل يوم يُضاف شعور جديد على شكل ملصق باهت سوقوه لنا كإضافة جديدة في عالمنا الافتراضي وقبلناه كواقع فرض علينا في صحراء مشاعرنا القاحلة التي جعلتنا أرواحاً هامدة لا أحاسيس فيها ولا حياة.
بعد أن فتحت قبوراً للكلمات و للمشاعر الصادقة في أعماق القلوب، وأحلت بدلاً عنها التكنولوجيا.
نستطيع القول الآن إننا أصبحنا دُمى بمشاعر تكنولوجية.
اقراء أيضاً
هل يُعتم القمر؟
على ماذا نخاف؟
ثغرة نور