شهدت الأيام الثلاثة الماضية تحولات مهمة في سياق الأزمة والحرب في اليمن، أبرز ملامحها تعثر المشروع الإماراتي في المحافظات الجنوبية والقاضي بفصل هذه المحافظات عن الدولة اليمنية في ظرف شديد التعقيد على المستوين اليمني والإقليمي.
الإمارات في مواجهة الشرعية
وبسبب هذا التحول الخطير فقد باتت الإمارات في حالة مواجهة شاملة مع السلطة الشرعية على كافة المستويات، بعد تبنيها العملي للانقلاب الذي قامت به مليشيا المجلس الانتقالي في عدن وتمدد هذا الانقلاب باتجاه أبين وشبوة، الأمر الذي لم تملك معه السلطة الشرعية سوى أن تكشف عن الوضعية الجديدة للإمارات من دولة كانت جزءا من تحالف عربي يساند الشرعية إلى دولة تتبنى انقلاباً ثانياً وأكثر خطورة على السلطة الشرعية والدولة اليمنية وتتبنى خطاً منفصلاً عن استراتيجية التحالف وأهدافه.
طيلة السنوات الأربع الماضية، تقاسمت الإمارات النفوذ مع المملكة العربية السعودية على الساحة اليمنية، غير أن طموحها الجيوسياسي المتصل بنزعة النفوذ التي تهيمن على سلوك ولي عهد أبوظبي دفعها إلى محاولة إغلاق المجال الجنوبي أمام النفوذ السعودي، وجر هذه الجغرافيا الهشة اصلاً إلى مغامرة الانفصال في ظل وضع بالغ التعقيد يمكن معه أن تفقد السعودية الحق في إدارة المعركة على الساحة اليمنية ومشروعية الوصاية المطلقة التي تمارسها اليوم في اليمن على خلفية التزامها تجاه المجتمع الدولي بمساعدة السلطة الشرعية وإنهاء مسببات الحرب وعدم الاستقرار والمتمثلة في التمرد والانقلاب.
ترسّخ يقينٌ لدى معظم اليمنيين بأن السعودية تتماهى مع المخطط الإماراتي، وإلا لتيقظت لما تقوم به الإمارات طيلة أكثر من أربعة أعوام، حيث تفرغت للاستثمار في تلغيم الدولة والمجتمع عبر استحداث بنى عسكرية انفصالية ومناخ سياسي متوتر وجرعة كراهية مكثفة لمؤيديها ضد اليمن والوحدة، مقابل دفعهم إلى التماهي الكامل مع توجهات أبوظبي وأجندتها التخريبية.
انقلاب المجلس الانتقالي
حتى ما قبل ثلاثة أيام مضت، كان الانقلاب الذي ينفذه المجلس الانتقالي هو العنوان الأبرز في الساحة اليمنية، بعد أن شاهد اليمنيون مدناً ومناطق ومواقع عسكرية في الجزء الغربي من جنوب اليمن، تتداعى أمام تقدم قوات هذا المجلس معززة بالامدادات الإماراتية، وكان أكثرها استفزازاً إسقاط عاصمة محافظة أبين التي ينحدر منها الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي لم يستطع على ما يبدو تحمل هذه الكمية من الإهانات الموجهة لموقعه الرئاسي.
اتكأ المجلس الانتقالي في أبين على نفوذ الحزام الأمني الذي استباح المحافظة طيلة السنوات الماضية، بمبرر مكافحة القاعدة وداعش، فنفذ سلسلة من الاعتقالات وأقام معسكرات عديدة وخزن الكثير من الأسلحة مما سهل عليه السيطرة على عاصمة المحافظة التي تقع على مقربة من الساحل خلال ساعات.
ولم يحتج المجلس الانتقالي للدفع بتعزيزات إلى محافظة شبوة، لأن النخبة الشبوانية التي أنشأتها الإمارات على أساس جهوي تماماً كالحزام الأمني، كانت قد تمكنت من فرض نفوذها العسكري والأمني على معظم المحافظة وخاضت مواجهات مع قوات الجيش الوطني لفرض النفوذ في عاصمة المحافظة عتق.
هزيمة المجلس الانتقالي في شبوة
وتحت تأثير انتصاره في عدن، أوعز المجلس الانتقالي للنخبة الشبوانية بالبدء بفرض نفوذها على المحافظة والإطاحة بقيادتها، تمهيداً لوضع اليد على أهم مصادر الثروة التي يحتاج إليها المجلس الانتقالي لضمان بقاء وديمومة دولة الأمر الواقع المقامة في عدن على هامش ضعف الدولة اليمنية وهشاشة موقفها العسكري.
ففي محافظة شبوة توجد خمسة حقول نفطية على الأقل، وميناءان لتصدير النفط والغاز، وعلى أراضيها تمر أنابيب نقل النفط والغاز، بالإضافة إلى وجود معادن عديدة يمكن استغلالها في تأمين مصادر دخل كبيرة في المستقبل.
لكن قوات النخبة كانت تعاني في هذه المحافظة من تجارب سابقة شهدت فيها انكسارات أمام وحدات الجيش الوطني، وأمام مقاتلين قبليين كذلك، بالإضافة إلى أنها خاضت معركة في منطقة تعاني من ضعف الإمدادات بسبب طول المسافة بين شبوة وعدن، والتي تصل إلى أكثر من 300 كليومتر، في مقابل اتصال القوات الحكومية بإمدادات تأتيها من محافظتي مأرب وحضرموت المجاورتين من الناحيتين الشمالية والشرقية على التوالي.
ويمكن إجمال الخسارة التي منيت بها القوات الموالية للإمارات، في تضعضع معنويات قوات النخبة التي تأثرت إلى حد كبير بالتجاذبات القبلية كون منتسبيها ينحدرون من قبائل وعشائر عديدة متحالفة ومتصارعة في هذه المحافظة، ولأن بعض قادة هذه النخب لم يكونوا على انسجام كامل مع المشروع التخريبي للإمارات، بالإضافة إلى الدور المحوري الذي لعبته الوجاهات الكبيرة في المحافظة من رجال دولة سابقين إلى جانب المحافظ الموالي للسلطة الشرعية.
ويمكن إضافة الدور السعودي كعامل نجاح كبير جداً في إفشال المخطط الانتقالي للسيطرة على محافظة شبوة، ولو من الناحية المعنوية، فقد وفر الموقف السعودي غطاء مهماً للجيش الوطني لكي يتحرك دون خوف من تدخل محتمل للتحالف لقلب المعادلة كما حدث في مدينة عدن.
لذا يمكن القول إن مشروع الانقلاب الذي تموله الإمارات في جنوب اليمن، قد مني بهزيمة ساحقة، بعد أن أصبحت المواجهة الحقيقية بين السلطة الشرعية والإمارات، ومع مواجهة كهذه فقد باتت الإمارات طرفاً منبوذاً وفاقداً للمشروعية، وأولوياته القصوى أن يخرج بماء الوجه، من بلد يرى الإمارات وقادتها مصدرَ شرور كبيرة لليمن وللمنطقة.
إن تحييد الإمارات عن التأثير في مجرى الحرب من شأنه أن يحدث حراكاً على مستوى الجبهات، قد لا يعكس حرص السعودية على تمكين الشرعية بمكوناتها السياسية التي لا تزال الرياض تتحفظ على بعضها، ولكنها تعكس حاجة السعودية إلى إحداث اختراق يمكنها من التحكم مجدداً في المشهد اليمني بعد أن تحولت من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع أمام الحوثيين الموالين لإيران.
*عربي21
اقراء أيضاً
عن الاعتداءات الصهيونية على الحديدة يوم السبت!
خارطة الطريق اليمنية إلى جحيم الحرب الحقيقية
لماذا كل هذا الرهان على مفاوضات مسقط الإنسانية الاقتصادية؟!