بالتأكيد، ليست العلاقة على ما يرام بين الإمارات والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في ظل الصراع الناعم بينهما على التشكيلات والمليشيات المسلحة في اليمن، والتي لم يعلن معظمها الولاء للرئيس هادي، لأنها تستمد تسليحها، وتموينها، ومرتباتها من الإمارات.
يبدو أن هادي الذي أوجعته الإمارات كثيرا، وأمعنت في إهانته على أرضها، وعلى أرضه التي تسيطر عليها، واستهدفت قواتِه بطائراتها ومليشياتها، وجعلت من كريتر (عدن)، فوهة بركان لا يطيق فيها البقاء، يبدو عليه أنه استوعب الدرس، لكنه استيعاب متأخر، وهكذا هي عادته.
ما يتردّد، هذه الأيام، ومن دون إثارة الجدل حوله، إن الرئيس هادي تمكّن من إعداد ثلاثة عشر لواء، ضمن قوات الحماية الرئاسية، في تجاوزٍ واضحٍ للقوام المعياري لهذه القوة، مع ما تتمتع به من امتيازات، في التدريب، والتسليح، والمرتبات، والإعاشة، لا نظير لها في صفوف قوات ما يوصف بـ"الجيش الوطني" التي تقاتل في مختلف جبهات الشمال، من دون مرتباتٍ منذ ستة أشهر.
قبل نحو شهرين، تجرّأ هادي، فبادر إلى إرسال لجان حصرٍ للقوات التي تخضع للقيادة الإماراتية في الساحل الغربي، المعروفة إعلاميا بـ"ألوية العمالقة"، والمكوّنة من مقاتلين ذوي ميولٍ سلفية، تقاتل الحوثيين ببندقة، وتدّخر أخرى لمعركةٍ قادمة، أبرز أطرافها حزب التجمع اليمني للإصلاح، الهدف الثاني للإمارات بعد الحوثيين. وفي هذه المعركة، قد يكون هادي ضمنها، ولكن بدرجة أقل، لأن الواقع يقول إنها ستكون مع قوات الحزام الأمني وقوات النخبة، المواليتين للإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي).
خرجت لجان الرئيس هادي بحصر لواءٍ واحد، وضمّه إلى قيادة الجيش، وهي محصّلة ضئيلة جدا، إذا ما قيست بعشرين لواء تديرها الإمارات، في الساحل الغربي والجنوب، بمعزلٍ عن الرئيس هادي. ليس ذلك فحسب، بل أُعلن، في السادس من فبراير/ شباط الجاري، عن تخريج لواء مشاة جديد، يحمل الرقم خمسة، بين ألوية ما تسمى "حرّاس الجمهورية" التي يقودها العميد طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، المدعوم، كذلك، إماراتيا، والذي تتمركز قواتُه بين مدينة (ميناء) المخاء، وأسوار مدينة (ميناء) الحديدة.
جنوبا، ذهب هادي إلى دمج قوات النخبة الحضرمية التي كانت مواليةً للإمارات في قوات الجيش. وتمكن من ذلك بدعمٍ سعودي، ولكن بشروط إماراتية، ولم يتجرّأ، بعد، على الاقتراب من قوات النخبة الشبوانية الأشد ولاءً للإمارات، وهي قواتٌ ضاربة، يقودها شبابٌ أغرار، تسيطر على القوس الذهبي للساحل الجنوبي الشرقي، حيث الموانئ، ومشروع بلحاف للغاز، وما يمثّله وجودها هناك من هيمنةٍ على أهم نقاط الفصل والوصل بين محافظتي المَهرة وحضرموت شرقا، ومحافظتي أبْيَن وعدن غربا، ومأرب والبيضاء في العمق.
في خضم هذا التدافع، ما الذي يضيفه تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في السادس من فبراير/ شباط الجاري، والذي كشف عن تنوّع كبير في الأسلحة التي حصلت عليها الإمارات، وأمام كل نوع منها ليس أقل من ثمانية مصادر، من بين عشرين دولة، منها: الصين، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، وإسبانيا، والسويد، وبريطانيا، والولايات المتحدة، وجنوب أفريقيا، والبرازيل، وروسيا.
إزاء هذا السؤال، ثمّة ما يجيب عنه في الواقع؛ فالقتال في الحديدة متوقفٌ بقرار دولي، فيما لا تزال شحنات الأسلحة ومعدّات القتال تصل إلى عدن والمخاء تباعا. وهنالك نشاط عسكري ملموس لقادة وقوات الحزام الأمني التي وصفها تقرير فريق خبراء مجلس الأمن المعني باليمن، عام 2018، بأنها "ركائز أساسية لاستراتيجية الإمارات الأمنية في اليمن"، وأدوات فاعلة لتقويض سلطة الرئيس هادي. وفي مقابل ذلك، ينشط مسؤولون أمنيون، ومدنيون، موالون للرئيس هادي، في محاولةٍ لفرض سلطته في المحافظات الجنوبية التي تتمركز فيها قوات الحزام الأمني وقوات النخبة، وسبق لهؤلاء المسؤولين أن أحدثت تصريحاتهم الإعلامية ردود فعل إماراتية متشنجة.
يبدو أننا أمام منعطفٍ له ما بعده، فهل سيتمكّن الرئيس هادي من استكمال وضع قدميه على أرضٍ صلبة؟ أم أنه سيغادر المشهد قبل ذلك، وعلى نحو ما يرسمه له قادة الإمارات وحلفاؤهم في الجنوب؟ حتما لن تكون نهاية هادي سهلةً، كما يتوقع خصومه، كما أن تبعات أي مغامرةٍ من هذا النوع، ستفتح الحرب على مصاريع كثيرة.
*العربي الجديد
اقراء أيضاً
مفاوضات السلام اليمنية وتراجع الأجندات الخارجية
برلمان اليمن وحكومته: ضَعُفَ الطالب والمطلوب
"الانتقالي الجنوبي" ولعبة الإرهاب في أَبْيَن