حين بدأ مونديال كأس العالم؛ لم نكن نتصور بأننا سنبكي على انتهائه. سنبكي على اللحظات الجميلة التي أنستنا جحيم الحرب والواقع المر، سنبكي على الجميلات بالغات الحُسن والجمال، أثدائهن كأحقاق العاج، وأعينهن الواسعات يعكس جمال العالم بمختلف ألوانه.
رغم الجحيم الذي نعيشه، والاخبار المتوالية عن ضحايا الحرب المتسمرة، لم ننسى أن نعيش كل اللحظات السعيدة في مونديال روسيا 2018م، لقد وقفنا في المدرجات نهتف للفرق التي لا تعرف من نحن، ولا من اين جئنا، ولا يعرفون شيئا عن الجحيم الذي جئنا منه لنشاركهم عرسهم الكروي الضخكم. لقد شاركنا اللاعبين اللعب، وكانت اراوحنا تجري معاهم في الملاعب تارة، وأخرى نأخذ صفارة الحكم، ونحكم بعاطفتنا لمن نراه مظلوما.
في المجالس كنا تبادل الكلمات، نحلل وننتقد ونمدح، نتقاسم المجلس نصفين، النصف الأول يهتف لفريق، والنصف الثاني يهتف لآخر، وكلنا نهتف معاً للجميلات.
نبتسم حين يسجل الفريق الذي نهتف له، ونحزن لخساره الفريق الآخر.. شجعنا الفرق الصغيرة، والوجوه الجديدة، وتركنا الفرق الكبيرة، تغرق بالهزيمة.
لم نلتفت إلى وجه الوطن الممزق طيلت فترة المونديال، بل ظلت وجوهنا شاخصة نحو الجميلات. واذهاننا شاردة عن الوجع، راسخة في العرس الكروي الضخم..
انقضى المونديال، وأعيننا لم تمل النظر إليه. كنا نعيش المتعة، ولم نحزن لمغاردة المنتخبات العربية والآسيوية.
نتطلع إلى حياة العالم بتعجب وصمت، ولم نجد تفسيرا للحرب الأبدية في بلادنا. تبتلع دوامات الحرب الأمل الباقي لدينا، وننسى التفكير بالوصول إلى هذا المونديال، وتذوق لحظاته الجميلة.
لشهر كامل لم تنم أعين العالم قبل أن تتحدث عن مونديال روسيا. تحدث الناس بلا انقطاع، ليس عن الرياضة فحسب؛ بل عن تقدم الشعوب في شتى المجالات، عن اختفاء فرق رياضية، وصعود فرق أخرى. عن علاقة الأنظمة السياسية بالنجاح الكروي، عن الاقتصاد وعلاقته بالرياضة، عن الجميلات وتأثير سياسة الدول على ملامحهن.
كيف نصل إلى المونديال؟!
كان السؤال يقطع روح كل عربي يتابع مونديال روسيا، كان يتحدث به العربي مع نفسه ومع الآخرين. وحين يستمع إلى الأخبار ويقرأ التفاصيل، ثم يعرف بأننا نخوض مونديال أبدي، تلعب فيه الفرق بالدماء وأرواح البشر. تسرق أحلام الأطفال وامنيه الكبار..
يعلن المنادي خبر الحرب، ويعتلي إمام المسجد المنبر يحرض على القتال، يسهب فيه ويفسره ويدافع عنه، ينصت الناس من باب التأكد أو المضاهاة، ويملأون أنفسهم الفارغة بالحقائق التي جمعوها، ويسقطون كل قول يمنيهم بالسلام.
يقولون: إن الله كتب لنا الشقاء، و أن يتم ضياع البلاد على يدي حكامنا. يموت المواطنين تباعا ويردد الناس: "لا حول و لا قوة إلا بالله". يعترض البعض على وضعنا المرّ ، والبعض يؤيد باكيا إستمرار مونديال الحرب الأبدي.
سيعود الناس اليوم بعد انتهاء اخر لقاء في مونديال روسيا الليلة، ولا يجرأ ان ينظر أحد في عين الواقع المر، تميل رؤسهم نحو المرآه المكسورة، وتنصدم أحلامهم بحقائق الحرب.
تحركت الأقدام وئيدة ثقيلة في فضاء صامت لا يرغب احد في توديع اللحظات الأخيرة من مونديال روسيا 2018.
مالت شمس المونديال على المجالس والطرقات، ثم مالت أكثر وغابت، ونحن نواصل السير إلى جحيم الحرب الأبدية. نحدّق في كل اللحظات الجميلة فتغيب فجأة، ثم لا نرى سوى تجاعيد الوطن المحنطة بالوجع، كل لحظاتنا الجميلة تكبر في الموت وتعيش معنا الوجع.
إنقضى مونديال كأس العالم، ومونديال الحرب باق ويتمدد.!!
اقراء أيضاً
العادات والتقاليد..
المرأة العربية بين الإنفتاح والإنسلاخ
الى عفاش.. لقد خانوك أتباعك