"يمن شباب نت" يفتح ملف ارتفاع أسعار "الخبز" في تعز.. الأسباب والحلول بين تراجع السلطة ورفض الأفران

[ ارتفاع أسعار الخبز بمدينة تعز المحاصرة ضاعف من أعباء المواطن في ظل وضع اقتصادي مزري ]

أعتاد "سلطان الشرعبي"، الاستيقاظ باكرا، عند الساعة الخامسة من بعد صلاة الفجر، ليهيم على وجهه في شوارع مدينة تعز المحاصرة، ماراً على الأماكن التي ألف التعريج عليها غالبا، للبحث عن عمل ينتزع منه ما يساعده على إعالة أسرته المكونة من زوجة وثلاثة أبناء يعيشون معه حاليا..
 
يعيش "سلطان"، على مصدر دخل غير مستقر، متنقلا بين أعمال البناء والسباكة وغيرها من الخدمات التي يجيدها. وفي العادة يقفل عائدا إلى منزله الصغير قبل مغيب الشمس حاملا ثمرة استيقاظه الباكر، وفي تارات أخرى يعود محملا بخيبة أمل، في مدينة أرتفع فيها سعر "الخبز" مؤخرا، ليضيف عبئا آخر على كاهله.
 
في أوقات سابقة، يقول "سلطان الشرعبي" أنه أضطر إلى أن يدفع بأحد أبنائه مبكراً إلى العمل في سوق "القات"، بينما أرسل أبنه الآخر للانضمام إلى صفوف الجيش، قبل أن ينهيا دراستهما. وذلك حسب تأكيده "من أجل تلبية متطلبات حياتية أخرى"، لا سيما في ظل الحرب والحصار الذي تمر به المدينة، وما رافق ذلك من تداعيات على رأسها الاستمرار في فقدان العملة المحلية قيمتها الشرائية.
 
 
وجبة الفقراء بين السلطة والتاجر
 
 لطالما ظل "الخبز" وجبة اليمني الدائمة، التي لا يمكنه الاستغناء عنها في مختلف وجباته اليومية. وذلك ليس فقط لكونه يشكل الوجبة الرئيسية، بل ولكونه أيضا يعد الوجبة الأقل ثمنا في حياته، والتي يمكنه توفيرها في كل الأحوال. وحتى مع ارتفاع الأسعار الدائم ظل "الخبز" يعتبر وجبة الفقراء الدائمة، حيث يمكن للكثيرين الاكتفاء به عند عدم القدرة على توفير أطعمة أخرى بسبب ارتفاع ثمنها..
 
وفي منتصف شهر مايو/ آيار الفائت، أصدر محافظ محافظة تعز نبيل شمسان قرارا يقضي برفع أسعار الخبز والروتي، بزيادة 10 ريال للقرص الواحد. وبحسب ديباجة القرار جاء ذلك "بناء على المحضر الموقع بتاريخ 30 أبريل 2024 بين مدير عام مكتب الصناعة والتجارة ورئيس جميعة الأفران".
 
وعلم "يمن شباب نت" أن جمعية سبق وأن ضغطت على مكتب الصناعة وهددت بإغلاق الأفران ما لم يتم رفع أسعار الخبز والروتي سريعا، بسبب ارتفاع أسعار الدقيق..
 


وأثار القرار الصادر من المحافظة موجة ردود شعبية غاضبة واسعة، تبناها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، ما جعل المحافظ يقرر التراجع لاحقا عن قراره السابق بالرفع، واصدار توجيهات جديدة بتاريخ 25 مايو، بإلغاء القرار السابق، بحسب ما نشره مكتب إعلام المحافظة، الذي أكد أن المحافظ وجه مدير مكتب الصناعة والتجارة بتشكيل لجنة لدراسة القرار وتحديد السعر بما يتناسب مع مصلحة المواطن ومع تكاليف الانتاج للمخابز في آن.
 
ومع ذلك، ما زالت الأفران تبيع الخبز بالسعر الجديد، وترفض العودة لسعره السابق، ضاربة بتوجيهات المحافظة عرض الحائط. بل يتهم الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي الأفران بتقليص حجم القرص الواحد من الخبز والروتي، كما أنها ترفض أيضا استخدام الميزان لوزن حجم الخبز أمام الزبائن..!!
 
 
تحذيرات.. وخطوط حمراء
 
وقبل الارتفاع الأخير، كانت الأسرة اليمنية، المكونة من خمسة أفراد، تنفق بالمتوسط ما بين 1000 - 1,500 ريال (0.55 - 0.85 دولار) قيمة "الخبز" في مجموع وجباتها الثلاث الرئيسية في اليوم..
 
ومؤخرا، بعد ارتفاع أسعاره، يؤكد "سلطان الشرعبي" لـ "يمن شباب نت"، أنه أصبح ينفق ما يعادل 2,500 ريال (1.5 دولار)، كحد أدنى، على شراء الخبز (أو الروتي) يوميا، حسب تأكيده لـ "يمن شباب نت". ما يعني أن مجموع ما يشتريه شهرياً قد يسلبه نصف الدخل الذي يتحصل عليه لقاء عمله- هذا إن حالفه الحظ في الحصول على عمل طوال الشهر.
 
وهذا ما جعله يحذر، قائلا: "إن مزيداً من الارتفاع في أسعار الخبز أمرا غير محتمل"، مستدركا "وسيكون مصير كثير من الأهالي تقليص معدل استهلاك الخبز، والاكتفاء بالحد الأدنى منه، نظراً للعجز المؤكد في التماشي مع الأسعار الجديدة".
 
ويرى الصحفي المهتم بالشأن الاقتصادي "نبيل الشرعبي"، في حديثه لـ "يمن شباب نت"؛ أن القرار الصادر بشأن ارتفاع تسعيرة الخبز يعد استهدافاً لما تبقى من مصدر حياة للسكان في المدينة واللذين يعتمدون، حد قوله، بشكل كلي أو شبه كلي على شراء الخبز من الأفران كمادة رئيسية لوجباتهم اليومية.
 
 


أسباب وتعقيدات
 
 هناك عوامل مختلفة أدت مؤخرا إلى ارتفاع تسعيرة "الخبز" في عدد من المحافظات المحررة، مثل: تعز وعدن ولحج، وغيرها. وأبرز تلك العوامل هي: التدهور الاقتصادي المستمر، وضعف القوة الشرائية المتواصل للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، خصوصا مع إيقاف تصدير النفط والغاز مؤخرا، وعدم قدرة الحكومة على تقديم بدائل لتوفير العملة الأجنبية..
 
ولكن فيما يخص مدينة تعز بالذات، فكما أن تداعيات ارتفاع تسعيرة "الخبز" أشد كارثية بسبب عوامل الفقر، وفقدان الوظائف، وضعف القوة الشرائية، ومخاوف رأس المال وعزوف المستثمرين عن توسيع استثماراتهم؛ إلا أن أسباب هذا الارتفاع في التسعيرة هنا تزيد بفعل الحصار المفروض على المدينة، وطول مسافات الطرق البديلة ووعورتها.
 
وعزى الصحفي الاقتصادي "وفيق صالح" ارتفاع تسعيرة الخبز إلى تدني قيمة العملة المحلية، واضطراب أسعار الصرف بشكل مستمر. حيث يرى أن هذا الانهيار في قيمة العملة، والاضطراب المستمر في أسعار الصرف، يؤثران بشكل مباشر على أسعار السلع والمواد الغذائية وكافة الخدمات ويؤدي إلى ارتفاع أسعارها مع كل دورة انهيار للعملة الوطنية.
 
ويقول صالح لـ"يمن شباب نت" إن ارتفاع أسعار الخدمات، بسبب التضخم وتدهور الوضع المعيشي، يؤدي إلى صعود أسعار كافة الأدوات اللازمة لإنتاج الخبز والروتي، فضلاً عن ارتفاع أسعار الوقود وهي مادة أساسية للإنتاج في المخابز والأفران، وجميع هذه العوامل تتعاضد مع بعضها مؤدية إلى هذا الصعود في أسعار الخبز والروتي.
 
كما يؤكد الصحفي الاقتصادي أن الحصار المفروض على تعز يساهم في ارتفاع أسعار السلع منها الخبز، من خلال تأثيره في ارتفاع تكاليف النقل، والتي تؤثر بدورها على المستهلك من خلال فرض أعباء إضافية على السلع، غير أنه يرى أن عامل الحصار يظل من العوامل الإضافية وليس الرئيسية.
 
 

حلول ومقترحات
 
وعن الحلول المطروحة في هذا الشأن يرى مدير مكتب الصناعة والتجارة في تعز، عبد الرحمن القليعة، أن المعالجات لهذا الملف لا بد أن تكون شاملة وعلى رأسها إيقاف تدهور العملة المحلية.
 
ويضيف القليعة لـ "يمن شباب نت" أن حل المشكلة الأمنية في البحر الأحمر سيفتح باب المنافسة لاستيراد الدقيق والقمح والمواد الأخرى، مؤكداً حسب تصريحه أنه هذا سيحل المشكلة، إلى جانب تحمل الدولة مسؤولية توفير مخزون أمن غذائي ودعم الوقود والحفاظ على استقرار الأوضاع الاقتصادية.
 
وفي الاتجاه نفسه، يؤكد الصحفي وفيق صالح على أن تحسين أسعار السلع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحسن قيمة العملة المحلية واستقرار الوضع المعيشي والاقتصادي.  
 
بينما يرى الصحفي الاقتصادي نبيل الشرعبي أن عودة المواطن بدرجة رئيسية إلى تحضير الخبز منزلياً، والتخلص التدريجي من شراء الخبز من الأفران قد يخفف الضغط على المخابز ويساهم في عودة الأسعار إلى طبيعتها.
 
لذلك فهو ينصح المواطن "الاستعاضة عن شراء الخبز بشراء الدقيق، والقمح، وحبوب الذرة المتنوعة، وتحضير وجبات ومخبوزات منزلية تمتاز بالبقاء لأيام دون تلف"، معتبر ذلك أمرا يناسب منعدمي الدخل، آخذاً بعين الاعتبار أن هذا الحل قد يتعذر على الجميع ويكفي أن تمارسه شريحة كبيرة.
 
 
جمعية الأفران ترفض  
 
كما ذكرنا سابقا؛ أدى الضغط الشعبي الواسع، من الناشطين والإعلاميين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إصدار محافظ المحافظة توجيهات بإلغاء قراره السابق بالسعر الجديد، وتشكيل لجنة لدراسة الأسعار واتخاذ القرار المناسب دون الإضرار بالمواطن والبائعين. وعلى ضوء ذلك أصدر مدير مكتب الصناعة والتجارة تعميما أعلن فيه التراجع عن القرار، وإرجاع الأمر إلى اللجنة للدراسة وتحديد السعر المناسب..
 


ومع ذلك لم تستجب "جمعية الأفران والمخابز" بمدينة تعز، إذ ما زالت حتى اليوم ترفض العودة إلى السعر القديم، وانتظار قرار اللجنة، بحجة أن ذلك سيؤدي إلى إفلاس عدد من أصحاب هذه المخابز.
 
والاثنين قبل الماضي نفذت الجمعية إضرابا شاملا للمخابز والأفران للضغط على السلطة المحلية والمواطنين لقبول التسعيرة الجديدة. وبعد يومين من الإضراب، عادت لتبيع الخبز بالتسعيرة الجديدة،  رغم الغائها مؤقتا حتى تبت اللجنة بالأمر. 
 
وقد أكد رئيس جمعية المخابز والأفران، إسماعيل عبد الفتاح، لـ "يمن شباب نت"؛ أن التسعيرة الآن تسير حسب القرار الأخير للسلطة المحلية، والذي يقضي بالعمل بالتسعيرة التي أصدرها مكتب التجارة والصناعة أولاً، وهي 60 ريال كسعر للروتي- وزن 50 جراماً.
 
لكنه أشار، في الوقت ذاته، إلى أن الجمعية والمواطنين ينتظرون نتائج اللجنة التي كلفها محافظ المحافظة بعمل دراسة دقيقة حول هذا الشأن ووضع التسعيرة التي تناسب المواطنين ولا يتضرر من خلالها أصحاب المخابز والأفران.

يأتي ذلك، فيما أوضح مدير مكتب الصناعة والتجارة عبد الرحمن القليعة، لـ "يمن شباب نت" أن عمل اللجنة المذكورة ما زال جارياً، وفي إطار التنفيذ إلى جانب الجهات ذات الصلة بالمصلحة، مشيرا إلى أنها اجتمعت أمس الأربعاء بعدد من الجهات والمؤسسات من بينها المؤسسة الاقتصادية لدراسة إمكانية استيراد دقيق بسعر أرخص، مضيفاً أن السبت القادم سيعقد اجتماعاً لعرض ماتوصلت إليه اللجنة في هذا الشأن

ولفت القليعة إلى أن تقلبات سعر الصرف تمثل أحد العوائق التي تحول دون استطاعة اللجنة اعتماد سعر محدد وإعلانه، إلى جانب تداعيات الأحداث الأمنية في البحر الأحمر والتي أثرت على حركة الاستيراد والنشاط التجاري ككل.

 
خاتمة

في الأوضاع الطبيعية في مختلف دول العالم، التي تشهد استقراراً سياسياً واقتصادياً ولا تعاني من حروب وأزمات إنسانية؛ يعد ارتفاع سعر الخبز تحدياً تواجهه الدولة والمجتمع في آن. ذلك أن الخبز يمثل مصدر الأمن الغذائي الأول، والذي على ضوءه تتأرجح مؤشرات الاستقرار الاجتماعي.
 
وعندما يكون هذا الارتفاع في منطقة، أو محافظة، تعيش أصلاً أزمة إنسانية حادة وانعداماً في الأمن الغذائي، فإن الأمر لا ينذر بانهيار الوضع الاقتصادي فحسب؛ بل يجعل المواطنين في عمق تداعيات هذا الانهيار، بشكل عملي.
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر