تشهد محافظة إب (وسط اليمن)، هذه الآونة تصاعداً كبيراً في وتيرة السطو والنهب لأراضي الأوقاف كظاهرة ممتدة منذ سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية على المحافظة في خريف 2014م، حيث عمدت المليشيا ومن الوهلة الأولى لاجتياحها المحافظة، وبسياسة تبدو ممنهجة إلى نهب ومصادرة مئات الهكتارات من أراضي الأوقاف في مركز المحافظة ومديرياتها، وتوزيعها لقيادات في الجماعة وأسر نافذة أغلبها من مناطق شمال الشمال كتجذير لثقافة الفيد والسلب التي تعاني منها المحافظة منذ عقود من الزمن.
وخلال سنوات الانقلاب التسع عملت المليشيا بلا كلل أوملل وسابقت الزمن في الاستحواذ على أكبر قدر من الأراضي الوقفية وتوزيعها على قيادات ونافذين ساهم في تسهيل ذلك حصولهم على وثائق مزورة لأسر سلالية تغولت في القضاء على مدى عقود وسطت بموجبها على أراضٍ واسعة من أوقاف المحافظة كتركة لأسر بائدة تملكت الأرض والإنسان إبان حكمها الغاشم للبلاد على غرار الأسرة المتوكلية.
السطو الحوثي لأراضي الأوقاف طوال هذه السنين والذي سهله وتواطئت معه قيادات نفعية محلية، فتح شهية حشود من النهابة والنافذين الذين تداعوا من كل حدب وصوب لالتهام مساحات واسعة من تلك الأراضي الوقفية بمافي ذلك المؤجرة لمواطنين كجغرافيا سهلة الابتلاع والنهب، وفي ظل ارتفاع أسعارها لمستويات قياسية هي الأعلى في المنطقة وفق التقارير الإقتصادية.
السحول.. مشروع فيد
كشفت مصادر مطلعة، عن وجود عصابات فيد مدعومة بنافذين وقيادات حوثية تدّعي ملكيتها لعشرات المواقع والجبال والوديان والقرى في منطقة السحول شمالي مدينة إب، معتمدة في ذلك على وثائق مزورة وباطلة تسعى لالتهام مساحات واسعة من أراضي الوقف وأراضي المواطنين "الحر".
ووفقا لتلك المصادر التي تحدثت لـ "يمن شباب نت"، ـ شريطة عدم الكشف عن هويتها ـ فإن تلك الأراضي محل مطمع عناصر الفيد والنهب المدعومة بقيادات نافذة في المليشيا تقدر بمئات الآلاف من القطع الأرضية التي تسمى في اللهجة المحلية "قصب".
وتشير المصادر إلى أن تلك العناصر تدّعي ملكيتها للأراضي كتركة لأسرة تُدعى "آل سعدان" وهي من شمال الشمال وبعضها استوطن المحافظة قبل عقود.
ووفقا للمصادر فإن تلك العناصر المدعومة بقيادات حوثية سبق وأن ادّعت ملكيتها لأراضٍ واسعة في الظهار والمشنة وريف إب والمخادر وعمدت على بيع بعضها بعد تحرير وثائق ملكية مزورة بذلك وذلك ضمن تشكيل عصابي يضم شخصيات في الأوقاف والسلطة المحلية وأجهزة القضاء.
إب كمؤخر قسمة!
وفي تعليقه على عمليات النهب التي تطال أراضي الأوقاف والأملاك الخاصة في إب، قال الكاتب والأديب "أحمد طارش خرصان": "يتواصل مسلسل الاستهتار واتساع عقلية الفيد والاستحواذ والذي لم يتغير تجاه إب، والتعامل معها كجغرافيا سهلة الابتلاع والمصادرة وعلى نحو صادم يضعنا وإب كـ(مؤخر قسمة)، آن الأوان لمباشرة قسمته بين الورثة".
وحذّر في منشور على صفحته بالفيسبوك، من أن مساعي هؤلاء النهابة وعبر وسائل الاحتيال والخداع "لن يقف عند حدود أراضي الأوقاف برمتها، ليتجاوزها إلى أملاك مواطنين سيكونون الفريسة التالية عقب الانتهاء من ابتلاع أراضي الأوقاف في إب"، حاثاً المجتمع إلى التكاتف لمواجهة تلك العصابات وحماية أراضي الوقف ومساندة من يملكون الحق من ملاك الأراضي (الحُر) في الدفاع عن ممتلكاتهم.
وتطرق "خرصان" إلى محاولة الفيد الكبيرة التي تسعى لها تلك العصابات قائلاً: "يكفي أن يطلع مواطنو إب على حصر تركة آل سعدان في إب والتي شملت السهل والوادي والجبل والهضاب في منطقة السحول - وقف وحر - وكأننا أمام عائلة ملكية كانت تحكم إحدى الإمبراطوريات المنقرضة".
ونوه إلى أن تلك العصابة تسعى إلى الاستحواذ على مايقارب من (200ألف قصبة)، ضمن محاولات عدة من بينها محاولة الاستحواذ على أراضي الأوقاف في شعبة العرام والمعموق.
ودعا الكاتب "خرصان" من سماها السلطة الحاكمة "أن تقوم بواجبها وأن لا تخسر محافظة برمتها لتكسب ولاء جماعة".
المعموق .. مطمع القيادات
تشير مصادر "يمن شباب نت" إلى أن أراضي "شعب العرام" والتي تقع في مزارع العارضة العليا بجبل المعموق في منطقة الحمامي بعزلة ثواب الأسفل شمال غرب مديرية الظهار، وتبلغ مساحتها أكثر من 7500 قصبة وقيمتها بعشرات المليارات، واحدة من تلك الأراضي التي زعمت تلك العصابة ملكيتها وفجّرت على إثرها صراعات بين قيادات حوثية عليا من (صعدة وعمران).
ووفقا للمصادر فإن صراعاً محتدماً حول الأرض المشار إليها نشب بين "عبدالمجيد الحوثي"، رئيس هيئة الأوقاف التابعة للحوثيين (من صعدة) ويمثله "بندر العسل" المُعين من قبل الحوثيين مديراً لأوقاف إب، (من عمران)، وبين القيادي الحوثي "ناصر العرجلي" وكيل وزارة الصحة السابق وعضو مجلس الشورى الحالي في سلطات مليشيا الحوثي (من عمران)، الذي نصّب نفسه مفوضا عن شخص يدعى "أحمد ناشر علي سعدان" الذي يدعى ملكيته للأرض التي صدرت فيها أحكام قضائية لصالح الأوقاف.
الصراع ذاك بلغ ذروته أواخر سبتمبر من العام الماضي، حين تعرض "العرجلي" لحادثة إطلاق نار على سيارته من قبل مجهولين أثناء مروره في شارع المطار شمال صنعاء، أصيب خلالها شقيقه الاصغر "ردفان" الذي توفي لاحقا متأثراً بإصابته، والذي اتهم العسل بالوقوف وراءها وأودع السجن على إثرها من يومذاك.
وبحسب المصادر فإنه وإن بدت المليشيا عبر مكتب الأوقاف أنها في مهمة حماية أراضي الوقف ظاهرياً إلاّ أنها وعبّر التحكيم والتفاهمات الداخلية تسعى إلى السطو على تلك الأراضي وتملكها وتقاسمها بين تلك القيادات المتصارعة كلاً بحسب حجمه وقوة سطوته.
جبل المعموق/ ناشطون
تسهيلات محلية
السطو على أراضي الأوقاف في محافظة إب، لم تكن لتحصل بهذه الوتيرة لو لم تكن هناك جهات وأشخاص في المحافظة يسهلون لهم ذلك، كما يقول موظف سابق في أوقاف المحافظة تحدث لـ "يمن شباب نت".
وأضاف المصدر ـ مفضلاً عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية ـ أن النهابة والنافذون وقيادات المليشيا قدموا إلى إب ولم يكونوا على علم بأراضي الأوقاف أو تلك التي فيها نزاعات بين المكتب وآخرين يدّعون ملكيتها.
وأكد أن مسؤولين محليين في سلطات المليشيا بالمحافظة ومكتب الأوقاف والمحاكم وبرلمانيين بمافي ذلك مسؤولون محسوبون على "مؤتمر صنعاء" ـ يحتفظ الموقع بأسمائهم ـ ساهموا في التسهيل للقيادات الحوثية بالحصول على بيانات حول أراضي الأوقاف أو تلك التي محل نزاع بين مكتب الأوقاف ومواطنين.
وأشار إلى أن تلك القيادات وخوفا من خسران مناصبهم أو امتيازات يحصلون عليها يقومون بتقديم المعلومات الكاملة عن أراضي الأوقاف والمشاكل المتعلقة بها إلى القيادات الحوثية وعصابات النهب المرتبطة بها.
ولفت إلى أن هذا النهج لم يكن وليد اللحظة وإنما استخدمه النافذون في إب طوال عقود من الزمن ضمن ماسماه "الأرض مقابل السلام".
كما أن المليشيا عمدت خلال الفترة الماضية إلى اختطاف مئات الأمناء الشرعيين ومصادرة آلاف الوثائق منهم لتسهيل التعرف على أراضي الأوقاف والسطو عليها وشرعنة تلك العمليات عبر الأمناء الموالين لها.
احتجاجات شعبية
ورغم تورط قيادات حوثية عليا ونافذون وبتواطؤ رموز المحافظة في سلطات المليشيا في عمليات السطو والنهب الممنهجة إلاّ أن أبناء المحافظة لم يقفوا متفرجين إزاء ذلك وعلى مدى السنوات نظموا احتجاجات شعبية غير منظمة وتصدوا لعشرات المحاولات خاصة فيما يتعلق بالمقابر.
كما شهدت ساحات مكتب الأوقاف والسلطة المحلية بالمحافظة وقفات احتجاجية في أكثر من مناسبة نددوا خلالها بالنهب المنظم لأراضي الأوقاف، والاعتداءات التي تطالها من قبل نافذين وقيادات في مليشيا الحوثي.
من فعالية احتجاجية أمام مكتب الأوقاف/تواصل
ورفع المحتجون من المواطنين وموظفي هيئة الأوقاف بالمحافظة، لافتات تندد بنهب أراضي الأوقاف بالمحافظة، وتطالب الجهات المعنية في سلطات المليشيا بحماية ممتلكات الأوقاف والتصدي للمعتدين عليها بمافيهم القيادات النافذة داخل مليشيا الحوثي.
"الجبال" محور النهب
ما يلفت النظر في هذا السياق أن الجبال المحيطة بمدينة إب كانت أكثر المواقع تعرضا للنهب على غرار (المعموق ـ شمال)، و(المورم ـ غرب)، و(المحمول ـ جنوب).
وبصورة دائمة يتعرض جبل "المورم" لعمليات سطو وبناء استحداثات وسط غياب أي دور للجهات المعنية التابعة للمليشيا في المحافظة رغم بلاغات الأهالي.
وفقا لمصادر "يمن شباب نت" فإن هذا الموقع واحد من أكثر المواقع التي شهدت عمليات نهب منظمة من قبل المليشيا والعصابات المرتبطة بها خلال السنوات الماضية.
وإلى غير بعيد من ذلك، كانت المليشيا قد صادرت جبلاً استراتيجياً جنوب مدينة إب، تحت ذريعة الاستثمار السياحي.
ووفقا لما روجت له وسائل إعلام المليشيا مطلع العام 2020م فإن قيادة سلطة الحوثيين المحلية في محافظة إب وبتوجيهات من "مهدي المشاط"، أقرت تسليم جبل "المحمول" الذي يضم مساحات كبيرة بآلاف الأمتار للمؤسسة الاقتصادية اليمنية بحجة الاستثمار في القطاع السياحي.
وبحسب مصادر مطلعة فإن المليشيا الحوثية تسعى للسيطرة على الجبل إلى جوار تباب ومساحات زراعية واسعة قريبة منه ومصادرتها لصالح قيادات متنفذة داخل المليشيا وتستخدم من واجهة المشروع السياحي لافتة لنهبه.
جبل المحمول/ صورة جوية
ومنذ انقلاب مليشيا الحوثي الانقلابية باشرت أسر هاشمية وقيادات نافذة وعصابات نهب أراضي بالسطو على أملاك الأوقاف وأملاك مئات المواطنين بالقوة في عدد من مديريات المحافظة وسط تواطؤ من قيادات السلطة المحلية التابعة للمليشيا في المحافظة.
أخبار ذات صلة
الأحد, 13 أغسطس, 2023
إب.. نافذون حوثيون يعاودن السطو على أراضي الأوقاف في جبل "المورم"
الإثنين, 21 نوفمبر, 2022
محتجون ينددون بالنهب المنظم لأراضي الأوقاف في إب
الإثنين, 14 نوفمبر, 2022
قيادات حوثية من صعدة وعمران تتصارع لنهب أراضٍ واسعة للأوقاف في محافظة إب