في موقف وصف بـ"الغريب والمدان"؛ أمتنع اليمن إلى جانب دول عربية أخرى عن التصويت لصالح قرار يقضي بإنشاء "مؤسسة مستقلة" من أجل جلاء مصير آلاف المفقودين في سوريا على مدى 12 عاما.
وأمس الخميس، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة "مؤسسة مستقلة" من أجل "جلاء" مصير آلاف المفقودين في سوريا على مدى 12 عاما، وهو طلب متكرر لأهاليهم وللمدافعين عن حقوق الإنسان.
وحصل مشروع القرار، الذي صاغته لوكسمبورغ، على تأييد 83 دولة ومعارضة 11 وامتناع 62 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الجمعية العامة.
وباستثناء قطر والكويت اللتان صوتتا لصالح القرار؛ فقد امتنعت عدد من الدول العربية عن التصويت، بينها اليمن ومصر والبحرين والجزائر والعراق والأردن ولبنان وموريتانيا والمغرب وعُمان والسعودية والإمارات.
ويشير القرار إلى أنه "بعد 12 عاما من النزاع والعنف" في سوريا، "لم يحرز تقدم يذكر لتخفيف معاناة عائلات" المفقودين، لذلك قررت الدول الأعضاء أن تنشئ "تحت رعاية الأمم المتحدة، المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية، لجلاء مصير ومكان جميع المفقودين" هناك.
وتقدر منظمات غير حكومية عدد المفقودين منذ اندلاع الثورة السورية على نظام الرئيس بشار الأسد عام 2011، بحوالي 100 ألف شخص.
وجاء التصويت على القرار الجديد بعد تقرير للأمين العام أنطونيو غوتيريش في أغسطس/آب الماضي، أوصى فيه بإنشاء هذه الهيئة، مشددا "العائلات تجري بنفسها عمليات البحث في الوقت الحالي، مما يفاقم من صدماتها ويعرضها للخطر".
وأضاف: "كما قال أحد الأشخاص الذين يمثلون جمعية عائلات ’تخيل فقط الاضطرار إلى مشاهدة مقاطع الفيديو المسربة للمجازر مرارا (على وسائل التواصل الاجتماعي) لمعرفة ما إذا كان أحباؤك بين الجثث مقطوعة الرأس والمشوهة، وإجراء أبحاثك الخاصة بيأس‘".
ولا يحدد النص طرق عمل هذه المؤسسة التي سيتعين على الأمين العام للأمم المتحدة تطوير "إطارها المرجعي" في غضون 80 يوما، بالتعاون مع المفوض السامي لحقوق الإنسان.
لكنه يشير إلى أنه سيتعين عليها أن تضمن "المشاركة والتمثيل الكاملين للضحايا والناجين وأسر المفقودين"، وأن تسترشد بنهج يركز على الضحايا. كما تدعو الجمعية العامة الدول و"كل أطراف النزاع" في سوريا إلى "التعاون الكامل" مع المؤسسة الجديدة.
وأشادت المفوضية السامية لحقوق الإنسان عبر حسابها في تويتر "بالمبادرة التي تشتد الحاجة إليها"، مضيفة: "للعائلات الحق في معرفة مصير ومكان وجود أقاربها للمساعدة في مداواة جراح المجتمع كله".
من جهته، قال المسؤول في منظمة "هيومن رايتس ووتش" لويس شاربونو: "يجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ضمان حصول هذه المؤسسة الجديدة على الموظفين والموارد اللازمين"، مردفا: "الشعب السوري لا يستحق أقل من ذلك".
بدورها، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد الخميس، إن "الضحايا ليسوا فقط من تم سجنهم وتعذيبهم وقتلهم". وتابعت: "الضحايا هم أيضا عائلاتهم وأقاربهم"، مشيرة إلى فقدان "أكثر من 155 ألف شخص".
وصمة عار
وتعليقا على موقف الحكومة اليمنية؛ أعربت منظمة سام للحقوق والحريات، عن استغرابها واستنكارها لامتناع الحكومة اليمنية عن التصويت على قرار إنشاء مؤسسة مستقلة للكشف عن مصير المخفيين قسرا في سوريا، واصفة الموقف بأنه "وصمة عار".
وقالت منظمة "سام" في بيان مقتضب نشرته على حسابه في تويتر اليوم الجمعة، إنها "تابعت باستغراب واستنكار شديدين امتناع الحكومة اليمنية عن التصويت على قرار أممي حول إنشاء هيئة مستقلة في سوريا تعني بشؤون المختفين قسريا".
وأضافت المنظمة أنه "في حين إن الحكومة اليمنية تشتكي صباح مساء من انتهاكات جماعة الحوثي، وممارستها اليومية ضد المدنيين، وفي مقدمتها الاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، إلا أنها تقوم بالامتناع عن التصويت علي قرار أممي يهدف للكشف عن مصير أكثر من 100 ألف سوري، مخفيين في سجون نظام الأسد وهو النظام العربي الوحيد الذي اعترف بجماعة الحوثي، واستقبل سفيرا عينته الجماعة في دمشق".
وأكد البيان، أن "امتناع الحكومة اليمنية التصويت على القرار ما هو إلا وصمة عار ويناقض ما تصرح وتطالب به دائما من تحقيق العدالة للأفراد".
وأوضح أن الحكومة اليمنية بامتناعها عن التصويت لصالح القرار "أظهرت موقفا سياسيا يتعارض مع أبسط حقوق الأفراد التي أقرتها القوانين والمواثيق الدولية".
موقف غريب
موقف الحكومة اليمنية بالإمتناع عن التصويت لصالح القرار الأممي جاء كما يبدو تماشيا مع موقف وتوجه المملكة العربية السعودية التي انفتحت مؤخرا على نظام الأسد الموالي لنظام إيران، والمتهم بقتل قرابة مليون سوري وتهجير وتشريد الملايين.
وفي هذا السياق قال الكاتب الصحفي عبدالله الحرازي :"إذا لم تصوت الحكومة اليمنية على قرار جمعية الأمم المتحدة بشأن إنشاء مؤسسة للمفقودين في سوريا، فإنها تؤسس لإهدار حقوق الضحايا من اليمنيين مستقبلاً".
وأضاف الحرازي في تغريدة على "تويتر": "هذا تفريط جديد باستقلال القرار اليمني في مناصرة القضايا العادلة نبرأ منه كيمنيين"..
وكتب الناشط جبران الفخري: "الحكومة امتنعت عن التصويت على القرار الأممي ..,في المقابل صدعت رؤوس الجميع بإيران وأذرع إيران ولا تنسى في كل بيان لها التأكيد على دور إيران في خراب اليمن؛ لكنها اليوم تعمل معها ومع أهم ذراع لها في المنطقة العربية"!؟
في السياق علق الصحفي اليمني معاذ راجح بالقول: "موقف عجيب وغريب ومخجل حكومة اليمن الموقرة التي تطالب المجتمع الدولي -بشكل متكرر- بإدانة الإخفاء القسري وتدعو للضغط على الحوثيين لكشف مصير المخفيين قسرياً وعلى رأسهم الاستاذ محمد قحطان تقف على الحياد من الجريمة ذاتها المرتكبة في سوريا". كيف يصدقنا العالم ويساندنا في قضية المخفيين؟.
إلى ذلك قال الباحث السياسي السوري أحمد رمضان، إن "امتناع ٦٢ دولة عن التصويت، بينها دول عربية وإسلامية في خطوة توجه رسالة مشينة ليس للسوريين فقط، بل لدعاة حقوق الإنسان كافة".
وأضاف رمضان في تغريدة على تويتر متسائل: كيف لدول عربية كانت تتنطَّع قبل فترة بالحديث عن تطبيق قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤، الذي يطالب بالإفراج عن المعتقلين في سجون النظام، ثم تمتنع عن تأييد قرار أممي يتعلق بأهم ملف إنساني يخص كل عائلة سورية فقدت ابناً لها في سجون الأسد وميليشيات إيران وحزب الله؟.
وتابع: "الدول التي امتنعت عن تأييد قرار إنساني بهذه الدرجة من الأهمية وجهت رسالة سلبية ومؤسفة، وعكست ازدواجية المعايير لديها، وعدم إحساسها بآلام السوريين ومعاناتهم".