"ريمة".. حملات نهب وسطو حوثية متزايدة على أراضي المواطنين (تقرير خاص)

 منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء والمحافظات الأخرى المجاورة والقريبة؛ وجهت المليشيا الحوثية المدعومة من إيران كل تركيزها على قطاع العقارات، دون تفريق بين تلك المملوكة للدولة أو للمواطنين، فأخذت تأكل الأخضر واليابس..
 
ظلت محافظة ريمة شمال غربي اليمن، بعيدة إلى حد كبير عن جشع النهب الحوثي حتى قبل عامين، لكن - من حينها - دخل السكان هناك معركة واسعة مع الجماعة التي استخدمت كل أساليب الترغيب والترهيب وحتى العنف للوصول إلى أهدافها.
 
بحسب مصادر محلية تحدثت لـ"يمن شباب نت"، فإن المواطنين في مناطق عديدة من محافظة ريمة يخوضون صراعا قويا مع المليشيا الحوثية منذ 2021، بعدما وضعت الأخيرة عينها على مساحات واسعة من أراض زراعية وغير زراعية - مهمة - على الطريق الرابط بين الحديدة وصنعاء، بين محافظتي ريمة وذمار، في محاولة للسطو عليها.
 
ويؤكد مواطنون أن قضية نهب الأراضي باتت مؤخرا واحدة من أبرز القضايا التي تؤرق أبناء ريمة، خلال العامين الاخيرين، إلى جانب قضايا أخرى مثل غياب الخدمات والبنى التحتية في المحافظة الخاضعة لسيطرة الجماعة منذ 2015.
 
وتعد ريمة إحدى محافظات الشمال الغربي لليمن، وأعلن تأسيسها كمحافظة في 2004، بعد أن كانت تتبع إداريا محافظة صنعاء. وتتميز بطبيعة وعرة وجبال شاهقة في الارتفاع، ومن أهم مدنها الجبين عاصمة المحافظة، وتعد الزراعة من أبرز الأنشطة التي يمارسها السكان.
 
المناطق الزراعية تحت أعين الحوثيين
 
في مديرية بلاد الطعام والسلفية التابعتين لمحافظة ريمة، وضعت قيادات في المليشيا الحوثية أعينها على مناطق هامة، منها زراعية وأخرى ذات أهمية عقارية بالنظر لموقعها القريب من الخط بين صنعاء والحديدة، وشرعت في إجراءات واسعة للاستيلاء عليها.
 
وتقول قيادات مجتمعية محلية ومصادر أمنية تحدثت لـ"يمن شباب نت" شريطة عدم الكشف عن هويتها، إن مناطق الدومر وجعيرة والأسلاف التابعة لمديرية السلفية وبعض مناطق مديرية بلاد الطعام، - وهي مناطق تقع على الخط الدولي الرابط بين الحديدة صنعاء - باتت عرضة للسطو الحوثي.
 
لتلك المناطق أهميتها الاستراتيجية من حيث خصوبة الأرض وموقعها الجغرافي المميز ومناخها المعتدل، وهي مواصفات مغرية "فتحت شهية العصابة السلالية للاستيلاء عليها ومصادرتها لصالح قيادات تابعة للجماعة"، وفق المصادر.
 
وأكدت المصادر، أن القيادات الحوثية التي تحاول السطو على تلك الأراضي، معظمها قادمة من خارج المحافظة، بعضهم بتعيينات في مناصب بمؤسسات الدولة والبعض الآخر تتبعون الهيكل القيادي للمليشيا تحت مسمى" مشرفين".
 
ذرائع حوثية للسطو
 
تعلل المليشيا الحوثية حملتها للسطو على أراضي المواطنين بأنها أملاك الدولة، وهي ذريعة لطالما استخدمها في عمليات نهب واسعة لأراض المواطنين في محافظات أخرى، رغم أن أراض الدولة من عقارات وأوقاف نالها نصيب كبير من النهب والسطو.
 
وخلافا لما تدعيه المليشيا، يقول مواطنون إن الأراضي التي تسعى قيادات المليشيا الحوثية لنهبها هي أملاك خاصة، مؤكدين أنهم يمتلكون أوراق ثبوتية لملكيتهم لتلك الأراضي.
 
كثير من المواطنين رفضوا محاولات المليشيا نهب أراضيهم ووقفوا أمامها، بشتى الوسائل، بما في ذلك الطرق القانونية والأساليب القبلية، لكن لم تجدي أي من تلك الطرق، حيث فردت الجماعة قوتها واستعرضت عضلاتها ضد المواطنين، واستخدمت الترغيب أحيانا والترهيب والعنف أحيانا كثيرة.
 
اعتقالات ونهب منظم
 
اعتقلت المليشيا الحوثية عددا من المواطنين الرافضين لمحاولاتها نهب أراضيهم او أملاكهم الأخرى وزجت بهم في سجونها، واستخدمت العنف في مرات عديدة ما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين ابرزهم مواطن يدعى "محمود محمد صالح التشوع" الذي قتل في منطقة بني اسعد آنس وهو اعزل بجوار محله التجاري بصيحان الدومر.
 
وقبل ذلك سقط ستة ضحايا آخرين وعدد من الجرحى في حوادث قتل واعتداءات متفرقة، بعضهم قتلوا تحت مبرر مناصرة العدوان، وهي تهمة تخفي السبب الحقيقي المتمثل برفض تنازل الضحايا عن بعض ممتلكاتهم لصالح الجماعة او بعض قياداتها.
 
عندما اتجهت المليشيا الحوثية إلى نهب بعض أراض ريمة، كان النهب لا يعدو عن كونه أطماع لقيادات محددة للاستيلاء على مساحات مغرية، لكن مع مرور الوقت أخذت الأمور تتخذ طابعا منظما.
 
حيث وضعت المليشيا ما يشبه خارطة لأهم المناطق والأراضي التي تعتزم مصادرتها، وبدأت مرحلة التنفيذ بعد أن جندت العناصر واستقدمت قيادات من خارج المحافظة واستعانت بقيادات محلية ومجتمعية لذات الغرض.
 
في أغسطس 2021 ، اجتمعت قيادات تابعة للمليشيا الحوثية في مدينة آنس ذمار، ووقعت وثيقة تجرم أي عمل في الأراضي الحدودية الممتدة من الاسلاف والدومر مرورا بجعيرة في السلفية وصولا إلى حدود بلاد الطعام، من قبل مالكيها الأصليين من ابناء ريمة.
 
الوثيقة منحت قيادات سلالية من مديرية آنس ذمار وآخرين من خارج المحافظة، الحق في امتلاك تلك الأراضي. في وقت لاحق، باشرت تلك القيادات باستثمار الأراضي وانشاء في أجزاء منها مزارع دواجن وهي ما وصفها السكان بـ"مزارع الموت" بكونها تسببت بكارثة وبائية قاتله لهم.
 
تقنين السطو
 
تؤكد مصادر محلية مطلعة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن المليشيا الحوثية عينت مديرا عاما لمديرية السلفية ومديرا لأمن المديرية في 2021، وأوكلت لهما مهمة انتزاع الأراضي المطلوب مصادرتها ووضع أطر قانونية، تلغي ملكية الملاك الأصليين من المواطنين وتمنح الحق للوافدين.
 
بحسب مصادر موثوقة لـ"يمن شباب نت"، فإن مدير الأمن المدعو محمد الفلاحي كان مريضا في مستشفى الأمراض النفسية في صنعاء، فيما كان مديرية المديرية المدعو منصور الحكمي "مندوبا" في فرزة ربوع بني خولي، بمديرية بلاد الطعام في ريمة.
 
شرع المسؤولان الاثنان بمساعدة مسؤولين آخرين في الجهات المختصة الخاضعة لسيطرة المليشيا في استخراج وثائق تحت مسمى أملاك الدولة، واتجهت لإعلام السكان بأن أراضيهم لم تعد ملكا لهم تمهيدا لمصادرتها، فيما استخدمت أساليب أخرى فيما يتعلق بالأراضي التي يمتلك المواطنون أوراق تثبت ملكيتها لهم، أبرزها أسلوب الترغيب بالبيع او التنازل بمقابل لقيادات حوثية.
  
في سبتمبر/ أيلول 2021، أممت المليشيا الحوثية المدعومة من إيران، ممثلة بمكتب فرع الهيئة العامة للأوقاف بمحافظة ريمة أراض تحت مبرر أنها أوقاف.
 
تقدر مساحة الأراضي المنهوبة بنحو (10) كيلو متر منها (4) كيلو متر في مديرية الجعفرية + مساحة (2) كيلو متر في مديرية مزهر + مساحة (4) كيلو متر في بني الضبيبي مديرية الجبين، وفق تقرير أمني، حصل "يمن شباب نت" على نسخة منه.
 
في التقرير الأمني، أكد الحوثي فتح الله النهاري المعين مديرا لفرع هيئة الأوقاف بالمحافظة بأنه سيتم النزول الميداني إلى بقية المديريات لاستعادة أراضي الأوقاف واستثمارها وضبط كل المخالفين وإحالتهم الى الجهات المختصة.
 
وللتغطية على العملية واظهارها على أنها تصحيح لممتلكات الدولة، قاما المليشيا يوم 4 يناير/ كانون الثاني 2021م عبر المدعو محمد احمد علي  الحسني مدير مكتب الأوقاف بمديرية السلفية بإصدار توجيهات الى جميع المنتفعين من أموال الأوقاف بالمديرية بالحضور الى مكتب الأوقاف لتصحيح أوضاعهم وتجديد عقود الاستئجار لأراضي وممتلكات الأوقاف وتسديد ما عليهم من عائدات الأوقاف المتاخرة وذلك خلال أسبوع.
 
ومطلع العام التالي 2022، أعلنت قيادات المليشيا الحوثية بالمحافظة بان مكتبي الهيئة العامة للأوقاف بمحافظتي ريمة والحديدة استعاد الأراضي الخاصة بالأوقاف الكائنة في حدود مديريتي الجعفرية بريمة وبيت الفقيه بمحافظة الحديدة، بتوجيهات من رئيس ما يسمى اللجنة الثورية محمد علي الحوثي وعبدالمجيد الحوثي رئيس الهيئة العامة للأوقاف.
 
من الترغيب إلى العنف
 
بعد أن رفض السكان اسلوب الترغيب، اتجهت المليشيا الحوثية إلى العنف الذي يعد سمتها الأساسية لإجبار المواطنين على التخلي عن أراضيهم، بحسب ما اكدته مصادر محلية.
 
وقالت المصادر لـ"يمن شباب نت"، إن المليشيا الحوثية وعقب محاولة استقطاع أراضي ريمة في مناطق بمديريتي بلاد الطعام والسلفية، حاول المواطنين الدفاع عن أراضيهم لتباشر العصابات بالاعتداءات عليهم بالضرب، ثم الزج بهم في السجون.
 
بحسب وثيقة شكوى تقدم بها وجهاء وعقال عزلة الدومر، إلى القضاء، بالمحافظة، تعرض المواطن طارق أحمد علي الأمير وعشرات المواطنين للاعتداء والاعتقال.
 
في حين تمسك المواطنون بحقهم في الدفاع عن أراضيهم، اتجهت المليشيا الحوثية لرفع جرعة العنف، في محاولة جديدة لإجبار السكان على التنازل، وتؤكد المصادر إن ستة مواطنين قتلوا وجرح آخرون بنيران المليشيا الحوثية في مناطق وأوقات مختلفة، لمقاومتهم رغبات الجماعة في النهب.
 
وأبرز هؤلاء الضحايا المواطن محمود التشوع والذي أدى مقتله إلى اشتعال معركة بين عصابات السلالة الحوثية المنتمية من آنس ذمار وقبائل ريمة بتاريخ 19 مايو 2022.
 
وساندت المليشيا قبائل ذمار الموالية لها في معركتها ضد بعض قبائل ريمة، وقدمت لها مختلف أنواع الدعم وسخرت المعسكر الواقع في جبل بني اسعد في ذمار لخدمتها وقتل خلال ذلك، احد عناصر الحوثي.
 
حملات حوثية  
 
في وقت لاحق، ولأن الأمر خرج عن السيطرة بعد تداعي قبائل ريمة للتصدي للمليشيا  الحوثية والدفاع عن أراضيهم؛ أرسلت قيادات المليشيا في صنعاء والجبين ريمة وذمار والحديدة حملة عسكرية مشتركة كبيرة لاحتواء الموقف وتم اقتياد خمسة قيادات حوثية من بني اسعد ذمار وخمسة آخرين من مشايخ السلفية ريمة إلى صنعاء كرهائن.
 
 إلا أن التوتر استمر أكثر من أسبوع وضل الطرفان متمترسين في خنادقهم، في حين أودع جثمان "التشوع" في الثلاجة مع جثة العنصر الحوثي والتي لا زالت جثثهم حتى لحظة هذا التقرير في مكانها
 
لم تجد حالة العنف التي فرضتها المليشيا الحوثية على السكان للتنازل عن أراضيهم، وحينها اتجهت الجماعة إلى محاولة جديدة للسطو على الاراض من خلال إجبار مشايخ ريمة المعتقلين لديها بالتنازل عن دم القتيل "التشوع" مقابل العنصر الحوثي، إلى جانب التنازل عن الأراضي الحدودية بين ريمة وذمار، إلا أن المشايخ رفضوا رفضا قاطعا.
 
واستمر إخفاء المشايخ لما يقارب الشهر ثم اطلق سراحهم بعد التزامهم بتحكيم القيادي الحوثي محمد البخيتي محافظ السلالة في ذمار والقيادي الحوثي فارس الحباري محافظ السلالة في ريمة، وذلك في اجتماع عقد اجتماعهم في مدينة الشرق ذمار.
 
وحولت المليشيا الحوثية قضية الصراع بينها وبين المواطنين في ريمة إلى مسألة إدارية، وصورت القضية على أنها خلاف بين محافظتي ريمة وذمار على الحدود الادارية.
 
وفي هذا السياق، وجهت المليشيا في يناير الماضي 2023، بوقف أي استحداثات في المنطقة. وحسب التوجيه الصادر من رئيس محكمة الاستئناف في ذمار، إلى رئيس جبل الشرق الإبتدائية بذات المحافظة، فقد وجه الأول بمنع أقلام التوثيق والأمناء من إجراء أي تصرف ناقل للملك في الأراضي الواقعة محل الخلاف بين مديريتي السلفية والشرق، ومنع أي استحداث تحت أي مبرر.
 
ووفقا للمذكرة التي اطلع عليه "يمن شباب نت"، فإن هذا التوجيه يأتي بناء على التفويض المطلق لمحافظتي ذمار وريمة بما فيها أهالي وعقال، وأعيان ومشايخ مديرية جبل الشرق، وأهالي وعقال وأعيان ومشايخ مديرية السلفية، بشأن الخلاف على الحدود بين المديريتين.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر