لم تكن عائلة الطفل "حمزة خالد" تتوقع فقدانه بسنٍ مبكر لكن خطأ طبياً في إحدى المستشفيات الخاصة في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران أفقده حياته في مطلع فبراير/ شباط الماضي.
كان الطفل حمزة ذو الخمس سنوات يعاني من التهابات في الدم، وعندما تم نقله إلى المشفى اعطاه أحد الأطباء جرعة من المضادات الحيوية تسببت بتدمير الجهاز المناعي حاول بعدها بعض الأطباء إنقاذ حياته لكن الجرعة كانت قاتلة أدت إلى وفاته، على غرار عشرات اليمنيين الذين فقدوا الحياة نتيجة الأخطاء الطبية في المستشفيات الحكومية والخاصة في العاصمة صنعاء.
خلال السنوات الماضية تزايدت ظاهرة الأخطاء الطبية في المستشفيات الحكومية والخاصة في العاصمة صنعاء وباتت حياة المواطنين عرضة للموت أو الإصابة بأمراض مزمنة في ظل تجاهل من قبل سلطات الأمر الواقع ميليشيا الحوثي التي تسيطر على المدينة منذ عام 2014.
أخطاء طبية قاتلة
من الصعب الحصول على إحصائية دقيقة بعدد الحالات لضحايا الأخطاء الطبية في صنعاء لكن جريمة وفاة الطفل حمزة ومثلها العشرات من القصص والحكايات المرعبة التي يتداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مستمر تعكس حجم المأساة التي يعاني منها المواطنون في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي.
بالنسبة لعائلة الطفل حمزة فإنها تؤكد لـ يمن شباب نت"،" أنها لن تكست عن مقاضاة مرتكب الجريمة معتبرةً أن مثل هؤلاء القتلة لا ينبغي السكوت عليهم، ويجب مقاضاتهم والتشهير بهم من أجل حماية أرواح اليمنيين من جرائم الأخطاء الطبية في المستشفيات".
كما فقدت السيدة الثلاثينية عائشة الغزالي الحياة بسبب خطأ طبي أثناء وصولها لعمل بعض الفحوصات في إحدى المستشفيات الخاصة في العاصمة صنعاء في أواخر يناير/ كانون الماضي.
كانت "الغزالي" حامل في شهرها التاسع وعقب وصولها إلى المستشفى أمرت إحدى الممرضات بنقلها إلى الولادة القيصرية على الرغم من أنها كانت لا تعاني من أي أعراض للولادة حينها، وبعد إجراء العملية وإخراج الجنين تم نقلها إلى العناية المركزة إذ كانت تعاني من صعوبة في التنفس وسوائل في الرئة بسبب الزيادة الكبيرة في جرعة التخدير.
عقب جريمة وقع الخطأ الطبي الذي أدى إلى وفاتها في 21 يناير/كانون الماضي تقدمت اسرتها بشكوى إلى المجلس الطبي التابع للحوثيين في صنعاء لكنها حتى هذه اللحظة ماتزال تنتظر قيام المجلس بالتحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة".
وفي حين تنتظر أسرة عائشة ومعها العشرات من الأسر اليمنية التي فقدت أحد أطفالها أو أصيب أحدها بأمراض مزمنة نتيجة تعرضهم للخطأ الطبي، قال الصحفي محمد الغباري بأن" المجلس الطبي أصبح جدار الصلب في حماية مرتكبي الأخطاء الطبية، ويمنحهم الحصانة لاستمرار ارتكاب الجرائم، وهم في مأمن من العقاب.
وأضاف غباري في مقال له على موقع فيسبوك "أغلب أعضاء المجلس هم الأطباء أو مسؤولي وزارة الصحة، لذلك لا يفرطون بزملائهم، ويماطلون في تحديد موقف من القضايا المعروضة عليهم".
وينص القانون اليمني بأن الخطأ الطبي يعد جريمة جسيمة إذ تنص المادة (241) لقانون العقوبات بأنه إذا توفي المريض تكون العقوبة بالدية المغلظة أو السجن لمدة خمس سنوات لمن اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة ولم يقصد من ذلك قتلًا ولكن الاعتداء أفضى إلى الموت. أما في حالة عدم الوفاة تكون العقوبة بالسجن سنتين أو غرامة مع الأرش وفقاً لنص المادة (245) من قانون العقوبات.
غياب الرقابة
لا تكترث ميليشيا الحوثي بحياة اليمنيين القابعين في مناطق سيطرتها فمنذ ثمان سنوات يشهد القطاع الصحي تدهورا غير مسبوقا إذ يشكو المواطنون من انعدام شبه كلي للخدمات الطبية، مع تفشي عديد من الأمراض والأوبئة، وانتشار الأدوية المهربة ومنتهية الصلاحية والفاسدة بالتزامن مع اتساع دائرة الأخطاء الطبية بشكل لافت.
يعلق مدير عام المستشفى الاحساني ومستشار مكتب الصحة في مدينة تعز الدكتور نشوان الحسامي: "إن انتشار ظاهرة الأخطاء الطبية في العاصمة اليمنية صنعاء هو نتيجة لغياب النظام الحكومي وغياب الرقابة الصحية، وغياب دور المجلس الطبي الأعلى".
وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت"، "كل تلك العوامل تؤدي إلى وقوع أخطاء طبية وتجعل من يمارسون مهنة الطب أو من يقومون بتقديم الخدمات الطبية والعلاجية والتمريضية للمرضى بلا قيود أو موانع مشيراً إلى أنه عندما يُرتكب الخطأ الأول والثاني والثالث والرابع فإن الشخص يتمادى".
وأشار الحسامي:"إذا كان هنالك رقابة ومعايير توضع على أرض الواقع ومحاسبة من يتركب الخطأ سيكون هناك تراجع كبير جداً لِحالات الأخطاء الطبية. لكن مع الأسف تحول القطاع الصحي إلى حظيرة من دون رقابة ومن دون قيود ولا رادع سواءً ديني أو قانوني".
وقال: "بعض الأطباء يقوم بصرف أدوية محسوبة لشركات يتم التعاقد معها من أجل عمولات، مشيراً إلى أن هذا الأمر يجعل الطبيب يخرج من النسق المهني إلى النسق التجاري، وهذا الأمر يشكل خطوة على صحة المريض".
وتابع: "بعض الأطباء يمارسون مهنة الطب وكأنها مهنة تجارية وليست مهنة إنسانية، زمع الأسف أصبح بعض الأطباء يبحثون كم يحصل على نسب من الصيدلية والمختبر وشركة الأدوية ويعمل في أكثر من مستشفى".
نهب أموال اليمنيين
منذ سيطرة ميليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء في خريف 2014 عملت الميليشيا على السيطرة الاستحواذ على أصول كبرى المستشفيات الخاصة والسيطرة التامة على قطاع الأدوية وإنشاء العديد من الشركات وأغرق سوق الدواء بالأدوية المهربة والفاسدة إذ تحوّل الدواء إلى واحد من أكبر مصادر الثراء لقادة الحوثيين الذي يديرون شبكات من التهريب على رأسهم وزير الصحة طه المتوكل.
وكشف تقرير المنظمة اليمنية للاتجار بالبشر عن تورط وزير الصحّة الحوثي بقضايا فساد وإهمال جسيم للقطاع الصحي والتستّر على الفاسدين وعدم اتّخاذ أي إجراء ضدّهم أو إحالتهم للتحقيق رغم معرفته وعرض معظم الأمور عليه إذ يكتفي بالعمل على إخفاء الدليل ومعاقبة الشاكي بشتّى الطرق.
وقال التقرير، إنه وفي الوقت الذي لا يمتلك وزير صحة الحوثي، أي مؤهلات مهنية في مجال الصحة فقد عمل من أول يوم لاستلامه الوزارة في إقصاء قرابة مائة وخمسين موظفًا من الكوادر الفنية المهنية المؤهلة المتخصصة في كافة القطاعات الصحية واستبدالهم بكوادر لا تحمل أي مؤهلات صحية و"اكثرهم تأهيلا يحمل شهادة ثانويه عامة".
وفي ظل سيطرة الحوثيين تحولت المستشفيات إلى مسالخ لجمع الأموال فهي تفتقر إلى وجود الكوادر المتخصصة وتعاني من شح الخدمات الطبية بالإضافة إلى أنها تتعمد إلى استخدام المحاليل والأدوية الرديئة خصوصاً عقب الانتشار الواسع للأدوية المهربة التي تشرف عليها قيادات الميليشيا المدعومة من إيران
وفي ظل إهمال متعمد من قبل ميليشيا الحوثي يقول محمد حمود (43 عاماً) أب لسبعة أطفال ويعمل موظفاً حكومياً بصنعاء "معظم المستشفيات تحولت إلى مسالخ لجمع الأموال على حساب المواطن المغلوب الذي يعاني من ظروف معيشية قاسية ويعيش أسوأ أيام حياته".
وقال حمود في حديث لـ يمن شباب نت: "تفتقر المستشفيات في صنعاء إلى وجود الأطباء ذات الخبرة غالبية من يعملون في القطاع الصحي هم ممرضين وصحيين غالبيتهم بلا مؤهلات ولا يمتلكون أي قدرة للتعامل مع المرضى على وجه الخصوص الحالات المرضية الطارئة".
وأضاف: "بمجرد وصولك إلى العيادة أو المستشفى تعلم حجم الكارثة التي لحقت بالقطاع الصحي، وكيف يتعاملون مع المريض كأنه فريسة، فحوصات مكثفة لنهب أموال الناس من تقديم أدنى رعاية صحية مشيراً إلى بعض الأطباء يقوم بصرف علاجات غير مطابقة بهدف الحصول على العمولة من شركات الأدوية".