نصت المادة الثانية من إعلان نقل السلطة في اليمن (7 أبريل 2022)، على أن تنشأ هيئة مستحدثة تسمى هيئة التشاور والمصالحة، ".. تجمع مختلف المكونات لدعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي والعمل على توحيد وجمع القوى الوطنية بما يعزز جهود مجلس القيادة الرئاسي وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراعات بين كافة القوى والتوصل لسلام يحقق الأمن والاستقرار في كافة أنحاء الجمهورية".
ووفقا لهذا الإعلان، فإن مهمة هذه الهيئة الرئيسية هو العمل "على توحيد رؤى وأهداف القوى والمكونات الوطنية المختلفة، بما يساهم في استعادة مؤسسات الدولة، وترسيخ انتماء اليمن إلى حاضنته العربية". (الفقرة "ب"/ المادة الثانية من الإعلان الرئاسي)
في هذا التقرير الخاص بـ "يمن شباب نت"، نحاول أن نستعرض مسار اللجنة منذ تشكيلها والمهام التي قامت بها حتى الآن، مع التحديات والإخفاقات التي واجهتها. ولأجل انجاز التقرير تواصلنا مع عدد من أعضاء الهيئة، بما في ذلك أعضاء في رئاستها، إلا اننا فشلنا في الحصول منهم على تصريحات وتوضيحات، عدى بعض التوضيحات التي طالب أصحابها بعدم نشرها باسمائهم.
مخالفات منذ البداية
عقدت الهيئة أول اجتماع لها في عدن بعد أسبوعين تقريبا من تشكيلها، بدعوة من رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، وكان هو الاجتماع الوحيد بحضور معظم الأعضاء، أثناء زخم متفائل في تلك الفترة بإمكانية توحيد القوى السياسية والعسكرية المناهضة للحوثيين بعد سنوات من الصراع والشقاق بين تحالف مناهضي الحوثيين.
لم يحضر جميع الأعضاء الخمسين، المعينين في هذه الهيئة، جلستها الوحيدة في عدن، وانسحبت منها شخصيات بارزة مثل أحمد العيسي، رجل الأعمال البارز من أبين، وغيره من الشخصيات.
في الجلسة العامة الوحيدة للهيئة برئاسة رشاد العليمي، شكلت رئاسة للهيئة من: محمد الغيثي مسؤول الدائرة الخارجية في المجلس الانتقالي الجنوبي، ونوابه: صخر الوجيه من تكتل التضامن الوطني، وعبد الملك المخلافي من الحزب الناصري، وجميلة علي رجاء من النساء بالإضافة إلى أكرم العامري ممثلا عن المكونات العشائرية الحضرمية.
ونقلت تقارير عدة على أن تشكيل رئاسة الهيئة لم يتم بالانتخاب وفقا لما نص عليه قرار تشكيلها، بل بالتزكية، رغم ذلك لم تكن هناك معارضات قوية لهذا العمل.
خلاف حول المهام
من حيث المسمى لها مدلولان، هيئة تشاورية، بالإضافة إلى دعم المصالحة بين فرقاء مكونات المجلس الرئاسي.
وبالإجمال تتركز مهام الهيئة في تجميع المكونات لمساندة مجلس القيادة الرئاسي وتوحيد وجمع القوى ومنع الصراعات بين القوى المناهضة لجماعة الحوثي.
مع أن تشكيلها صدر بقرار تنفيذي، إلا أنها بالرغم من ذلك لا تُصنف على أنها جهة "تنفيذية"، بحسب أعضاء في الهيئة قالوا إنها تعتبر "كيانا مساعدا" لمجلس القيادة الرئاسي وفق تقرير نشرته وكالة الأناضول التركية.
بينما وصف أعضاء آخرون الهيئة بأنها أشبه بـ "برلمان مصغر، بمهام محدودة"، حيث يقتصر دورها على مناقشة القضايا ووضع حلول للمشكلات في إطار مهامها وتقديم تقارير مختصرة إلى مجلس القيادة الرئاسي.
هيئة معطلة
على مدى تسعة أشهر من تشكيلها لم تشاور الهيئة ولم تصالح أحدا حتى أعضاءها. فقط انفردت رئاسة الهيئة بالاجتماعات، ولا يوجد في جميع وسائل الإعلام المحلية أي ذكر لاجتماع أعضاء الهيئة بالكامل، سواء في عدن أو عبر الاجتماعات الافتراضية.
في الثامن من أغسطس/ آب الماضي، قالت رئاسة الهيئة إنها شكلت ثلاث لجان متخصصة من أعضائها لإنجاز ثلاث مهام: أولها تحديد لائحة داخلية للهيئة تنظم أعمالها، والثانية لبلورة موقف من الهيئة نحو رؤيتها للسلام في اليمن، والثالثة لجنة لتهدئة الخطاب الإعلامي بين مكونات المجلس الرئاسي.
في أحدث اجتماع لرئاسة الهيئة في السابع من يناير الجاري قالت الهيئة إنها تستعد لعقد جلسة عامة للهيئة قريبا في عدن.
وعدى ذلك، شهدنا تورط بعض قاداتها في النزاعات الدائرة بين بعض القوى السياسية، وهذا يأتي ضدا على مبدأ تشكيلها..!!
فعندما اندلعت العمليات العسكرية، التي قادها محافظ شبوة عوض العولقي ضد القوات الحكومية رغما عن قرار رئيس مجلس الرئاسة، ظهر رئيس الهيئة، الغيثي- باعتباره قياديا في المجلس الانتقالي- على متن عربات عسكرية يشارك ضد القوات الحكومية الرسمية...!!
كانت تلك المعارك أبرز أسباب تعطيل مجلس القيادة الرئاسي نفسه، وتفككه رغم كل المحاولات التي بذلت للحفاظ على وحدته. بعد أشهر استعاد المجلس اجتماعاته لكن عبر الوسائط الافتراضية أو في الرياض، ولم يجتمع مطلقا بعدها في عدن- حتى الآن على الأقل.
قال محللون ووسائل إعلام محلية ودولية إن المجلس الرئاسي يعبر في أحد مضامينه محاولة أخيرة من السعودية والإمارات لتوحيد أجنداتهم في اليمن في مواجهة الحوثي، مع التركيز على أولوية التفاوض. هذا الأمر كان الدافع الرئيسي لتشكيل الهيئة من أبرز الخصوم المتنافسين في الصف المناهض للحوثي، لكنها كالمجلس الرئاسي فشلت هي الأخرى في تجاوز التباينات والصراعات الحادة بين المكونات المحلية التي تمثل انعكاسا للتباينات الإقليمية السعودية الإماراتية.
لا أحد يمتلك إجابات
رفض أربعة من أعضاء الهيئة بمن فيهم قيادات بارزة الحديث إلى يمن شباب نت عن أهم أسباب تعطيل الهيئة عن عملها، وعن تحديد هويتها وملامح عملها، وعن أسباب فشلها في أي إنجاز يذكر.
قال أحدهم، مبررا هروبه من الإجابة؛ إن رئيس الهيئة هو المعني بالتصريحات عن أنشطة الهيئة، وعن تحدياتها ومعوقاتها. بينما اعتذر آخر عن الإدلاء بأي تصريح وأحالنا إلى زميل له فيها للإجابة عن تساؤلاتنا، بينما قال الثالث إن التساؤلات التي قدمها "يمن شباب نت" جزء من مواضيع ستناقشها الهيئة بجلسة عامة قريبا في عدن. وامتنع الرابع عن الإجابة دون إبداء الأسباب...!!
يقيم معظم أعضاء الهيئة في الخارج، ولا تعقد رئاسة الهيئة اجتماعاتها بانتظام، رغم انعقاد اجتماعات معدودة لها خلال التسعة الأشهر الماضية، لا تزيد عن عشرة اجتماعات، وفق رصد خاص ليمن شباب نت.
صراعات داخلية
بينما انخرط رئيس الهيئة، الغيثي، في دعم تحركات المجلس الانتقالي العسكرية الانفرادية في كل من محافظات أبين وشبوة وحضرموت، ذهب نائبه القاضي أكرم العامري (الذي يشغل في الوقت نفسه الأمين العام المساعد لمؤتمر حضرموت الجامع، ورئيس مكتبه في وادي وصحراء حضرموت)، إلى تعزيز المطالب الحضرمية التي تناهض تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة حضرموت وفي الوادي منها على وجه الخصوص.
وكتب العامري في تويتر قبل أسبوع تقريبا: "إن أي تحركات مناهضة للسعودية والإمارات أو القوى السياسية للشرعية سواء كانت قولية أو فعلية، يعد انحرافا لمسار استعادة مؤسسات الدولة ونسف جهود تطبيع الاوضاع المعيشية للمواطنين، وآثاره كارثية على كافة الأصعدة". في إشارة واضحة يربطها محللون بالتحركات العسكرية للانتقالي باتجاه وادي حضرموت.
في هذه الأثناء؛ يبدو أن دور بقية أعضاء هيئة الرئاسة تقلص لصالح الشخصيتين المحوريتين رئيس الهيئة ونائبها.
من بين الاختلافات التي رصدها محرر "يمن شباب نت" أيضا، تصريح منفرد للغيثي في منتصف ديسمبر الماضي، كانحياز إضافي من الغيثي لصالح الانتقالي؛ إذ وجه انتقادات شديدة لبيان الاتحاد الأوربي الصادر في منتصف ديسمبر الماضي، والذي أكد على الوحدة اليمنية وانتقد تصرفات محددة في هذا الجانب للمجلس الانتقالي الجنوبي.
وفي المقابل كثف القاضي العامري من اجتماعاته ونشاطاته المحلية في محافظة حضرموت، التي صارت في الأشهر القليلة الماضية محور الاستقطابات والصراعات بين الانتقالي والمكونات الحضرمية.
يذكر انه ومنذ تشكيلها، قبل أكثر من ثمانية اشهر، وحتى الآن، لم تقر هيئة التشاور والمصالحة اللائحة المنظمة لأعمالها. ومن المقرر أن تعقد الهيئة الاجتماع الثاني لأعضائها في عدن نهاية الشهر الجاري.
وقال عضو فيها، لـ "يمن شباب نت" إن جدول أعمالها في هذا الاجتماع المزمع، سيتضمن مناقشة: مهام الهيئة، واللائحة المنظمة لأعمالها، وموقفها من القضايا الوطنية العديدة التي برزت بين مكونات المجلس الرئاسي، وموقفها أيضا من القضايا الاقتصادية، والموقف من مواجهة الحوثي.