مع كل صباح يُسابق الرجل الخمسيني "درهم عثمان" شروق الشمس متجها إلى مكان تجمع عمال المهن الحرة (حراج العمال) في شارع الستين الغربي في صنعاء للبحث عن عمل لتأمين الغذاء لأفراد عائلته لكن حالة الكساد التي ضربت قطاع البناء مؤخراً تقف عائقا أمام حصوله على العمل.
"عثمان" من ريف محافظة إب (وسط اليمن) ويعمل في مهنة "النجارة"، ويشكو من ركود الأعمال، وتدهور الأوضاع المعيشية وانعكاساتها السلبية على حياته وحياة أسرته على غرار ملايين اليمنيين المتعبين والمثقلين بهموم الحرب التي تعصف بالبلاد منذ ثمان سنوات.
كما هو الحال مع العديد من جوانب الحياة خلقت الحرب في اليمن تحديات كبيرة أمام القوى العاملة إذ يشكو المئات من عمال المهن اليومية المختلفة في صنعاء الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران من انعدام فرص العمل، وحالة كساد غير مسبوقة في أعمال البناء والتشييد التي كانت توفر فرص عمل للكثير من العمال في مناطق سيطرة الحوثيين.
كساد في أعمال البناء
يقول عثمان لـ يمن شباب نت": "منذ أن قدمت إلى صنعاء منتصف ديسمبر الجاري، وانا أذهب في الصباح الباكر إلى حرج العمال وانتظر حتى العاشرة صباحاً، وغالباً انتظر إلى وقت الظهيرة دون الحصول على فرصة للعمل".
يضطر عثمان إلى اقتراض تكاليف المصروف اليومية له في صنعاء، ويشتري أرخص الطعام ثم يعود إلى مسكنه الذي يسكن فيه مع بعض العمال وقال: "ضاقت بنا الأرض ونحن بلا عمل، لا تكاد تمر علينا لحظة واحدة في حياتنا من دون أن نتذكر احتياجات الأسرة، التي أثقلت كاهلنا".
تماماً مثل عثمان يعمل احمد غالب (46 عاماً) بالأجر اليومي في البناء في العاصمة صنعاء ويشكو من ركود الأعمال وتوقفه عن العمل منذ فترة طويلة.
وقال غالب في حديث لـ"يمن شباب نت"، "صحيح بأن الحرب انعكست سلباً على الأعمال حيث تراجعت بكل المدن اليمنية خلال السنوات الماضية لكن لم يتوقف العمل من قبل مثل هذه الفترة مطلقاً، الكل متوقف عن العمل ممن أعرفهم".
سبب الركود
ويرى الباحث والمحلل الاقتصادي اليمني عبد الواحد العوبلي بأن "الفقاعة التي حدثت في قطاع العقارات في صنعاء كانت مؤقته ووهمية، لافتاً إلى أنها كانت مجرد وسيلة حوثية لغسيل الأموال المنهوبة التي يحاول الحوثيون شرعتنها من خلال قطاع العقارات، وهو ما يفسر الزيادة الغير الطبيعة في أسعار العقارات بمناطق سيطرة الحوثيين".
وأضاف العوبلي لـ يمن شباب نت: "تم استنزاف الكمية الموجودة من السيولة لهذا القطاع وانفجرت الفقاعة الحوثية إذ أصبح العرض أكثر من الطلب بسبب بناء الكثير من المباني من دون أن يكون هناك قدرة للمواطنين على شرائها أو حتى استئجارها بمبالغ تتناسب مع تكلفة الشراء".
وتابع: "وذلك نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، وانقطاع الرواتب الحكومية، بالإضافة عجز القطاع الخاص على العمل بفعل المضايقات والجبايات الغير القانونية المستمرة عليهم من قبل ميليشيا الحوثي".
وفي ظل استحواذ ميليشيا الحوثي على العقارات ومحاربة الاستثمار والمستثمرين تتفاقم معاناة اليمنيين ويصبح توفير المعيشية اليومي أصعب المهام للمواطنين، في ظل الارتفاع القياسي في أسعار السلع الأساسية وعدم وجود أي دخل مادي منتظم، وخاصة في فئة عمال المهن اليومية الذين هم الأكثر تضرراً في معيشتهم.
معاناة مضاعفة
عثمان وغالب ومعهم الآلاف من عمال اليومية في صنعاء يعيشون حاليًّا في ظروف قاسية ويشكون من تدهور أوضاعهم المعيشية وعجزهم عن الوفاء بشراء أبسط الاحتياجات الضرورية لأفراد عائلتهم خصوصاً في ظل الارتفاعات الجنونية في أسعار السلع والخدمات الأساسية في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي.
على الرغم من استقرار سعر صرف العملات الأجنبية بمناطق سيطرة الحوثيين لا تزال أسعار السلع الغذائية الأساسية هي الأعلى إذ يقول غالب بأن: "تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء المكونة من الدقيق والسكر، والزيت، والملح تضاعفت ووصلت إلى نحو 50 ألف ريال يمني أي ما يعادل نحو 90 دولار أمريكي".
ويزايد الحوثيين في مناطق سيطرتهم بقدرتهم على تثبت أسعار العملات الأجنبية، في حين يعتبر ذلك عملية نهب لمدخرات الناس، وقال المحلل الاقتصادي العوبلي "أن مزاعم ميليشيا الحوثي في المحافظة على استقرار سعر الصرف في مناطق سيطرتهم، لافتاً إلى أن الاستقرار وهمي يتم فرضه بقوة السلاح".
وأضاف العوبلي لـ يمن شباب نت بأن:" تحديد سعر الصرف وتجاهل كل العوامل الاقتصادية وأدوات السوق من عرض وطلب يعني ذلك استغلال سعر الصرف لنهب أموال الناس، وأن أسعار السلع والخدمات تشهد ارتفاعاً ملحوظاً يوم بعد آخر مشيراً بأن أسعار السلع والخدمات في مناطق سيطرة الحوثيين أعلى من مناطق سيطرة الحكومة".
ويشكو المواطنون في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين من تدهور الأوضاع المعيشية واستمرار الأزمات المتتالية، في حين يعيش أكثر من نصف مليون موظف حكومي بلا رواتب منذ ست سنوات.
وخلال السنوات الماضية، أدت الحرب المستمرة في البلاد إلى تردي الأوضاع الاقتصادية، والمعيشية، والتي بدورها انعكست سلباً على حياة المواطنين، بمختلف مجالات حياتهم اليومية خصوصاً شريحة ذوي الدخل المحدود من العمال والفلاحين، في بلد صُنفت ضمن أسوأ الأماكن في العالم للعيش فيها نتيجة استمرار الحرب للعام الثامن على التوالي.
انعدام الأمن الغذائي
ويواجه المواطنون اليمنيون أسوأ سيناريو لانعدام الأمن الغذائي، بسبب موجات غلاء أسعار السلع والوقود وشح المساعدات الخارجية، ما يضع ملايين الأسر أمام واقع كارثي بينما تلاشت قدراتهم الإنفاقية خلال السنوات الماضية من الحرب.
وتتوقع الأمم المتحدة أن يبلغ عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدات الإنسانية في اليمن 23.4 مليون شخص بنهاية العام الجاري 2022، وعدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد 19 مليون شخص.
وفي نوفمبر الماضي، حذرت الحكومة اليمنية، من أزمة كبيرة في الغذاء قد تحدث في البلاد مع بداية العام القادم بسبب نقص المساعدات. وقال نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي نزار باصهيب "إن هناك اتساعا في فجوة الأمن الغذائي بالبلاد مع تناقص المساعدات الإنسانية"، محذرا من "ازدياد احتياج السكان إلى الغذاء".
وطالب باصهيب المسؤول الأممي "بضرورة تفادي حدوث أزمة كبيرة في الغذاء مع بداية العام القادم 2023"، في الوقت الذي تتحدث تقارير أممية أن ستة من بين كل عشرة أشخاص، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وبحسب المسؤول في الأمم المتحدة غريفيثس، "يواجه ما يُقدّر بـ 160,000 شخص كارثة، ويعاني 538,000 طفل من سوء التغذية الحاد في اليمن".
وقال المسؤول في برنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي في سبتمبر الماضي "أسعار الغذاء الآن 70 في المائة أعلى في شمال اليمن (مناطق سيطرة الحوثي) عمّا كانت عليه قبل عام، و40 في المائة أعلى من العام السابق في الجنوب".