بالتزامن مع أنباء تتردد عن زيارة مرتقبة للرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة العربية السعودية، وفي ظل استقطاب دولي، برزت الأزمة اليمنية كإحدى القضايا التي من الممكن أن يكون هناك دور محتمل لدبلوماسية بكين في تقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية، في ظل البحث الدائم للصين عن تأثير أوسع في المنطقة العربية.
وبدا لافتاً خلال الأيام الماضية، الاهتمام في الصحافة الغربية والأمريكية بتلك الزيارة، والتي تأتي بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية في منتصف يوليو/ تموز الماضي، وكان من ضمن ملفاته الحرب في اليمن، في حين اعتبرت واشنطن أن الزيارة تأكيد على التعهد بالوقوف إلى جانب حلفائها في الشرق الأوسط وتعزيز حضور بلاده في المنطقة، لا سيما وسط تنامي نفوذ دول أخرى، على رأسها الصين وإيران.
وبرز الحديث عن ملف اليمن في الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني إلى الرياض، عقب تصريح المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ، عن ترحيبه بأي دور محتمل للصين في الأزمة اليمنية في الوقت الذي بدأ جولة مشاورات في ثلاث دول عربية بشأن الحرب في اليمن.
والإثنين الماضي 15 أغسطس دعا تشانغ جون، رئيس مجلس الأمن الحالي، ومندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة إلى التنفيذ الكامل لاتفاقية الهدنة في اليمن، وتوسيع إنجازات الهدنة، والتركيز على تحسين الوضع الإنساني، وقال: "أن الوضع في اليمن يؤثر على السلام والاستقرار في منطقة الخليج".
إنفتاح أمريكي
وأعتبر المبعوث الأمريكي لليمن، تيم ليندركينغ، إن اليمن هي محور تركيز أمريكي رئيسي، مرحبا بأي دور محتمل للصين - وربما لروسيا وإيران أيضا - من شأنه المساعدة في تسوية الصراع باليمن، حيث قال "أمامنا لحظة مواتية لتغيير مسار الصراع، وهذا هو الوقت المناسب لفعلها".
وأضاف في مقابلة مع شبكة «CNBC» الأمريكية، بأن إحراز تقدم نحو حل النزاع في اليمن كان إنجازًا كبيرًا لبايدن خلال زيارته الشهر الماضي، حيث قال بأن ذلك شمل إقناع المملكة العربية السعودية بتمديد وتعزيز هدنة بوساطة الأمم المتحدة، إضافة للمشاركة في محادثات لإنهاء الحرب.
ونتيجة لذلك، أصبح الصراع الآن في منتصف الطريق نحو الحل حسبما قال ليندركينغ الذي يزور الإمارات وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية بينما يزور أعضاء فريقه الأردن، كجزء من جهود واشنطن الدبلوماسية للمساعدة في تأمين توسيع للهدنة وتعزيز جهود السلام في اليمن، وفق بيان للخارجية الأمريكية، يوم الخميس 11 أغسطس/ آب.
وقال البيان، إن المبعوث الخاص سيركز وفريقه على المساعدة في توسيع فوائد الهدنة بشكل هادف لجميع اليمنيين وتمهيد الطريق لوقف دائم لإطلاق النار وحل شامل ودائم للصراع بقيادة يمنية، كما سيناقش حالة عدم الاستقرار الأخير في شبوة والحاجة إلى العودة إلى التهدئة.
وأضاف أن ليندركينغ سيسلط الضوء أيضًا على ضرورة تقديم مساعدة مالية إضافية لليمنيين. حيث ذكر البيان بأن الولايات المتحدة قدمت أكثر من مليار دولار من المساعدات الإنسانية هذا العام وحده. وتابع، "أثناء وجوده في الخليج، سيواصل المبعوث الخاص أيضًا دعم جهود الأمم المتحدة لزيادة الوعي والأموال لمشروع الطوارئ لناقلة النفط صافر".
هل نشهد تعاونا أمريكيا -صينيا تجاه ملف حرب اليمن؟
وأفادت تقارير عن زيارة مرتقبة للرئيس الصيني شي جين بيانغ إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع المقبل، حيث سيلتقي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - وهي أول زيارة خارجية رسمية للرئيس الصيني منذ عام 2020 - في ظل مساع بكين والرياض إلى تعزيز العلاقات الثنائية بينهما، لم تؤكد وزارة الخارجية الصينية أو تنفي هذه التقارير.
وبهذا الخصوص أكد ليندركنغ "أن أزمة اليمن يمكن فيها التغاضي عن العلاقات العدائية، مرحبا بالتعاون مع الصين وروسيا في هذا المجال. وقال: "إن الصين تريد أن ترى تقدما في اليمن خلال رئاستها لمجلس الأمن"، في إشارة إلى الدور الحالي لبكين كرئيسة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وأضاف "أعتقد أن هذا عنصر مهم حيث يمكننا أن نجد قواسم مشتركة بيننا - الصين وروسيا والولايات المتحدة - بحيث نعمل معًا على حل سياسي للصراع اليمني".
وأشار ليندركينغ أيضًا إلى أن إيران، التي تشترك معها الولايات المتحدة في تاريخ طويل من العلاقات الممزقة، يمكن أن تلعب دورًا بناء في حل الصراع في اليمن. ومع ذلك، قال إن هذا ليس شرطا مسبقا لحل. يأتي ذلك على خلفية المحادثات المستمرة بين الولايات المتحدة وإيران لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
وفندت الولايات المتحدة المزاعم القائلة بأن الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني، شي جين بينغ إلى السعودية تشير إلى تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. وقال ليندركينغ "الولايات المتحدة شريك حيوي ليس فقط للمملكة العربية السعودية ولكن لكل دولة في المنطقة، وإن الزيارات الدبلوماسية من قبل القوى العالمية الأخرى كانت متوقعة"، لكنه قال إن الولايات المتحدة أكدت التزامها تجاه المنطقة بعد زيارة قام بها بايدن في يوليو.
علاقة صينية سعودية متنامية
وتحتفظ الصين بعلاقة مميزة مع السعودية والتي أصبحت تتنامى في ظل حالة الاستقطاب التي تهدف لتقليص نفوذ الولايات المتحدة بالتفرد بالقرار الدولي، أو ما يسميه الرئيس الروسي فلادمير بويتن "نظام دولي متعدد الأقطاب"، ووفق تقرير صحيفة «The Guardian» البريطانية، لم تدل الصين بأي تعليق علني حول حرب السعودية في اليمن أو مقاطعتها لقطر أو مقتل المعارض جمال خاشقجي، الأمر الذي أدى إلى إدانة شديدة في الولايات المتحدة وأوروبا.
وذكرت الصحيفة "بأن الترحيب الذي يتم تحضيره لاستقبال الزعيم الصيني يتناقض بشكل صارخ مع الترحيب الذي حظي به جو بايدن في يوليو الماضي، عندما تلقى الرئيس الأمريكي استقبالًا منخفضاً، مما يعكس العلاقات المتوترة بين البلدين والنفور الشخصي بين بايدن والزعيم السعودي الفعلي محمد بن سلمان".
وتوطدت العلاقات بين الصين والمملكة العربية السعودية على مدى عقدين من الزمن، لكن العلاقات تعمقت مع تراكم نفوذ الأمير محمد في المملكة منذ عام 2016 فصاعدًا.، وتقدمت العلاقات التجارية بين البلدين في نفس الوقت الذي ابتعدت فيه واشنطن عن الشرق الأوسط.
ويُنظر إلى الصين بشكل متزايد على أنها تدخل في فراغ إقليمي ناتج عن تراجع الاهتمام الأمريكي وتراجع القوة، إذ أسفرت زيارة بايدن في يونيو عن عوائد قليلة، ولم تنجح في إقناع الأمير محمد بتعزيز إمدادات النفط.
الصين وحرب اليمن
ويُعتقد أن موقف الصين من الصراع اليمني مدفوع بشكل أساسي بمصلحتها في الحفاظ على علاقات استراتيجية وثيقة مع المملكة العربية السعودية. ونتيجة لذلك، أذعنت بكين للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، بحسب ما ذكره تقرير سابق للمعهد الامريكي للسلام «USIP».
حيث أشار بأن بكين وعلى الرغم من عدم الاضطلاع بدور قيادي بارز، دعمت المبادرات الإقليمية والدولية للتخفيف من حدة الصراع اليمني، بما في ذلك مبادرة مجلس التعاون الخليجي، ومؤتمر الحوار الوطني، ومحادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة. وبصفتها الشريك التجاري الرئيسي لليمن، تتمتع الصين بوجود اقتصادي ضخم في البلاد ويمكن أن تلعب دورًا اقتصاديًا مهمًا في إعادة إعمار اليمن بعد الحرب من خلال مبادرة الحزام والطريق.
منذ عام 2011، تأثرت سياسات الصين بشأن النزاع اليمني برغبتها في تعزيز علاقات استراتيجية قوية مع المملكة العربية السعودية، واحتلت العلاقات الثنائية مع الرياض مكانة بارزة في الحسابات الصينية، حيث تشكل المملكة العربية السعودية بوابة مهمة للعالم العربي السني في الشرق الأوسط وأفريقيا، كما تعد المملكة أيضًا موردًا رئيسيًا للنفط ونقطة محورية إقليمية لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
وأكد المسؤولون الصينيون والسعوديون علنًا على احترام المصالح الأساسية لبعضهم البعض، على سبيل المثال، تدعم الرياض بشدة موقف الصين بشأن تايوان وشينجيانغ وبحر الصين الجنوبي فيما تحترم بكين بدورها المصالح الأمنية السعودية في اليمن وأعربت عن دعمها للشرعية اليمنية.
ورأى المعهد الأمريكي بأن واشنطن ولا بكين لم توليا الاهتمام الكافي لليمن، موصيا الولايات المتحدة والصين بالعمل مع شركاء الخليج والأمم المتحدة على استراتيجية متعددة الأوجه للتخفيف من حدة الصراع في اليمن، وقال بأن الصين في وضع فريد للعمل مع روسيا وإيران وسلطنة عمان للمساعدة في جلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات.
بكين والهدنة اليمنية
وربما تسعى الصين لتعزيز دبلوماسيتها في اليمن، من خلال رئاستها الدورية لمجلس الأمن الدولي التي تسلمتها في أغسطس الجاري، وقال تشانغ جون، رئيس مجلس الأمن، ومندوب الصين بالأمم المتحدة "يتعين على الأطراف المعنية في اليمن الوفاء الكامل بالتزامها بالهدنة، وتجنب جميع الهجمات على المدنيين والمنشآت المدنية، والاستفادة الكاملة من آلية لجنة التنسيق العسكرية للحفاظ على الاتصالات المنتظمة، ومعالجة القضايا من خلال الحوار والتشاور".
وأضاف في إفادة لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن الاثنين الماضي: "منذ بدء الهدنة، انخفض عدد الضحايا المدنيين بسبب العمليات العسكرية بشكل كبير، لكن في أماكن مثل تعز ومأرب وشبوة لم يعم السلام، والوضع الأمني لا يزال هشا".
وحول توسيع انجازات التهدئة قال "ندعو جميع الاطراف اليمنية لاغتنام الفرصة التي يتيحها تمديد الهدنة والعمل مع بعضها البعض من اجل التقدم في فتح الطرق في تعز والمحافظات الاخرى ودفع رواتب موظفي الخدمة المدنية وزيادة الرحلات الجوية الدولية في مطار صنعاء وغيرها من القضايا التي لها تأثير على معيشة الناس ورفاهيتهم".
وقال "نرحب بالتقدم الذي أحرزته الحكومة اليمنية والحوثيين بشأن تبادل المعتقلين"، مضيفا "نأمل أن تظهر أطراف النزاع بشكل كامل إرادتها السياسية ومرونتها، ومن خلال وساطة المبعوث الخاص هانس غروندبرغ، تعزيز المشاورات والتوصل إلى اتفاق مبكر حول توسيع اتفاقية الهدنة".
وقال إن "الصين تدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية وتوفير الضروريات اليومية الأساسية والإمدادات الطبية للمتضررين لمنع وقوع كارثة إنسانية واسعة النطاق". وأكد تشانغ أن الوضع في اليمن يؤثر على السلام والاستقرار في منطقة الخليج. وقال "مفتاح الأمن والاستقرار في منطقة الخليج في أيدي الدول نفسها".
وتابع: "تشجع الصين دول المنطقة على العمل مع بعضها البعض نحو نفس الاتجاه خطوة بخطوة على أساس الاحترام المتبادل لمعالجة مخاوف كل منها من خلال المشاورات على قدم المساواة، وينبغي للدول خارج المنطقة أن تقدم دعمًا مفيدًا للتسوية السلمية".
أخبار ذات صلة
الاربعاء, 17 أغسطس, 2022
قالت ان الوضع بتعز ومأرب وشبوة مايزال هشاً.. الصين تحث على تنفيذ كامل إتفاقية الهدنة اليمنية
السبت, 18 يونيو, 2022
التسوية تصطدم بإيران والحوثيين.. مخاوف مصرية على أمن البحر الأحمر مع تأرجح الهدنة في اليمن
الخميس, 09 يونيو, 2022
السفير الصيني: حزب الإصلاح قوة مهمة وفاعلة لتحقيق السلام في اليمن