اختتم وفدٌ أمريكيٌ رفيع، يوم الجمعة، زيارة خاطفة ونادرة إلى اليمن شملت ثلاث محافظات يمنية هامة، تقع جميعها شرق اليمن، هي: محافظتي شبوة وحضرموت (الغنيتين بالنفط والغاز)، بالإضافة إلى محافظة المهرة الواقعة على حدود سلطة عمان شرقي البلاد.
 
وضم الوفد الأمريكي: المبعوث الخاص لليمن تيموثي ليندر كينغ، والقائمة بأعمال السفارة الأمريكية لدى اليمن كاثي ويستلي، وعدد من المستشارين الأمريكيين.
 
 ووفق بيان للخارجية الأمريكية؛ التقى الوفد محافظي المحافظات الثلاث؛ فرج البحسني (حضرموت)، عوض العولقي (شبوة)، ومحمد علي ياسر (المهرة).
 

ملفات الزيارة
 
 ركزت زيارة الوفد الأمريكي إلى المحافظات اليمنية الشرقية الثلاث، والتي تشهد استقرارا نسبياً بخلاف المحافظات اليمنية الأخرى؛ على: "الاحتياجات التنموية والاقتصادية والأمنية، ومكافحة الإرهاب والتهريب"، وفق بيان الخارجية الأمريكية.
 
وأوضح البيان الأمريكي أيضا، أن الجولة "أتاحت فرصة لمناقشة الاحتياجات في هذه المحافظات والجهود المبذولة لتعزيز الخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية والأمن، مما يسمح للسلام بأن يعمّق جذوره. كما أبرزت استمرار التحدّيات، التي يفرضها الإرهاب والتهريب، والتي تغذّي عدم الاستقرار".
 
في محافظة شبوة، التي وصلها الوفد الأمريكي على متن مروحية عسكرية إلى منشأة بلحاف لتصدير الغاز في محافظة شبوة، تحت حراسة أمنية مشددة، رفقة ضباط من التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة السعودية، بحث الوفد الأمريكي بحضور ممثلي التحالف العربي، مع المحافظ عوض العولقي وقيادة السلطة المحلية، الوضع التنموي والاقتصادي والأمني والاستثمارات القادمة للمحافظة.
 
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"، عن مصادر مطلعة على فحوى الزيارة؛ أن الوفد الأميركي ركز على الشق الأمني وتحقيق الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، مضيفة أن الزيارة تمثل دعماً لجهود المحافظ، وهي نتيجة للقاء سابق مع القائمة بأعمال السفارة تم عبر الاتصال المرئي.
 



تهديدات القاعدة
 
بالتزامن مع الزيارة، أعلنت الخارجية الأمريكية عن طرح مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن القيادي في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية "إبراهيم البنا". وقال برنامج "مكافئات من أجل العدالة" التابع للخارجية الأمريكية، في بيان، إن "تنظيم القاعدة لا يزال يهدد اليمن والعالم كل يوم؛ لأن إرهابيين مثل إبراهيم البنا طلقاء".
 
واتهم البيان تنظيم القاعدة باختطاف خمسة من العاملين في الأمم المتحدة؛ أربعة منهم من اليمنيين. وناشدت أمريكا اليمنيين بتزويدها بأي معلومات حول عملية الاختطاف التي جرت في محافظة أبين، مطلع شهر فبراير الماضي.
 
وبرز ملف الإرهاب بشكل خاص، خلال لقاء الوفد الأمريكي بمحافظ حضرموت. حيث ذكر المكتب الإعلامي للسلطة المحلية بالمحافظة أن الوفد الأمريكي الزائر بحث مع المحافظ اللواء فرج البحسني القضايا والموضوعات المشتركة، خصوصًا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب (...).
 
وأشار إلى أن المحافظ البحسني تطرق- خلال لقائه بالوفد الأمريكي- إلى سيطرة تنظيم القاعدة الإرهابي على مناطق ساحل حضرموت في 2015 لمدة عام كامل، مستعرضا العمليات العسكرية التي تم تنفيذها حتى تم التخلص من كافة المجاميع الإرهابية، وإنشاء المعسكرات في تلك المواقع لتأمين المحافظة من أي اعتداءات قادمة.
 
وأكد البحسني، أن عملية تثبيت الأمن والحفاظ على ما تحقق، وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين مهمة تشاركية تقع على عاتق الجميع، داعيًا الجانب الأمريكي إلى دعم قوات الجيش في حضرموت بالوسائل الحديثة، ومنح قادتها الفرص التدريبية، وبحث إمكانية إنشاء قوّة عسكرية مختصة بمكافحة الإرهاب.
 
وبحسب المكتب الإعلامي أيضا؛ فإن المبعوث الأمريكي تيم ليندر كينج ثمن الجهود المبذولة في سبيل مكافحة الإرهاب، مشيرًا إلى أن عملية التحرير لساحل حضرموت ساهمت في مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية على تفكيك تنظيم القاعدة في اليمن. وأكد على أن مهمة مكافحة الإرهاب تقع في أولويات قائمة الولايات المتحدة في اليمن، مشددا على أهمية التعاون المشترك ودوره في إنجاح كافة المهام.
 



علاقة الزيارة بالحرب في أوكرانيا
 
بالنظر إلى توقيت الزيارة، فقد أتت في خضم اشتداد الحرب الروسية على أوكرانيا، وما رافقها من احتشاد أمريكي - أوروبي واسع إلى جانب "كييف"، من خلال تزويدها بالأسلحة وفرض عقوبات اقتصادية مشددة على موسكو.
  
الأمر الذي يمكن النظر معه إلى احتمالية وجود ترابط قوي بين زيارة الوفد الأمريكي لليمن، وملف الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي ركزت على جانبين رئيسيين: اقتصادي، وأمني..
 

اقتصاديا

 يُعتقد أن الولايات المتحدة، ومعها دول الاتحاد الأوربي الداعم لأوكرانيا، يسعيان للحصول على مصادر بديلة للغاز والنفط، بغية تعويض النقص المتوقع في حال قررت موسكو وقف تصدير غازها لدول أوروبا التي تعتمد على 40 في المئة من الغاز الروسي.
 
وتمتلك اليمن واحدا من أكبر المشاريع الاقتصادية الإستراتيجية في البلاد والمنطقة، هو: مشروع الغاز الطبيعي والمسال، الذي بدأ انتاجه في محافظة مأرب عام 2005، وتصديره عبر منشأة بلحاف بمحافظة شبوة عام 2009. وتقدر طاقته الإنتاجية بـ 6.7 مليون طن متري سنويا، كما يقدر احتياطي الغاز المؤكدة علمياً في محافظة مأرب والمخصصّة للمشروع بـ 9.15 تريليون قدم مكعب.

 ومنذ صيف العام 2015 توقف تصدير الغاز عبر ميناء بلحاف (شبوة) لتصدير الغاز المسال، الذي يعد هو الأخر أكبر مشروع صناعي استثماري يمني، وتم إيقاف العمل به لأسباب أمنية، خصوصا مع تمدد الحرب اليمنية نحو المحافظات الجنوبية، ومنها محافظة شبوة. حيث قررت حينها شركة “توتال” الفرنسية، المالك الأكبر والمسئولة عن إدارة هذه المنشأة الغازية إيقاف العمل فيها، وأجلت موظفيها الأجانب، وتوقف معها إنتاج وتصدير الغاز اليمني.
 
ومنذ العام 2017، تفرض دولة الإمارات العربية المتحدة سيطرتها على منشأة بلحاف الغازية، التي حولتها إلى ثكنة عسكرية لقواتها ومركز تدريبي للجنود اليمنيين الموالين لها.
 
وتثير زيارة المسؤولين الأمريكيين إلى شبوة، في مثل هذا التوقيت الحساس، التساؤلات بشأن ما إذا كانت تأتي فعلا لدراسة إمكانية استئناف تشغيل منشأة بلحاف وتصدير الغاز منها مجدداً ورفع القيود الإماراتية عنها؟!
 
ومع أنه لم تصدر أية تأكيدات- أو حتى إشارات- رسمية بهذا الخصوص من أي جهة (يمنية أو أمريكية)، إلا أن صحيفة "القدس العربي" في لندن، نقلت عن مصدر مسؤول في السلطة المحلية بمحافظة شبوة، تأكيده على أن هذه الزيارة الأمريكية الرفيعة إلى منشأة بلحاف بشبوة جاءت في إطار مساع أمريكية وربما غربية، لاستئناف تشغيل المنشأة الغازية وإعادة تصدير الغاز اليمني المسال عبرها، بعد توقف دام سنوات، منذ اندلاع الحرب في اليمن مطلع 2015.
 
محافظ حضرموت هو الأخر، تطرق خلال استقباله الوفد الأمريكي إلى ما تمتلكه المحافظة من ثروات نفطية ومعدنية وجيولوجية وسمكية وزراعية..، وغيرها من الثروات الطبيعية، ومساهمتها في رفد الحكومة بالعملة الصعبة لتعزيز الاقتصاد في الوطن، وذلك من خلال تصدير النفط الخام.
 



أمنيا

 يبدو أن الولايات المتحدة، تخشى من أن تسعى روسيا إلى توظيف المجموعات المسلحة- غير النظامية- في اليمن (كمليشيات الحوثي شمالا، والمجلس الانتقالي جنوبا، بالإضافة إلى تنظيمي القاعدة وداعش) واستخدامها في تهديد خطوط الملاحة الدولية في البحرين العربي والأحمر، وربما أيضا لاستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، لا سيما القوات الأمريكية المتواجدة في بحر العرب.
 
وبالنسبة لملف الإرهاب وتنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية، فقد تم تناوله سابقا (أعلاه) بتفصيل أوسع، شمل مضامين البيانات والتصريحات التي حرصت في معظمها على إبراز ملف الحرب على الإرهاب، كهدف رئيسي من هذه الزيارة..
 
ولمزيد من التوضيح، نشير هنا إلى أنه: على الرغم من أن تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية، تم إضعافه كثيرا في اليمن خلال العقد الأخير، وفقا لما تؤكده معظم التقارير الدولية والمحلية؛ إلا أن عودة التركيز الأمريكي على هذا الملف في الوقت الراهن، من المرجح أن له صلة بالحرب الروسية على أوكرانيا، والمخاوف الأمريكية والأوروبية من إمكانية توسعها دوليا وإقليميا، بما في ذلك إمكانية قيام روسيا باحتواء- أو دعم وإعادة بعث- الميليشيات المسلحة المعادية لأمريكا والغرب.
 
وهنا يمكن اعتبار الحرص الأمريكي- عبر وفدها الرفيع إلى اليمن- في التركيز على تأمين هذا الملف كليا، ينبع من رغبتها في تأمين طرق الملاحة الدولية في البحرين العربي والأحمر والمحيط الهندي عموما، خصوصا وأن هذه الطريق الدولية ستشكل أهمية كبرى إضافية، لتعويض النقص الحاصل في النفط والغاز الروسي، إلى أوروبا، عن طريق دول الخليج.  
 
وثمة أحداث سابقة يمكن الاستشهاد بها لإثارة المخاوف من عودة قوة تنظيم القاعدة في اليمن مجددا، لاستغلاله في هذا الجانب. ففي منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2014، على سبيل المثال؛ هاجم تنظيم "القاعدة" منشأة بلحاف لتصدير الغاز اليمني المسال بصاروخين من نوع كاتيوشا. وحينها قال التنظيم إن شركة (توتال) الفرنسية، التي تشغل المنشأة الغازية، أصبحت "هدفاً مشروعاً لعملياته".
 
وبالانتقال إلى ميليشيات الحوثي؛ فقد أعلنت هذه الجماعة، التابعة لطهران حليفة موسكو، دعمها وتأييدها لخطوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي أعترف فيها باستقلال منطقتي دونيتسك ولوهانسك عن أوكرانيا، الخطوة التي مهدت للحرب واشعلتها..
 
أضف إلى ذلك، أن خبيرا سياسيا روسيا مقربا من نظام بوتين، ألكسندر نازاروف، كتب مقالا نشره موقع "روسيا اليوم" الجمعة الماضية (أي بالتزامن مع زيارة الوفد الأمريكي الرفيع إلى اليمن)؛ تضمن تهديدا واضحا من أن الحوثيين يقتربون من تحقيق اختراق "هائل ومفاجئ" "في تطوير تكنولوجيا الصواريخ". في تحذير مبطن لدول الخليج بإمكانية تزويد موسكو الميليشيات الحوثية بهذه التكنولوجيا، إذا لم تقف تلك الدول إلى جانب بلاده.
 
ولمزيد من توضيح التهديد أكثر، أختتم المقال بالقول: " فكما يظهر الوضع في أوكرانيا، عندما يتعلق الأمر بالبقاء على قيد الحياة، فإن روسيا لا تتمسك كثيراً بالإجراءات الرسمية والبروتوكول الدبلوماسي".
 
وفي حال رفع الغرب من اعتماده على طريق الملاحة الدولية عبر بحر العرب والبحر الأحمر، فإن التهديد الحوثي سيكون أحد أهم التهديدات التي يتوجب تأمينها. خصوصا وأن الحوثيين اثبتوا قدرات متطورة، لا يمكن الاستهانة بها، في استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر.
 
ومن جهة ثانية؛ تزامنت هذه الزيارة الأمريكية أيضا، مع زيارة أخرى للسفير الهولندي لدى اليمن "بيتر ديرك هوف" إلى مدينتي صنعاء والحديدة، الواقعتين تحت سيطرة مليشيات الحوثي. وحتى على الرغم من أن السفير الهولندي أكد في تغريده له في تويتر على أن زيارته "تهدف للدفع نحو حل أزمة السفينة النفطية العائمة صافر في البحر الأحمر، قبالة سواحل الحديدة، غربي اليمن"؛ إلا أنه حسبما يٌعتقد أن لهذه الزيارة صلة ما بالأحداث الدولية الناجمة عن الحرب الروسية على أوكرانيا.  
 

حركات الجنوب الانفصالية
  
وبالنسبة للقوى الجنوبية، فقد أتخذ ما يسمى "مجلس الحراك الجنوبي" الانفصالي، نفس الموقف؛ بإعلان تأييده للخطوة الروسية المعترفة باستقلال الجمهوريتين الأوكرانيتين المذكورتين.
 
أما "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتيا، فقد جاء موقفه بشكل غير مباشر، من خلال لقاء رئيسه عيدروس الزبيدي، السبت الماضي (5 مارس/ آذار)، بالسفير الروسي لدى أبو ظبي تيمور زابيروف. وقال الموقع الرسمي للانتقالي، إن اللقاء، استعرض العلاقات التاريخية المتينة بين الجنوب وروسيا الاتحادية، وبحث مستجدات مختلف الأوضاع في بلادنا والمنطقة.
 
وفي حين سيكون من المهم الإشارة إلى أن هذا اللقاء هو الثاني بين الطرفين منذ اعتراف بوتين بالجمهوريتين الانفصاليتين عن أوكرانيا؛ فإن حدوث مثل هذه اللقاءات في "أبو ظبي" التي أعلنت موقفا واضحا مع روسيا، من شأنه أن يقدم رسالة لا لبس فيها عن طبيعة موقف المجلس الجنوبي.
 
وتأتي الإشارة، الواردة في الخبر المنشور في موقع المجلس حول مجريات اللقاء، من أنه نقاش "أهمية مكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن والاستقرار، وتأمين المصالح الدولية، وخطوط الملاحة البحرية ومضيق باب المندب وخليج عدن"، كتلويح غير مباشر برغبة روسيا في الاعتماد على هذا المجلس الانفصالي المسلح والمسيطر على معظم الجنوب، في تحقيق مصالح موسكو الأمنية المرجوة على البحر.
 
ومن المعروف أن المجلس الانتقالي الجنوبي يسعى إلى استعادة ما يعرف بـ"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" التي كانت عليه جنوب اليمن إلى ما قبل عام 1990، حين كانت تابعة للاتحاد السوفيتي قبل انهياره. حيث يرى المجلس حاليا أنه الوريث الأقوى لحكم جنوب اليمن حال نجاح استقلاله مستقبلا. وخلال العام الماضي جدد المجلس صلاته الوثيقة بروسيا وقادتها السياسيين من خلال عدة زيارات أجراها المجلس، لرئيسه وقياداته ووفده، إلى موسكو.
 
ومؤخرا، قاد المجلس الانتقالي تحركات شعبية لإثارة التوتر والفوضى في مثلث المحافظات الشرقية (حضرموت، المهرة وشبوة)، بهدف إثارة الجماهير ضد السلطات المحلية في أطار استكمال فرض سيطرته عليها.
 
وفي حضرموت، على سبيل المثال؛ توجهت الجماهير المحسوبة على الانتقالي إلى محاصرة مقرات شركات استكشاف وإنتاج النفط في المحافظة. الأمر الذي جعل إدارة تلك الشركات تعلن تعليق أعمالها خشية تعرض موظفيها ومصالحها للاستهداف.
 
وفيما يعتقد أنه ذو صلة بهذه الأحداث والتوترات، نقلت صحيفة "الشرق الأوسط"، عن مصدر مطلع قوله: إن الجانب الأميركي أكد خلال زيارته على أهمية "توحيد الوحدات العسكرية والأمنية، واستكمال تنفيذ اتفاق الرياض، ودعم تعزيز قوات أمنية وعسكرية قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار". كما تم الحديث– وفق المصدر ذاته- عن القوات المشتركة بقيادة فؤاد النسي (...)، من أن هناك رغبة بعدم وجود أي تشكيلات عسكرية لا تتبع الدولة، خوفاً من عدم السيطرة عليها لاحقاً.