بنى المجلس الانتقالي الجنوبي، ومن قبله فصائل مختلفة في الحراك الجنوبي، تحركاتهم الاحتجاجية على أساس المناطقية في جنوب اليمن رغم ما جره هذا المسلك من ويلات على "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" سابقا. وفي حين أغفلوا التركيز تماما على المضامين السياسية والاجتماعية والثقافية، فقد ارتدوا إلى مشروع الاستعمار البريطاني الذي كان قائما على 23 سلطنة قبلية...!!
بعد سنوات من هيمنة الحراك الجنوبي على معظم القوة المادية، بما فيها العنيفة، في عدن ومحافظات جنوب اليمن، بدأت المناطقية ترتد عليه وتفجر في طريقها سلسلة من الصراعات العنيفة والدموية، التي لم تعد تهدد المجلس الانتقالي الجنوبي (أقوى الحركات الجنوبية المسلحة بدعم إماراتي) فحسب؛ بل تهدد أيضا القوى الاجتماعية والقبلية والسياسة والاستقرار الاقتصادي في جنوب اليمن، في الوقت الذي تستنزف فيه جهود اليمنيين في حربهم المصيرية ضد مليشيا الحوثي.
تحولات الصراعات العنيفة مناطقيا
بعد تحرير عدن من مليشيا الحوثي في آواخر يوليو/ تموز 2015، انفجرت تراكمات ثمان سنوات من الخطاب المناطقي الانفصالي، الذي لم يكن يستهدف إحداث "الانفصال السياسي" بحد ذاته عن دولة الجمهورية اليمنية؛ بل امتد إلى فرز السكان على أساس هوياتهم، ومكان ميلادهم (جغرافيتهم).
ومع نهاية العام 2015، دشنت تشكيلات مسلحة، مولتها الإمارات في عدن، عمليات تهجير واسعة شملت مئات- وربما آلاف- السكان، كان معظمهم من التجار والعاملين والباعة البسطاء في أسواق وشوارع عدن، المنحدرين من خارج محافظات ما كانت تسمى "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، وخصوصا محافظات تعز وإب.
ومنذ ذلك الحين، تكررت جولات التهجير مرات عدة، بطريقة "هستيرية"، رسمت صورة مفزعة للقطاع الخاص بشأن ما كان يعتبرها فرصة ذهبية لتنمية ميناء عدن وتوسيع النشاط الاقتصادي للعاصمة المؤقتة اليمن، مع تعطيل مؤسسات الدولة التي كان يؤمل أن يعاد بناؤها في عدن بعد أن صارت عاصمة (مؤقتة) لليمن كله.
وأدت نتائج عملية التهجير المتكررة والفرز المناطقي في عدن، إلى إحياء النزاعات المناطقية التي قضت عليها ثورة أكتوبر والحزب الاشتراكي اليمني، بين فترتي الاستقلال والوحدة. كما أعادت إحياء النزعات المناطقية التي دمرت السياسة والاقتصاد ومؤسسات الدولة، على شكل سلسلة غير متناهية من دورات العنف التي تنفجر بين حين وآخر.
وبينما كان شعار: "دم الجنوبي على الجنوبي حرام"، في فترات سابقة، هو أرقى محاولة للتيارات الانفصالية لتجنب الوقوع في صراع دموي داخلي؛ إلا أنه سرعان ما فشل على وقع التشكيلات العصبوية التي نشأت بعد طرد مليشيا الحوثي من مناطق الجنوب، لتنفجر على هيئة صراعات مناطقية بين أبناء الضالع وردفان ويافع، ضد أبناء أبين وشبوة، رغم حمل تلك الصراعات على مضامين سياسية للانفصال مقابل الوحدة والشرعية، في 2016.
وانتقلت عدوى السياسة المناطقية، من الانفصاليين، إلى الحكومة التابعة للرئيس عبدربه منصور هادي، المنحدر من محافظة أبين، ليصدر في أواخر أبريل/ نيسان 2017 قرارا بعزل عيدروس الزبيدي (الضالعي) من منصب محافظ عدن، وهاني بن بريك (اليافعي) من منصب وزير دولة في الحكومة؛ الأمر الذي دفع بهما إلى تشكيل ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" بتخطيط ودعم من دولة الإمارات، التي أدركت حجم الاحتقان المناطقي القائم لتلعب عليه في سبيل تحقيق أهدافها ورعاية مصالحها في الجنوب، وبفضلها أصبح المجلس الانتقالي قوة ضاربة، مهيمنة ومسيطرة على معظم المحافظات الجنوبية، بامتلاكه عشرات الآلاف من المسلحين والجنود في عدد من التشكيلات العسكرية والأمنية، التي أسست على أسس مناطقية، تشبه جيوش السلطنات التي رعاها الاستعمار البريطاني- كما ذهب الباحث اليمني توفيق الجند في أحد تقاريره.
مع تأسيس المجلس الانتقالي في مايو/ أيار 2017، بدأت حدة الصراعات بالانتقال إلى مستوى جديد، أضر كثيرا بالمصلحة الوطنية العليا للدولة، ذلك حين انعطفت بالحرب ضد مليشيا الحوثي إلى جعلها ثانوية أمام الحروب البينية السياسية المناطقية المتنامية في جنوب اليمن. وقد ساعد على ذلك تباين الرؤى الاستراتيجية بين دولتي السعودية والإمارات، قائدتي التحالف العربي لمواجهة إيران ووكلائها في اليمن بشكل خاص، والمنطقة عموما.
الصراع الانتقالي - الحكومي
اتسمت قيادة الرئيس هادي، منذ توليه السلطة في 2012، بالضعف الشديد، وبدى ذلك جليا في إدارته للصراع السياسي ضد الحوثيين، بداية، وصولا إلى انقلابهم المسلح عليه وعلى سلطاته في أواخر 2014 ومطلع 2015.
أدى ذلك الضعف الشديد لإدارة هادي للبلاد، إلى إغراء وتشجيع الانتقالي لتكرار الانقلاب مرة أخرى على حكومته، التي من الواضح أنها لم تكن تمتلك سيطرة فعلية على معظم المناطق المحررة في الجنوب، حيث كانت تخضع عسكريا وأمنيا لسيطرة ما تسمى بـ "الأحزمة الأمنية" المدعومة إماراتيا.
اندلع أول صراع مسلح بين قوات الانتقالي والقوات الحكومية في عدن نهاية يناير/ كانون الثاني 2018. وعلى ما يبدو، كان البعد المناطقي حاضرا بقوة في ذهن هادي ما دفعهُ للحشد بقوة لقتال ميليشيات الانتقالي والإمارات بعدن لأيام متواصلة، قبل أن تنجح وساطة سعودية في إيقاف المواجهات بعد تحقيق الانتقالي مكاسب واضحة فيها، مكنته أكثر من ترسيخ هيمنته العسكرية والأمنية والإدارية على معظم المناطق والمؤسسات الحكومية في عدن، على حساب الحكومة الضعيفة أصلا!!
في الواقع، كان الحوثي قد بلغ أوج ضعفه في مختلف الجبهات مع نهاية العام 2017. حتى جاء هذا النزاع المسلح في عدن، بين ميليشيات المجلس الانتقالي والقوات الحكومية، ليضعضع ويضعف من ثقة وقوة تماسك الجبهة اليمنية المناهضة للانقلابيين الحوثيين، ويمنحهم فرصة جديدة ثمينة لاستجماع قوتهم المتداعية. كما سهل ذلك، على الحوثيين، حياكة المؤامرات وصناعة الأحداث المتتالية التي خلقت مزيد من التصدعات والصراعات الداخلية بين الأطراف اليمنية المناهضة لهم، حتى وصل الأمر إلى تبادل التهم، فيما بين طرفي الحكومة والانتقالي، بالتعاون والتخابر مع الحوثيين...!!
كانت تلك المواجهة المسلحة الأولى، ربما أقل وطأة في تداعياتها من المواجهة المسلحة الثانية التي حدثت بعد قرابة أكثر من عام ونصف منها في عدن أيضا، ثم تمددت نحو أبين وشبوة، وما زالت تداعياتها قائمة حتى اليوم.
وثمة إرهاصات عديدة هامة سبقتها، تتطلب منا المرور عليها سريعا لتسهيل استيعاب ما حدث، وما زال يحدث تباعا حتى اليوم..
احتدام الصراع الداخلي وتوسعه
مع نهاية العام 2018، نجح الضغط الدولي، بقيادة أمريكا وبريطانيا، ومن ورائهم الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في اليمن، في إيقاف تقدم قوات مدعومة من الإمارات والتحالف العربي لاستكمال السيطرة على مدينة الحديدة في الساحل الغربي لليمن، بموجب "اتفاقية ستوكهولم" الموقعة في السويد بين الحكومة اليمنية والميليشيات الحوثية في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018.
منذ ذلك الحين، تقريبا، خفتت تدخلات التحالف العربي العسكرية في اليمن بشكل ملحوظ. وفي يونيو/ حزيران 2019، أعلنت دولة الإمارات سحب قواتها من اليمن. ومع أن هذه الخطوة، جاءت بعد أيام قليلة فقط من عمليات تفجير استهدفت سفنا تجارية قبالة المياه الإقليمية الإماراتية القريبة من موانئ الفجيرة في مايو/ أيار، إلا أن تقارير دولية أشارت إلى أن خطوة الانسحاب الاماراتي جاءت تنفيذا لرغبة إماراتية مسبقة ومدروسة بإنهاء مشاركتها وتدخلها العسكري في الحرب اليمنية.
ومع ذلك، احتفظت الإمارات بقوات عسكرية تابعة لها في مناطق متفرقة من جنوب اليمن، بينها حضرموت وشبوة، إلى جانب قادة عسكرين رفيعين يعملون في مقر قيادة التحالف بعدن. غير أن الانسحاب الإماراتي، المعلن في يونيو/ حزيران 2019، كان ينتظر منه أن يلقى بظلاله على مصير تلك التشكيلات المسلحة غير النظامية التي أسستها الإمارات على مدى نصف عقد في جنوب اليمن (أو حتى في شماله؛ كالقوات المشتركة في الساحل الغربي بالحديدة وتعز، والتي قيل إنها دخلت في كنف الدعم السعودي)
بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تمول الامارات كامل أنشطته، بما في ذلك دفع رواتب أعضائه وميليشياته، فسيتعرض إلى هزة كبيرة قد تودي به، إذا ما افترضنا- ضمنيا- أن قرار أبو ظبي بالانسحاب يتعدى المخاوف الجنائية والعسكرية وتداعياتها الإقليمية والدولية، إلى الرغبة أيضا في التخفيف من الأعباء المالية الضخمة الملقاة على عاتقها في اليمن.
غير أن دولة تجارية كالامارات لا يمكنها أن تهدم كل ما بنته في سنوات على ذلك النحو السهل، بالتخلي كليا عن دعم أحد أهم وأقوى حلفائها في جنوب اليمن، فكان ولا بد من خطة تصل بحليفها الأقوى إلى ضمان تأمين تمويله الذاتي لتعويض النقص الناجم عن انسحابها. ولم تكن هناك خطة أفضل من مساعدته على فرض السيطرة الكاملة (عسكريا وإداريا) على محافظات الجنوب، والتحكم بمصادر الطاقة الرئيسية فيها وإيراداتها، بعيدا عن حكومة هادي الشرعية، تحت نزعة الرغبة في الاستقلال الذاتي والانفصال عن الشمال.
وفي أغسطس/ آب 2019، أي بعد أقل من شهرين من قرار الانسحاب الاماراتي، كانت تفاصيل الخطة قد اكتملت، وبدأت العملية العسكرية بمهاجمة قوات الانتقالي لألوية الحماية الرئاسية التابعة للرئيس هادي المتمركزة في عدن.
نجحت الخطة في البداية بالسيطرة على عدن، وامتدت إلى أبين وشبوة في إطار استكمال عملية السيطرة على جميع محافظات جنوب اليمن ومصادر الطاقة فيها (شبوة وحضرموت تحديدا) لتوفير تمويل محلي للمجلس الانتقالي، وانتزاعها من يد رئيس الجمهورية عبدربه هادي. وللنجاح في ذلك، فقد شملت الخطة تقسيم الجيش في عدن بانحياز المنطقة العسكرية الرابعة إلى صف المجلس الانتقالي.
وردا على هذه النزعة، حشد هادي، ربما بنفس مناطقي أيضا، أنصاره في شبوة وأبين، مع استغلال واضح للجيش لمواجهة الانتقالي تحت اسم الدفاع عن الوحدة. وفعلا تمكنت قوات الجيش التابعة لهادي من هزيمة قوات الانتقالي في شبوة ودحرهم منها مع نهاية أغسطس/ آب 2019، ومن ثم التوجه بنفس الزخم القتالي للسيطرة على العاصمة المؤقتة عدن، التي كانت على مرمى حجر من اجتياح الجيش لولا تدخل الطيران الإماراتي الذي نجح فعلا في منعه من دخول عدن مطلع سبتمبر 2019، بعد تنفيذ ضربات جوية أدت إلى مقتل وجرح 300 من أفراد الجيش، معظمهم من أبين.
وفي المجمل، كان للنزعة المناطقية المتراكمة، بين هادي من جهة، وعيدروس الزبيدي من جهة أخرى، وتحشيد الطرفين للقتال ضد بعضهما في أبين، نتائج مأساوية على القتال ضد مليشيا الحوثي الإيرانية، حيث استغلت الأخيرة ذلك لتتحول من الدفاع إلى الهجوم، وكادت أن تسقط مركز محافظة الضالع في 2019، بينما نجحت في اسقاط جبهة كتاف في صعدة وعددا من المديريات والمناطق والجبهات في كل من نهم ومأرب وشبوة خلال ما تبقى من العام 2019 وحتى نهاية 2021.
الصراع داخل الانتقالي نفسه
بينما كان الانتقالي الجنوبي قد تمكن من تأمين محافظات جنوبية لصالحه، بينها عدن ولحج وأجزاء من أبين وحضرموت وسوقطرى، طوال الفترة الماضية تحت وقع النزعة المناطقية بين الشمال والجنوب؛ إلا أن ذلك لم يمنع تشكيلاته العسكرية؛ من أحزمة أمنية ودعم وإسناد وحتى المنطقة العسكرية الرابعة للجيش؛ من ارتدادات الصراعات المناطقية المستفحلة وفقا لانتماءاتها المناطقية الضيقة..
فقد كانت قوات الحزام الأمني بعدن تنتمي في معظمها إلى منطقة يافع، بينما التشكيلات العسكرية المتمركزة في موقع جبل حديد وشرطة عدن تنحدر في معظمها إلى محافظة الضالع، في حين أن غالبية ألوية الدعم والإسناد تعود إلى منطقة ردفان..؛ وهي ثلاث مناطق رئيسية تمثل العمق البشري للانتقالي، وخاضت اشتباكات متعددة فيما بينها، إلى جانب عدد من الاعتداءات القبلية في عدن استهدفت قبائل الصبيحة (وهي من أقوى القبائل وتتبع محافظة لحج)، ليزيد ذلك من زخم عمليات التحشيد في عدن، بشكل خاص، على أسس مناطقية غالبا، وقبلية أحيانا. والتي في معظمها كان الهدف منها استعراض القوة المناطقية للفصائل وإحداث توازن ردع يحفظ تقاسم الجبايات والإيرادات بين مختلف قيادات المناطق الثلاث المسيطرة على تلك التشكيلات.
ولعل من المناسب، هنا، الاستدلال بأهم وأبرز- وربما أخطر- المواجهات التي دارت بين الفصائل المسلحة التابعة للانتقالي في عدن، في العام الماضي فقط؛ على رأسها تلك الاشتباكات العنيفة التي نشبت في مديرية الشيخ عثمان منتصف السنة الماضية بين فصائل الحزام الأمني والدعم والإسناد من جهة، وبين القطاع الثامن للحزام المتمركز في المديرية نفسها من جهة أخرى. وخلفت عددا كبيرا من القتلى والجرحى من الطرفين، ولم يستطع طرف منهما حسم الصراع لصالحه. وشبّه قائد القطاع الثامن "كرم المشرقي" مديرية الشيخ عثمان، التي يسيطر عليها كإقطاعية خاصة به، بأنها فيتنام الصغرى، في دليل إضافي على حجم الصراع المناطقي بين قادة المجلس الانتقالي.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول من العام الفائت أيضا، اندلعت صراعات جديدة بين فصائل تابعة للمجلس الانتقالي، وبين القيادي في الحزام الأمني "إمام النوبي" بمدينة كريتر بالعاصمة المؤقتة عدن. وقد كان النوبي يعتبرها إقطاعية خاصة به، إلا أنه هزم بعد اشتباكات امتدت عدة أيام. ولم يعرف مصيره حتى الآن! وأمام الغضب الشعبي العارم من التغذية المناطقية، والمحاصصة بين قيادات المجلس على أسس عصبوية، زعم المجلس أن النوبي ينحدر من الصلو في تعز، في محاولة يائسة لإعادة الحياة إلى مشروعه المناطقي، بعد أن كانت هناك بوادر لتدخل اللواء الخامس بقيادة مختار النوبي في الصراع إلى جانب أخيه إمام النوبي، وجر قبائل ردفان معهما إلى قلب الصراع.
لم تنته الصراعات عند هذا الحد، وكادت المشاريع المناطقية لقادة المجلس أن تفجر صراعات قبلية جديدة نهاية الشهر الماضي في محافظة لحج؛ بين الحزام الأمني من جهة، وأحد ألوية العمالقة التي تنحدر من الصبيحة من جهة أخرى.
وفي فبراير/ شباط الجاري، تفجرت الصراعات على مستوى منطقة الضالع نفسها، التي ينحدر منها أبرز قادة الانتقالي بما فيهم عيدروس الزبيدي وشلال شايع، وتتكون منها معظم ألوية جبل حديد وقوات العاصفة وشرطة عدن. واندلعت الاشتباكات كالعادة على موارد مالية وجبايات وإقطاعيات، بين قوة الطوارئ في شرطة عدن وكتيبة من هذه القوة تتمركز في جزيرة العمال بعدن أيضا. وانتهت الاشتباكات بإخراج كتيبة جزيرة العمال من مقراتها هناك وإعادة نشرها في محافظة الضالع؛ إلا أن البديل كان أيضا قوة بنفس التركيبة.
وعلى هذا الأساس، يتمثل التهدد الأكبر الذي يواجه المجلس الانتقالي، في ارتداد الصراعات المناطقية نحو تشكيلاته العسكرية، التي كثيرا ما شهدت اقتتلا فيما بينها بالعاصمة المؤقتة عدن، زادت أكثر في العام الفائت (2021)، ما دفع فريق خبراء العقوبات بمجلس الأمن، في تقريره الأخير، إلى التشكيك بقدرة المجلس الانتقالي على السيطرة على صراعات قادته المتنافسين.
الخلاصة
بات من الواضح جدا، أن المجلس الانتقالي الجنوبي يعاني أزمة شديدة جدا، تشكل تهديدا وجوديا له كمجلس واحد، جراء تنامي الصراعات الداخلية بين مكوناته؛ لا سيما بعد توقف صراعاته الاستفزازية مع الحكومة.
يأتي ذلك، في الوقت الذي تراجعت فيه شعبيته كثيرا جراء الفشل في توفير الخدمات، بالنيابة عن الحكومة الشرعية بعد طردها وتهميشها ومحاولة اضعافها. وحيث أنه افتقد إلى كثير من الدعم الإماراتي السابق، فقد دفعه ذلك إلى فرض جبايات واسعة على الحركة التجارية وموانئ عدن، والسيطرة أكثر من مرة على أموال البنك المركزي والاستحواذ على عائدات عدن الضريبية والجمركية، ولكن دون يعود ذلك بالفائدة المرجوة على مجتمعاته المحلية، لعجزه عن معالجة الانهيارات الاقتصادية المتواصلة مع عجزه المتراكم في توفير مختلف الخدمات الأساسية، على رأسها الكهرباء وتوفير المشتقات النفطية وغيرها من الخدمات، التي غالبا ما يعتمد فيها على الحكومة الضعيفة في عدن ودعم التحالف العربي.
ورغم دعوات الكثير من أبناء عدن، والقيادات السياسية والقوى الدولية إلى تطبيق "اتفاق الرياض"، كسبيل وحيد لإنهاء كل تلك الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، بدءا بدمج تشكيلات المجلس الانتقالي العسكرية في وزارتي الدفاع والداخلية؛ إلا أن المجلس مازال يرفض ذلك فعليا، رغم الضغوط التي تواجهه من داخله ومحيطه ومن الخارج الدولي،
وفي الوقت الذي لا ينفك فيه عن الحفاظ على نزعته المناطقية لتسويغ صراعه مع الحكومة الشرعية، كحامل سياسي للانفصال بحكم الأمر الواقع؛ إلا أن ارتدادات الصراع المناطقي الاضيق بين مختلف فصائله تضع المجتمع الجنوبي ككل تحت التهديد المستقبلي، الذي لا يقل خطورة عن التهديدات القادمة من الحوثيين كميليشيا موحدة القيادة والأهداف التي تتجاوز شمال الوطن وجنوبه.