مع استمرار الصراع الأهلي في اليمن، سوف تتعمق أسوأ أزمة إنسانية في العالم وسيصبح من الصعب الوصول إلى تسوية سياسية خلال العام المقبل، مما يؤدي إلى حلقة من عدم الاستقرار من شأنها أن تبقي البلد الذي مزقته الحرب مسرحًا جيوسياسيًا بالوكالة، وفق تقرير لمعهد أمريكي.
حيث دخلت الحرب الأهلية في اليمن مؤخرًا عامها السابع، وخلقت ما باتت تعتبره الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى بالأزمة الإنسانية الأكثر دموية في العالم.
وقال معهد «Stratfor» الأمريكي، للدراسات الأمنية والاستخباراتية (الذي يوصف بالمقرب من المخابرات الأمريكية) في تقرير - ترجمة "يمن شباب نت" – "ان أزمة لا تزال بلا نهاية واضحة تلوح في الأفق، لأن أنماط الحرب المتكررة والجهات العسكرية المتكافئة على كلا الجانبين تدفع الصراع باستمرار بعيدًا عن التسوية السياسية أو وقف إطلاق النار".
وبدأ الصراع في اليمن في عام 2014 عندما احتل المتمردون الحوثيون العاصمة الشمالية صنعاء، مطالبين بالتوزيع العادل للموارد والأراضي والسيطرة السياسية، ومن ثم دخلت المملكة العربية السعودية الصراع في مارس 2015 لدعم الحكومة المناهضة للحوثيين وقيادة تحالف عربي يقف إلى جانب القوات الحكومية اليمنية، حيث تعمل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا من مدينة عدن الجنوبية، وكذلك من العاصمة السعودية الرياض.
وأصبحت ندرة الموارد مشكلة عميقة بشكل متزايد في اليمن على مدار الحرب، إذ توقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2019 أنه إذا استمر الصراع حتى عام 2022، فإن اليمن ستكون أفقر دولة في العالم. وفي عام 2021، أفاد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ايضا بأن الصراع قضى بشكل دائم على 126 مليار دولار من النمو الاقتصادي المحتمل الذي لن يتعافى أبدًا، وأن 80٪ من سكان اليمن يعتمدون الآن بشكل كامل على الاغاثة والمساعدات المالية، كما عانت قيمة العملة اليمنية مؤخرًا انهيارا غير مسبوق مدفوعًا جزئيًا بسنوات من الحرب المستمرة.
من المتوقع أن يصل عدد الأشخاص الذين قتلوا في اليمن بشكل مباشر في أعمال العنف المرتبطة بالنزاع (أي القتال أو الغارات الجوية)، وكذلك أولئك الذين قتلوا بشكل غير مباشر بسبب تداعيات الحرب الأهلية المستمرة (مثل الجوع والأمراض التي يمكن الوقاية منها)، إلى 377000 شخص مع نهاية عام 2021 - حيث شكل الأطفال دون سن الخامسة 70٪ من تلك الوفيات، وفقًا لتقرير للأمم المتحدة صدر في نوفمبر.
تؤجج الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الحوثية المستمرة على الأراضي السعودية حلقة من التصعيد العسكري تجعل من الصعب على الأطراف المتحاربة التراجع، هذه الهجمات - التي تشكل تهديدًا للسعودية، وكذلك للقوات الحكومية اليمنية والمدنيين - أصبحت أكثر تواتراً، ترد المملكة العربية السعودية والتحالف الحكومي اليمني الذي تقوده السعودية دائمًا على مثل هذه الهجمات الحوثية بضربات جوية انتقامية وبتعزيز الهجمات البرية.
إن تحسينات قدرة الحوثيين وترسانتهم اللانهائية على ما يبدو من المقذوفات - والتي بعضها مصدره إيران، والبعض الآخر من المخزونات وورش العمل الداخلية - تعني أن السعودية والحكومة اليمنية ستستمران على الأرجح في الرد عسكريًا على ضربات الحوثيين، واستمرار حلقة العنف والدمار من خلال المعاملة بالمثل.
في أوائل ديسمبر/ كانون الأول، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن إن السعودية عانت 375 هجوماً عبر الحدود منذ الأول من يناير / كانون الثاني، وهذا ارتفاع طفيف عن عدد مثل هذه الهجمات التي شهدتها المملكة في عام 2020 بأكمله، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى تطورات التكنولوجيا الحديثة التي أحدثها الحوثيون.
كذلك لا تزال الجبهات الأمامية الرئيسية في طريق مسدود على الرغم من القتال العنيف، مما يجعل كل جانب متحفظًا على الانسحاب، ولا يزال القتال شديدا على طول الخطوط الأمامية في محافظتي شبوة ومأرب بوسط البلاد، وكذلك منطقة الحديدة الساحلية، ويشير عدم وجود تبادل في السيطرة الإقليمية إلى أن الأطراف المتحاربة على الأرض متكافئة نسبيًا.
علاوة على ذلك، فإن الموارد في هذه المناطق - وبالتحديد، احتياطيات النفط في مأرب، وميناء الحديدة والمنطقة الساحلية، وأراضي شبوة ذات القيمة السياسية - تقلل من حافز لأي من الجانبين كي يدفعه للتراجع عن الخطوط الأمامية، وفي حين أن استمرار الركود أمر مرجح، فإن الخطوط الأمامية ستتغير إذا رأت المملكة العربية السعودية أن الخسائر المادية والبشرية مكلفة للغاية، أو إذا بدأت جهود التجنيد التي يبذلها الحوثيون في التعثر.
في الأشهر الأخيرة، كان القتال في مأرب شديدًا ومنتظما بشكل خاص، مما أدى إلى نزوح نفس المدنيين اليمنيين عدة مرات حيث يتقدم مركز الصراع ويتراجع، حيث أشار تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 12 ديسمبر/ كانون الأول إلى أن العنف المستمر في مأرب أدى إلى نزوح 45 ألف شخص منذ سبتمبر/ أيلول الماضي.
أدت الحرب المطولة إلى تفاقم الدوافع الأولية للصراع الأهلي، مما جعل حلها أكثر صعوبة، اذ كان غياب المساواة في الموارد وندرتها، وانعدام ثقة السكان المحليين في الجهات الفاعلة الخارجية (بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإيران)، والانقسامات المجتمعية والطائفية والجغرافية بين المجتمعات اليمنية من بين الدوافع لإشعال الصراع في عام 2014، وقد تفاقمت كل هذه العوامل على مدار دورة الحرب، مما يقلل من احتمالية التوصل إلى نهاية تفاوضية للصراع.
ادى اتفاق الرياض 2019 إلى تشكيل الحكومة اليمنية مطلع 2021 والتي شملت قادة الشمال والجنوب، مع استبعاد المتمردين الحوثيين، لكن انعدام الثقة المتبقي بين الفصائل الشمالية والجنوبية في اليمن استمر في إعاقة تعاون أعمق يتجاوز الحفاظ على جبهة مشتركة ضد الحوثيين، مما منع الحكومة اليمنية من تقديم جبهة قوية وموحدة في مفاوضات السلام على الصعيدين المحلي والدولي.
بالنظر إلى هذه العوامل، من غير المرجح أن تتوصل الأطراف المتحاربة في اليمن إلى تسوية سياسية في عام 2022، حيث سيبقي الصراع المستمر بدوره على اليمن كمسرح جيوسياسي رئيسي للسعودية وإيران والجهات الخارجية الأخرى التي لها مصالح في المنطقة.
كذلك فإن تعمق حالة عدم الاستقرار باليمن هو واحد من العوامل تدفع حاليا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات للنظر في التقارب مع إيران - التي توفر الدعم الاقتصادي والتقني للحوثيين - على أمل أن يؤدي التواصل الوثيق مع طهران إلى التخفيف من خطر امتداد الصراع إلى الأراضي السعودية أو الإماراتية.
ومع ذلك، فإن الضرورات الاستراتيجية التي تجبر الرياض على الحفاظ على تدخلها العسكري الشامل في اليمن - أي الحاجة إلى ضمان وحدة أراضي السعودية ومنع حكومة شيعية أو ذات توجهات إيرانية أو متطرفة من تولي زمام القيادة في صنعاء - من غير المرجح أن تتحول إلى العام القادم.
مع بقاء التحالف اليمني الذي تقوده السعودية على جانب واحد من الحرب، وبقاء المتمردين الحوثيين على الجانب الآخر، من المرجح أن تنهار كل جهود وقف إطلاق النار في عام 2022 على طول خطوط الصدع المعتادة التي أعاقت التسويات السياسية السابقة الهادفة إلى إنهاء النزاع.
الصراع المستمر سيجبر الولايات المتحدة على البقاء منخرطة في اليمن من أجل حماية المملكة العربية السعودية، أحد الشركاء الإقليميين الرئيسيين لواشنطن، من التهديد المتزايد لصواريخ الحوثيين وضربات الطائرات بدون طيار، حيث تواصل إيران تزويد المتمردين الحوثيين في اليمن بالأسلحة والمعدات الدفاعية، فضلاً عن الدعم العسكري، ومع ذلك لا يزال مدى الدعم الاقتصادي الذي تقدمه طهران للجماعة غير واضح.
حظيت جهود الأمم المتحدة الأخيرة للتوصل لوقف إطلاق النار في تشرين الثاني (نوفمبر) باهتمام إعلامي كبير، لكنها لم تشهد سوى القليل من الزخم على الأرض بالنسبة للأطراف المتحاربة.
ومنذ توليه منصبه، حاولت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الحد من مشاركة الولايات المتحدة الصريحة في الصراع المدني اليمني من خلال تقليص نطاق التعاون الأمريكي مع التحالف الذي تقوده السعودية في البلاد، لكن واشنطن لا تزال المزود الرئيسي للمملكة العربية السعودية بالمعدات العسكرية حيث أتمت مؤخرًا صفقة بيع أسلحة دفاعية للمملكة.
أخبار ذات صلة
الجمعة, 31 ديسمبر, 2021
صحيفة بريطانية: حرب اليمن المنسية أصبحت معقدة بشكل متزايد.. ولا نهاية تلوح في الأفق
الخميس, 30 ديسمبر, 2021
"رغم الجهود المضاعفة".. كيف أفشل الحوثيون الدبلوماسية الدولية لإيقاف حرب اليمن في 2021؟
الجمعة, 24 ديسمبر, 2021
هل تدخل "حرب اليمن" مرحلة جديدة تشهد تحول التحالف الى طريقة مختلفة لمواصلة قتال الحوثيين؟