"الحناء".. مورث شعبي يمني قديم بطقوس وعادات خاصة واستخدامات متنوعة (تقرير خاص)

[ "الحناء" اليمني.. زينة النساء في المناسبات، وعلاج فعال، وفق طقوس وعادات موروثة وحديثة ]

 إرتبطت نبتة "الحناء"، منذ القدم، بكثير من الطقوس والعادات والتقاليد في اليمن. وفي حين توارث اليمنيون بعض استخداماتها حتى اليوم، فقد وجدت لها طقوسا وأستخدامات حديثة متنوعة في المجتمع.
 
يعكس ذلك حجم تمسك اليمنيين بالعادات والموروث المرتبط بـ"الحناء"، ومدى عمق تأثير تلك النبتة عليهم، لأسباب كثيرة تعود إلى سنوات بعيدة، مع وجود بعض الاختلاف في استخدامها في الوقت الحالي.
 
و"الحناء" نبات يصل طولها إلى ثلاثة أمتار، ويزرع في اليمن، غالبا في لحج وحضرموت وتعز وأبين والحديدة، وعليها إقبال كبير، حيث وأنها تُزرع في اليمن في بيئة طبيعية تخلو من المواد الكيمائية بعكس باقي الدول.
 
وتعد نبتة "الحناء" من الحوليات، وتعمر حتى عشر سنوات. أكثر ما تستخدم في الزينة بين النساء، ويعتبر "النقش" من أكثر استخداماتها شيوعا، حيث تأخذ أوراقها فقط، أو مع أزهارها، وتسحق جيدا، ثم تخلط جيدا بالماء، أو بسائل آخر مناسب حسب الحاجة والرغبة، ليتكون مزيج يتم استخدامه في النقش على أجسام النساء.
 

زينة المرأة اليمنية
 
 في كثير من المناسبات، تستخدم المرأة "الحناء" في الزينة، بما يضفي عليها من رونق وجمال يجعل العديد منهنّ يتباهينّ بأشكاله المختلفة المنقوشة على أجسادهن. وتتزين النساء والفتيات بـ"الحناء" طوال العام، لكنه مرتبط أكثر بالأعياد والحفلات، بينها حفلات الولادة، وأهمها حفلات الأعراس.
 
وتقوم المُنقّشة- وهي إمرأة ماهرة متخصصة في هذه المهنة- برسم أشكال فنية مختلفة على بعض الأجزاء في جسم العروس بحسب رغبتها، ويتم إعداد مادة من النقش بطرق عديدة ليبرز لونه بالشكل المطلوب. وتختلف أشكال النقوش حسب الثقافات، فحاليا هناك النقش السوداني والهندي وغيره.
 
وتستخدم المُنقّشة أقماع حديثة مرنة مخصصة لعملية النقش. بحيث يوضع بداخل القمع مزيج الحناء، وينتهي في اسفله بفتحة صغيرة تسمح بخروج خيط رفيع من المزيج تتحكم به المنقشة في رسم الشكل المطلوب. لكن في السابق، قبل هذه الأقماع، كانت هناك أدوات أخرى تستخدم في عملية النقش؛ فإلى قبل سنوات قليلة مثلا، كانت تستخدم أنبوبة الحقن الخاصة بالإبر (الشرنقة).
 
ومن أهم مميزات النقش بـ"الحناء"، أنه يثبت في الجسم كلما ظل فترة أطول ليجف، ثم يزول من تلقاء نفسهة بعد أيام قليلة من تأدية الغرض منه.
 


وللرجال نصيب ايضا
 
ولا يقتصر استخدام "الحناء" على النساء فقط؛ ففي طقوس الاحتفال بالأعراس يسبق يوم الزفاف احتفال يسمى "ليلة الحناء"، وفيه يقوم أصدقاء وأهل العريس بالاحتفال ليلا بحضور فنان أو فرقة موسيقية، حتى وقت متأخر من الليل، يقومون خلالها بتخضيب باطن كفي العريس بخليط من "الحناء"، ثم يقبض أصابعه عليه، ويترك لبعض الوقت قبل أن يتم إزالته ليبرز لونه. وكلما طال وقت بقاء الحناء في الكف كلما كان أفضل لثبات اللون وبروزه أكثر بشكله الأحمر الداكن، الأقرب إلى اللون البُنّي.
 
وفي بعض تلك الإحتفالات يتم توزيع "الحناء" على الأصدقاء الراغبين في تخضيب أكفهم، مشاركة للعريس، كما يقوم بعضهم باللعب بتلك المادة مع أصدقائهم لخلق جو من المرح والبهجة.
 
وفي الليلة التي يحتفل بها العروسان بزفافهما، ترقص مختلف الرقصات، بينها "رقصة الشرح" على أغاني تتحدث عن الحناء، وهي جزء أيضا من زفة العروسين، من أشهرها "شفته ناقش الحناء".. ومن كلماتها:
شفته ناقش الحناء..
يابوي يا بوي من فنه..
 طاير من الجنة..
محلا نقشة الحناء..
 
 
تجميل وفوائد طبية
 
نظرا لتميز مادة "الحناء" باللون الأحمر الداكن الذي يفضله الكثيرون، يتم استخدامه في صباغة الشعر بطريقة طبيعية بعيدا عن الصبغات الكيميائية الحالية التي تسبب كثيرا من الضرر. فضلا عن أنه يستخدم أيضا في معالجة بعض مشاكل فروة الرأس.
 
وطبيا أيضا، يستخدم "الحناء" لعلاج تشققات القدم، كما يستخدم لعلاج حالات الصداع بوضعه على الجبهة، وتتخلص بعض الأمهات من حرقة القدم عن طريق وضع الحناء عليها. وهناك من يستخدمه لتضميد بعض الجروح البسيطة وتعجيل شفائها، وفي علاج بعض القروح والأمراض الجلدية كحب الشباب. كما يتم مزجه مع أوراق السدر، ومكونات أخرى، ووضعه على الجسم لإعطاءه بعض النظارة والنعومة.
 
 
 معتقدات
 
يحب الكثير من المتدينين "الحناء" كمعتقد ديني، بسبب وجود أحاديث نبوية تتحدث عن استخدامه من قبل الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) في صبغ لحيته ورأسه، لذلك فهم يستخدمونه في ذلك إقتداء بنبيهم.
 
ومن المعتقدات المتوارثة منذ القدم، المرتبطة ببعض الطقوس، لاسيما في الأعراس، مازال هناك من يعتقد أن وضع الحناء على العروسين قبل يوم الدخلة يساعد على حمياتهما من الأرواح الشريرة، ويجلب لهما الحظ. وإن كان ذلك، حاليا، لم يعد مرتبطا كثيرا بتلك المعتقدات، بل كعادات وتقاليد يجب الحفاظ عليها.
 
وهناك من يستخدم "الحناء" أثناء غسل الميت، ووضع بعض أوراقها داخل كفنه وقبره. ويرتبط ذلك بمعتقدات منها أنها كانت مع آدم عليه السلام وزوجته حواء حين أصبحا في الدنيا المليئة بالمنغصات.
 

استخدامات قديمة
 
وكما يقول الأستاذ بجامعة صنعاء- مركز الدراسات التاريخية والأثرية والتراثية– أحمد حمود المخلافي، إن هذه النبتة مشهورة في المجتمعات، وخاصة عند اليمنيين منذ القدم، حيث كانوا يستخدمونه ضمن مواد تحنيط جثث الموتى لاحتوائه على مواد تقتل الفطريات.
 
وضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، تطرق المخلافي إلى بعض أهم استخدامات اليمنيين القدماء الأخرى للحنا، منها الزينة، وطرد الأرواح الشريرة وذلك بنقش بعض الرسوم التي يعتقدون أنها تساعد على ذلك، حتى أن البعض كانوا يضعونه على الجدران.
 
وتوجد أنواع كثيرة من "الحناء"، بدرجات جودة متفاوتة، بحسب الدكتور المخلافي، الذي أكد أن العديد من مناطق اليمن تشتهر بزراعته وجودة مادته، وأشهرها الحناء الحرازي والحضرمي.
 
وحث اليمنيين على الإهتمام والترويج لهذه النبتة، التي لها أهمية خاصة في المجتمع المغربي– على سبيل المثال- حيث تتفنن النساء في نقشه على الأجساد، لافتا إلى أنه أصبح مادة مهمة في التسويق السياحي؛ حيث يقبل السواح على استخدامه بواسطة الفتيات والنساء المنقشات.
 

مصدر لكسب المال
 


تقوم بعض النساء والفتيات اللائي يملكن مهارة النقش أو الرسم، باتخاذ "نقش الحناء" مهنة لجني المال، وإعالة أسرهن. كما هو حال المنقشة ميادة محمد، التي تؤكد أن مهنتها هذه ساعدتها على إعالة أسرتها المكونة من طفلين، ووالدتها، منذ سنوات كثيرة بعد وفاة زوجها ووالدها.
 
وبحسب ميادة، ضمن حديثها لـ"يمن شباب نت"، هناك مواسم يكثر فيها الطلب على النقش، سواء بالصبغة السوداء، أو الحناء. وأهم تلك المواسم هي الأعياد والإجازات التي تكثر فيها الأعراس، وتتقاضى فيها مبالغ تصل إلى 20 ألف ريال يمني، (قرابة 23 دولار)، بحسب نوع النقش وكميته.
 
وتحاول ميادة جاهدة أن تواكب الموضة ورغبات الفتيات، حتى تستمر بالعمل، قائلة إنه من حين لآخر يكون الإقبال على نوع معين هو السائد كالنقش الهندي أو السوداني، وأحيانا رسم بعض الرموز أو كتابة بعض العبارات وغيره.
 
ونظرا للإقبال الشديد على النقش، تلجأ بعض العاملات في هذا المجال إلى البحث والحصول على ألوان مميزة تكون أكثر جاذبية للفتيات، وإن كان ذلك يتم أحيانا بإضافة مواد قد تتسبب في تهييج البشرة لدى البعض، وقد يؤدي إلى مشاكل في الجلد وآثار يصعب التخلص منها على مدى سنوات. بحسب ما أكدته منقشات محترفات، ونساء لديهن تجربة.
 
ومع ذلك، يبقى "الحناء" اليمني أحد أفضل خلطات الزينة والحسن والجمال لدى المرأة اليمنية، فنا ورائحة وأمانا، فضلا عن كونه يمثل أحد الطقوس المتوارثة التي تضفي رونقا وبهاءا في كل المناسبات الإحتفائية السعيدة.  
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر