شغل ملف أسرى الجيش وغيرهم من المحتجزين، قسريًا، لدى جماعة الحوثي، اهتمام قادة الرأي والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان في اليمن، لا سيما أن الكثير من هؤلاء الأسرى والمحتجزين، مضى على بقائهم في السجون الحوثية، قرابة ست سنوات؛ نتيجة للإدارة السيئة لهذا الملف، والتي يتخللها نزعات وأهواء مختلفة، نفعية، وحزبية، وجهوية، محلية وخارجية، ذات تأثير بارز في الاتجاهات المختلفة للحرب.
وعلى الرغم من الجهود المخلصة المبذولة في هذا الشأن، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، إلا أن نتائج ذلك لا تزال محدودة الأثر، وخطواتها تسير بطء شديد. ومن الجدير بالذكر، هنا، الإشارة إلى أن الجهد الشعبي، الذي يقوم به وسطاء محليون، كانت نتائجه أكثر إيجابية من الجهد، الذي تقوم الحكومة اليمنية، ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن.
ابتزاز وظروف احتجاز مخالفة لقوانين الحرب وحقوق الإنسان
يثير الكثير من متتبعي هذا الملف، بأن جانبًا منه تحوَّل إلى مزاد لمن يدفع أكثر للوسطاء الحوثيين، وأن هنالك ضحايا كثر ممن بذلوا الأموال الطائلة مقابل تحرير أقربائهم، لكن دون تحقُّق شيء من ذلك. وعلاوة على ذلك تعرض نحو 200 أسير ومحتجز للتعذيب المفضي إلى الوفاة، غير أن ممثلي الجماعة الحوثية في مفاوضات مونترو بـ"سويسرا"، التي عقدت في أواخر سبتمبر/ أيلول الجاري 2020، لم يعترفوا إلا بوفاة 158 شخصًا، ولا يزال الكثير من المحتجزين، قسريًا، محرومين من الاتصال بأهلهم وذويهم، أو الكشف عن مواقع احتجازهم، وقد يتفاجأ من يتابعون قضايا هؤلاء، بعرض من السلطات الحوثية، يفيد بتسليمهم ضحاياهم جثثًا هامدة، أو معاقين بمختلف أشكال الإعاقة، بدنيًا، أو نفسيًا أو بكليهما.
من أسوأ الظروف المرصودة، التي تعرض لها بعض الصحافيين، ما أفضى منها إلى الموت؛ نتيجة لسجنهم، عنوة، في مناطق محتملة لاستهداف طيران التحالف، ومن ذلك ما حدث مع الصحافيَّين عبد الله قابل، ويوسف العيزري، بمدينة ذمار، وقد عزز هذا السلوك وحشية الجماعة الحوثية، وانتهاكها للقانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، وقواعد معاملات الأسرى المستمدة من قيم الدين والأعراف القبيلة.
كيفية تدير جماعة الحوثي ملف الأسرى والمحتجزين قسريا
تمكنت جماعة الحوثي من إدارة ملف الأسرى والمحتجزين، قسريًا، بقدر كبير من المهارة أمام الحكومة اليمنية، التي يبدو موقفها التفاوضي ضعيفًا طوال سنوات التفاوض. ويبرز ذلك في التحفظ على أبرز أسرى الحرب والمحتجزين، قسريًا، الذين يمثِّلون أوراق ضغط على الحكومة وأطراف التحالف العربي، حاضرًا ومستقبلًا، مع الاستفادة من الانقسام الحاصل في صفوف الحكومة، الذي يجسِّده التمثل المتعدد الجهة للفريق الحكومي المفاوِض.
فمن جانب الأسرى والمحتجزين، قسريًا، الذين تناور بهم الجماعة الحوثية أمام مختلف أطراف الشرعية، وزير الدفاع السابق، اللواء محمود الصبيحي، واللواء ناصر منصور هادي (شقيق الرئيس الحالي، عبد ربه منصور هادي)، واللواء فيصل رجب، الذين أُسروا في مارس/ آذار 2015، خلال المواجهات المسلحة، التي دارت بمحافظة لحج، بعد أيام قليلة من تدخل التحالف العربي، ويضاف إلى هؤلاء الثلاثة، القيادي البارز في حزب التجمع اليمني للإصلاح، محمد قحطان، الذي احتجز، قسريًا، على مرحلتين، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2015. وفي نهاية كل مطاف ينهي الحوثيون أي نقاش بالرفض، حينما يجدون أن غايتهم يمكنها أن تتحقق دون التضحية بورقة الضغط، التي يمثلها هؤلاء القادة.
وفي شأن الصحافيين، والسياسيين، والحزبيين، تحتفظ جماعة الحوثي بمجموعة كبيرة من المناوئين لها من هذين الحقلين، وترفض إطلاق سراحهم؛ لما يشكلونه من قيمة وضغط على الكيانات السياسية في الحكومة الشرعية، مع اعتقاد جماعة الحوثي، وفقًا لخطاب ألقاه زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بعد السيطرة على صنعاء عام 2014، بأن الصحافيين يشكلون خطرًا أكبر على جماعته، من المقاتلين. الأمر يكشف قيمة هؤلاء والاحتفاظ بهم كورقة ضغط لم تحن الحاجة إلى استخدامها، وفي ظل وجود البدائل الأخرى في الوقت الراهن.
وقد زاد من قوة موقف جماعة الحوثي، في هذا الجانب، ما أفرزته أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2017؛ حين انتصرت الجماعة على حليفها، الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وجنت من وراء ذلك المئات من الأسرى العسكريين، وآخرين ممن اختطفوا على خلفية هذه الأحداث؛ حيث لا تزال مجموعة من أبناء وأبناء إخوة الرئيس السابق، رهن الأسر والاختطاف، إلى جانب عدد من الجنود، الذين أسروا في جبهة الساحل الغربي، التي تخضع مناطق منها لقوات العميد طارق محمد عبد الله صالح. إذ تعد هذه الجبهة ساحة مواجهات متقطعة بين الطرفين، ويقع خلالها العديد من الأسرى في الجانبين، رغم التوقيع على اتفاق ستوكهولم، بين الحكومة وجماعة الحوثي، في ديسمبر/ كانون الأول 2018.
على مستوى أطراف التحالف العربي المشاركة في الحرب اليمنية، "دعمًا للحكومة الشرعية"، خصوصًا السعودية والسودان، بوصفهما الدولتين المتبقيتين في التحالف، اللتين تشاركان بمقاتلين على خطوط المواجهة مع الحوثي، أما الإمارات فقد سحبت آخر قواتها نهاية عام 2019، دون وقوع أسرى من صفوفها بيد الحوثيين، وبات وجودها العسكري، البري، المحدود بعيدًا عن مسرح العمليات، في عدن، وسقطرى، وبلحاف (شبوة)، وحضرموت (الساحل).
صفقات تبادل مخيبة للآمال
في توقيت أثار الكثير من الجدل الإعلامي، سرَّبت جماعة الحوثي، تفاصيل محدودة حول مبادلة أحد أبناء نائب الرئيس في الحكومة المعترف بها دوليًا، هو "محسن على محسن الأحمر"، مع أحد أعمامه، اللذين خضعا للإقامة الجبرية بصنعاء، وطوال أكثر من خمس سنوات، وكان مقابلهما إطلاق سراح المرجع الديني لدى الجماعة، القيادي في حزب الحق "يحيى حسين الديلمي"، مع مرافقه الشخصي، اللذين استوقفا في نقطة الفلج الأمنية، الواقعة بالمدخل الجنوبي لمحافظة مارب، في أغسطس/ آب 2019، أثناء عودتهما من الأراضي السعودية.
مما يذكر أن "يحيى الديلمي"، يعد أحد أبرز مناصري الجماعة الحوثية، منذ إعلان تمردها على الحكومة، بصعدة، أوائل العشرية الأولى من هذا القرن؛ حيث سبق أن صدر بحقه حكمًا بالإعدام، إلا أن الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، أفرج عنه مع مدانٍ آخر يدعى محمد مفتاح، بموجب عفو رئاسي، في مايو/ أيار 2006. ويشغل الديلمي، سياسيًا، منصب الأمين العام المساعد لحزب الحق اليمني، فيما يبرز دوره الديني في الإمامة والخطابة بمسجد النهرين بصنعاء، بوصفه أحد دعاة الزيدية المتشددين.
وقد جاءت عملية الإفراج قبيل المفاوضات الرسمية الأخيرة، التي جمعت بين ممثلي الحكومة وجماعة الحوثي، في مونترو بـ"سويسرا"، التي سبق الإشارة إليها، وكانت، كما يبدو، عملية استباقية مشروطة من أحد الأطراف، إلا أن مصادر تفيد بأن العملية تمت بتوافق الطرفين، عبر واسطة قبلية، وأن جماعة الحوثي رفضت أن يكون البديل المقابل لهذين الأسيرين، اللواء محمود الصبيحي، أو اللواء ناصر منصور هادي، أو اللواء فيصل رجب، أو السياسي محمد قحطان.
وفي مفاوضات مونترو بسويسرا، توافق الطرفان، برعاية مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفت، على صفقة ظهر فيها الموقف القوي للحوثي أمام الحكومة؛ حيث توصل الجانبان إلى تبادل 1081 أسيرًا، ليشمل ذلك إطلاق سراح 15 جنديًا سعوديًا، و أربعة جنود سودانيين، على أن تقوم الحكومة الشرعية بإطلاق سراح 681 أسيرًا حوثيًا، مقابل إطلاق الحوثيين 400 أسير ومحتجز.
كشفت مجريات المفاوضات ونتائجها، أن فارق العدد فرضه ممثلو الحوثي مقابل الأسرى السعوديين والسودانيين، فضلًا عن أن الصفقة لم تتضمن أبرز القيادات العسكرية والسياسية لدى جماعة الحوثي، وربما لن تكون الحكومة الشرعية، في أي عملية تفاوضية قادمة، بأحسن حال من وضعها الراهن، ما لم تكن صاحبة الكلمة الأولى أمام الحوثي. وهنا يبرز التحدي جليًا في أن المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي)، وفقًا لاتفاق الرياض، لن يفرط في حقه في مثل هذه المفاوضات، في حال كان لدى ميليشياته أسرى حوثيين. وقد يكون الحال كذلك، مستقبلًا، بالنسبة إلى القوات المشتركة المتمركزة في الساحل الغربي، التي لا تزال قيادتها غير مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقيادة الحكومة الشرعية.
من أبرز من يمكن الإشارة إليه، في نهاية هذا التقرير، أن نائب رئيس الجمهورية، الفريق علي محسن الأحمر، تحرر كثيرًا من القيود التي كانت تكبله لخوض مواجهة حاسمة مع الحوثيين، وفقًا لما يراه البعض بشأن وضع الحوثيين عددًا من أبنائه وإخوته في قبضتهم وتقييد حركتهم، لكن ذلك في الواقع مسألة نسبية؛ لأنه متى كانت الغاية سامية، فإن ثمنها لا يقاس بغيره مهما علت قيمته؛ فهناك من القادة من ضحى بمعظم أولاده في هذه الحرب.
في اتجاه آخر، تتجلى أهمية استمرار الحرب، بالنسبة إلى أطرافها، في الحصول على الأسرى، الذين يمكن المبادلة بهم، وهو ما يعمل، بل بالتأكيد سيعمل عليه كافة الأطراف. وهنا يتجلى موقف القوات المشتركة في الساحل الغربي؛ إذ لا يزال أبناء الرئيس السابق، وإخوة العميد طارق صالح، الذي يقود جانبًا من هذه القوات، في قبضة الحوثيين، ولا مجال لإطلاق سراحهم ما لم يكن هناك معركة تدر أسرى من العيار الثقيل.
وهكذا يبدو الحال بالنسبة إلى الموقف الحكومي من كبار العسكريين والسياسيين، الذين تحتجزهم جماعة الحوثي، قسريًا، وترفض إطلاق سراحهم منذ خمس سنوات.