صنعاء يتيمة وحزينة في شهرها "المقدس".. تقرير خاص يكشف كيف عمل الحوثيون على طمس معالم ثورة 26 سبتمبر

[ في ذكرى ثورتها المقدسة (26 سبتمبر) .. بدت العاصمة صنعاء يتيمة، باكية حزينة، وكأنها تعيش خارج التاريخ والجغرافيا ]

  في الوقت الذي تبتهج فيه مأرب، وشبوة، وتعز..، ومناطق أخرى محررة بذكرى "ثورة 26 سبتمبر" المجيدة، تبدو العاصمة صنعاء- الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي- وكأنها "يتيمة"،  وعلى غير عادتها تبكي أيام سبتمبر، حين كانت أكثر المدن اليمنية ابتهاجا في مثل هذا الشهر الذي لطالما اعتبره اليمنيون شهرهم الثوري المقدس، من كل عام؟
 
واليوم، هاهي الذكرى الـ58 من ميلاد ثورة الـ26 من سبتمبر، تحل على صنعاء، فيما شوارعها وأحيائها حزينة ومعتمة، حتى بدت وكأنها تعيش حياة ما قبل ستة عقود، وقد أحكم  أحفاد الإمامة (الحوثيون) قبضتهم عليها؛ خنقوها، وأغتالوا فرحتها السبتمبرية، بعد أن عملوا على طمس معالم الثورة والجمهورية، أملا في استعادة معالم وتفاصيل عهدهم الإمامي البائد..!!


 

 محاولات وأد قداسة سبتمبر

 منذ انقلابهم على الشرعية في خريف 2014، عمل الحوثيون تدريجيا على طمس أهم المعالم والشواهد المتعلقة بثورة سبتمبر المجيدة، حتى أنهم قاموا بتغير كل مسمى له علاقة بالثورة، واستبدالها باسماء أخرى، بعد أن اختاروا يوم الـ21 من سبتمبر- يوم انقلابهم على الجمهورية في 2014- عيدا بديلا لهم، لعودة نظام الحكم الإمامي المستبد بعد قرابة ستة عقود من سقوطه.
 
فبعد أن تمكنت ميليشيا الحوثي من السيطرة على العاصمة صنعاء، شرعوا في تغيير أسماء بعض الشوارع والمدارس، وحتى القاعات الدراسية في الجامعات الحكومية والساحات والمتاحف والميادين، ذات العلاقة بثورة 26 سبتمبر، كما قاموا بتحريف المناهج الدراسية، وشطب كافة الدروس المتعلقة بالثورة واستبدالها بخرافاتهم الطائفية..!!
 
وفيما يتعلق بمراسيم الاحتفاء بثورة سبتمبر، فقد حاول الحوثيون- خلال السنوات التالية على انقلابهم على الشرعية الجمهورية- مسايرة التوجه الثوري العام في الشارع، حيث عملوا- على استحياء- على مواكبة رغبة اليمنيين المحتفليّن بيومهم المقدس (26 سبتمبر)، من خلال اتاحة بعض الأنشطة الاحتفائية البسيطة والباهتة، وأكبرها إيقاد شعلة الثورة في وسط شارع التحرير بصنعاء، بحضور يزداد بهوتا من عام إلى آخر. في حين يكرسون كل جهودهم للإحتفال بسبتمبرهم البديل (21 سبتبمر)- يوم ثورتهم المزعومة- في محاولة لترسيخه- على المدى- كبديل عن الثورة الأم لليمنيين عامة: ثورة 26 سبتمبر الكبرى..
 
  هذا العام، ومنذ منتصف سبتمبر الجاري، أقدمت ميليشيات الحوثي على منع المواطنين- في صنعاء ومناطق سيطرتهم- من رفع شعارات وملصقات ذات صلة بثورة 26 سبتمبر، كما منعت الأناشيد الوطنية وكل ما يتعلق بالثورة، ما أثار بعض الاستياء لدى المواطنين العاجزين عن مواجهة جبروت وطغيان الميليشيات الإرهابية.
 



استياء وغضب تحت الرماد

واستطلع "يمن شباب نت" أراء عدد من المواطنيين في العاصمة صنعاء، الذين أعربوا عن استيائهم من محاولات الحوثي المستميتة طمس هوية اليمنيين من خلال محاولاتهم قتل وأغتيال رمزية ثورتهم الأكبر والأهم في التاريخ..
 
 وقال "أمين الريمي"، أحد سكان العاصمة صنعاء، إنه مع اقتراب الذكرى الـ58 لثورة الـ26سبتمبر، تبدو صنعاء وكأنها خارج التاريخ والجغرافيا اليمنية، فالمدينة خالية تماما من أي شعارات أو لوحات متعلقة بعيد ثورة سبتمبر المجيدة.
 
وأضاف الريمي، في حديثه لـ"يمن شباب نت": "لاحظنا خلال السنوات الماضية أن هناك توجه حوثي للقضاء على أهداف ومكتسبات ثورة سبتمبر، وذلك من خلال طمس ومحو كل ما يتعلق بالثورة، أو يرمز لها"، مستدركا: "نحن أمام جماعة تسعى للعودة إلى باليمن إلى قرون التخلف والظلام وعودة الإمامية المستبدة والبائدة".
 
 ومع ذلك، يعتقد المواطن الريمي أنه "مهما حاول الحوثيون طمس معالم ثورة سبتمبر المجيدة، وذلك من خلال محاولات استبادلها بثورتهم المزعومة، وإجبار المواطنين للخروج والاحتفاء بذلك اليوم المشئوم، إلا أن ثورة السادس والعشرين ستبقى مضيئة في قلوبنا، وسوف نعلم أبنائنا حبها وتمجيدها إلى يوم الدين، كما فعل أجدادنا وأبائنا ذلك..".
 
وفي هذا الجانب، أعرب عدد من المواطنيين في العاصمة صنعاء، عن سعادتهم وأمتنانهم لوجود مناطق محررة تعمل على إبقاء ثورة الـ26 من سبتمبر حيّة في قلوب اليمنيين، خصوصا الأجيال الحديثة، من خلال تمجيد الاحتفاء بذكراها كل عام، وبفعاليات متنوعة، قوية ومؤثرة، من شأنها أن تبقي أهداف هذه الثورة عظيمة وخالدة..
 
للمزيد.. أقرأ:

[
إيقاد شعلة سبتمبر بالجوف وصنعاء.. قادة الجيش يؤكدون المضي قدما حتى تطهير اليمن من أذناب الإمامة]


[ تعز: إيقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر وسط حضور جماهيري كبير]

[مأرب: الجيش والسلطة المحلية يحييان حفل إيقاد الشعلة احتفاءً بذكرى ثورة 26 سبتمبر]


 


وسائل إعادة الإمامة

وحذر الكاتب والباحث اليمني، الدكتور عادل دشيلة، من أن "أخطر ما يقوم به الحوثيون اليوم، هو محاولة جرف الهوية الثقافية للشعب اليمني، ومحاولة القضاء على الدولة الوطنية، واستبدالها بمشروع الإمامة".
 
وفي هذا السياق، أوضح لـ"يمن شباب نت" أن الحوثيين يسعون بكل الطرق والوسائل إلى "نشر الهوية الثقافية الإمامية، القائمة على اختزال السلطة في أسرة محددة، حيث عملوا على طمس كل ما له علاقة بثورة سبتمبر؛ كتغيير أسماء بعض الشوارع مثل شارع الزبيري، وأماكن أخرى في العاصمة صنعاء".
 
 وأضاف: كما أن ميليشيا الحوثي قامت بمحاولة تغيير المناهج بما يتناسب مع الفكر السياسي لها، بالإضافة إلى مصادرة الحقوق والحريات وإغلاق وسائل الإعلام وغيرها..، وذلك في إطار المحاولات الحوثية لطمس كل ما له علاقة بالثورة اليمنية "سبتمبر"..
 
ولأول مرة في تاريخ البلاد الحديث- منذ أسقطت ثورة سبتمبر المجيدة حكم الإمامة الملكي، وأقامت على أنقاضة الجمهورية عام 1962- تشهد اليمن إعادة رموز الإمامة الكهنوتية البائدة إلى الواجهة، من خلال بيع صورهم في أسواق وشوارع العاصمة صنعاء..
 
ففي مطلع أبريل من العام الحالي، أقدمت ميليشيا الحوثي الانقلابية على نشر صورا لأئمتهم البائدين في العديد من الأسواق، عبر الباعة وأصحاب البسطات، في خطوة تكشف مساعي ميليشيات الحوثي الإمامية لإعادة مشروع حكم الإمامة، الذي ثار عليه اليمنيون في العام 1962، وقدموا في سبيل ذلك تضحيات ثمينة.
 

[للمزيد.. أقرأ: بعد عقود من ثورة 26 سبتمبر.. الحوثيون ينشرون صور الأئمة في أسواق صنعاء]

 



مشاريع "جرف الهوية"

خلال السنوات الماضية، أيضا، كثفت ميليشيا الحوثي من إقامة الاحتفالات والمهرجانات في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرتها تحت مسميات عديدة تعد دخيلة على المجتمع اليمني، أبرزها: "يوم الولاية"، و"الغدير"، وغيرها من المناسبات ذات الصلة بالهوية "الشيعية". وهي مناسبات يسعون من خلالها إلى تأكيد أحقيتهم بالحكم دون غيرهم، كما كان يفعل الأئمة المستبدين قبل قيام ثورة 26 سبتمبر.
 
وتحت مسمى "الهوية الإيمانية"، دشنت ميليشيا الحوثي، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، مشروعها الطائفي الأحدث، وذلك تهميدا لجرف الهوية الثقافية اليمنية. وهو المشروع الذي سعت من خلاله الميليشيات إلى نشر أفكارها الطائفية بين أوساط المجتمع؛ حيث فرض الحوثيون على كافة المؤسسات والمرافق إقامة الندوات والفعاليات بشكل إجباري..
 
وبحسب مراقبين، فإن ذلك يأتي في إطار محاولاتهم الساعية إلى جرف الهوية الوطنية والثقافية للجمهورية، واستبدالها بمشروع الإمامة.
 

ثورة سبتمبر.. العدو الأول

 ويعتبر الحوثيون ثورة 26 سبتمبر عدوهم الرئيسي الأول، لأنها قضت على حكم الإمامة، التي يعتبرون إمتدادا لها ويسعون إلى استعادتها؛ لذلك يواصلون مساعيهم الحثيثة لجرف الهوية الثقافية اليمنية الراسخة، مستخدمين كافة الوسائل الترغيبية والترهيبية في محاولات طمس وتغيير جميع المعالم الرمزية المتعلقة بالثورة والجمهورية.
 
وبناء على ذلك، تحاول قيادات حوثية- بين الحين والأخر- الطعن في رمزية وعظمة ثورة سبتمبر، من خلال مهاجمتها وشيطنتها وتجريمها..
 
وفي هذا السياق، مثلا؛ أعتبر القيادي الحوثي "حسين العزي"، في تغريدة له مؤخرا، أن ثورة سبتمبر قد "دُفنت"، كونها- حسب زعمه "رهنت قرارها للخارج". وفي محاولة بائسة لإجتثاثها من الذهنية اليمنية، واستبدالها بثورتهم المزعومة، أضاف- في تغريدته التي لاقت استياء واسعا: "لا توجد ثورة في اليمن حافظت على قرارها وصانت يمنيتها إلى حد الآن سوى ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر"، في إشارة إلى انقلابهم ضد الجمهورية الشرعية.
 
 


وتأتي تغريدة القيادي الحوثي، تلك، لتعكس بكل وضوح هذا التوجه الحوثي إزاء هذه الثورة اليمنية العظيمة، ومدى حقدهم عليها، ومساعيهم الحثيثة لطمر رمزيتها التاريخية الكبيرة في قلوب اليمنيين الوطنيين، الذين ما زالوا- مع كل تلك المحاولات- يشكلون النسبة الأكبر في البلاد..


سبتمبر بين "الثورة" و"النكبة"

 فبعد ست سنوات من الانقلاب، مازال اليمنيون يعتبرون يوم الـ21 من سبتمبر 2014- الذي اجتاحت فيه ميلشيات الحوثي العاصمة صنعاء- يوما مشؤما، ويطلق معظم اليمنيين عليه "يوم النكبة"، لما لحقه من حرب طاحنة أكلت الأخضر واليابس؛ وما أفضى إليه من قمع وتسلط وطغيان للميليشيات الحوثية الانقلابية في مناطق سيطرتها، فضلا عن ما أعترى حياتهم من قتامة وبؤس وفقر ومرض، وكل ما من شأنه التذكير بمعالم العهد الإمامي الاستبدادي البائد..
 
 وقد ضاعفت سنوات الحرب والانقلاب، من معاناة اليمنيين نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشة، وبحسب تقارير الأمم المتحدة أصبح 85 في المئة من المواطنيين بحاجة إلى مساعدات إنسانية، في حين انقطعت رواتب معظم الموظفيين في مناطق سيطرة الميليشيات منذ أربع سنوات تقريبا، مع انعدام فرص العمل في ظل ارتفاعات غير مسبوقة لأسعار السلع والخدمات..
 
وفي خضم كل تلك المعاناة، لم يسلم المواطنين أيضا من التضييق المستمر في أرزاقهم وحرياتهم وأمنهم من قبل الحوثيين، الذين ظلوا- وما زالوا- يركزون أكثر على فرض أولوياتهم الطائفية كسلوك إجباري على المقيميين في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم..!!
 


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر