اعتبر "إريك شميث"، المتخصص بتغطية قضايا الإرهاب لدى صحيفة نيويورك تايمز الامريكية، أن مقتــل قاسم الريمي، زعــيم تنظيم القاعدة في اليمن "جزء من سلسلة من النكسات التي أضرت بقدرة التنظيــم على تنفيذ عمليات ضد الغرب".
وبدأ شميث- في مقدمة تقريره المطول، الذي نشر مؤخرا في النيويورك تايمز- بالحديث عن الخطورة الكبيرة التي كان فرع تنظيم القاعدة في اليمن يتمتع بها على مدى عقد من الزمان، بإعتباره واحدا من أخطر التنظيمات الإرهابية على هذا الكوكب. حيث أمضى سنوات في ابتكار متفجرات يصعب اكتشافها، بما في ذلك محاولة إخفاء المتفجرات في أجهزة مثل الهواتف المحمولة. وقد حاول ثلاث مرات على الأقل تفجير طائرات أمريكية، دون أن يحالفه الحظ.
وعليه، فقد أعتبر الكاتب- وفقا لخبراء مكافحة الإرهاب الأمريكيون والأوروبيون-: أن إعلان البيت الأبيض عن مقتل زعيم التنظيم، قاسم الريمي "كان بمثابة المسمار الأخير في سلسلة الانتكاسات التي تعرض لها التنظيم على مدار السنوات القليلة الماضية، وافقدته القدرة على تنظيم أو تنفيذ عمليات ضد الغرب".
وتطرق الكاتب إلى بعض الأسباب التي أدت إلى إضعاف قدرات التنظيم الإرهابي الأخطر على مستوى العالم، الذي كانت أخبار عملياته الجهادية الكبيرة في السابق تفوق حضور تنظيم الدولة الأسلامية في وسائل الإعلام.
وتأتي على رأس تلك الأسباب، الغارات الأمريكية المكثفة بطائرات بدون طيار في اليمن خلال السنوات الأخيرة والتي أسفرت عن مقتل أثنين من قادة الجماعة المتعاقبين بالإضافة إلى إبراهيم حسن عسيري، الشهير بصانعة المتفجرات الخاصة بالتنظيم. وأيضا الاشتباكات مع منافسهم تنظيم الدولة الإسلامية، ومع مقاتلي المتمردين الحوثيين في اليمن.
واستشهد الكاتب بما قاله السفير البريطاني السابق في اليمن، إدموند فيتون براون، الذي أصبح الآن مسؤولاً رفيع المستوى في مكافحة الإرهاب لدى الأمم المتحدة، حيث قال أمام جمهور من الخبراء في واشنطن الأسبوع الماضي: "إن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لم يعد ذلك الوحش الذي كان عليه من قبل".
ويشير الكاتب إلى أنه في الوقت الذي يترنح فيه فرع التنظيم الإرهابي في اليمن من هذه الضربات القاضية، إلا أن الفروع الاخرى التابعة للقاعدة في جميع أنحاء العالم تتجه نحو البروز.
وأضاف: فحركة الشباب، وهي جماعة إرهابية من شرق إفريقيا مرتبطة بتنظيم القاعدة، كثفت هجماتها في الصومال في السنوات الأخيرة، مما أثار وتيرة متزايدة من الهجمات الصاروخية الأمريكية. وقد هاجمت المجموعة الشهر الماضي قاعدة عسكرية كينية تضم قوات تابعة للولايات المتحدة، وتمكنت من قتـل ثلاثة أمريكيين.
وفي السياق أيضا، يشير الكاتب إلى القلق المتزايد الذي أعرب عنه مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيون من إحدى الفروع التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، يطلق على نفسه إسم "حراس الدين"، والذي يقولون إنه يخطط لشن هجمات ضد الغرب من خلال استغلال الوضع الأمني ??الفوضوي في شمال غرب البلاد والحماية التي توفرها دون قصد الدفاعات الجوية الروسية التي تحمي الحكومة السورية والقوات المتحالفة مع موسكو.
وبالعودة مجددا إلى اليمن، يلفت الكاتب إلى أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، كان قد شكل إزعاجا للرئيس ترامب منذ أيامه الأولى في منصبه في عام 2017، عندما أجاز الرئيس الهجوم المشؤوم على مخبأ الريمي في اليمن، والذي أسفر عن مقتل ضابط الصف وليام أوينز، أحد الأعضاء الستة من فريق النخبة البحرية الامريكية.
وأضاف: وعلى الرغم من إضعاف المجموعة، إلا أن مسؤولي الاستخبارات ومكافحة الإرهاب يحذرون من أن التنظيم لا يزال خطيراً. فالأسبوع الماضي إدّعت الجماعة في تسجيل صوتي للريمي- تم إعداده قبل مقتله- أنها هي التي وجهت ضابطاً عسكريا سعوديا بتنفيذ عملية إطلاق النار على قاعدة عسكرية أمريكية في فلوريدا في ديسمبر/ كانون الأول، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة من ضباط البحرية وجرح ثمانية اشخاص.
وقال إن التنظيــم لم يقدم أي دليل على أنه من درب المسلح، الملازم الثاني محمد سعيد الشمراني، لكنه عرض نسخة من وصيته بالإضافة إلى مراسلات تشير إلى أنه كان على اتصال بالقاعدة. الأمر الذي جعل إدعاءات التنظيم معقولة، بحسب الخبراء.
وأشار الكاتب إلى ما قاله نائب مدير الــ FBI، ديفيد بوديتش، الشهر الماضي في مؤتمر صحفي: إنه على الرغم من أن الملازم الشمراني لا يبدو أنه مدفوع من قبل مجموعة إرهابية معينة، الا أن تعليقاته على وسائل التواصل الاجتماعي شبيهة بتعليقات أنور العولقي، رجل الدين اليمني الأمريكي المتطرف وزعيم القاعدة في الجزيرة العربية الذي قتل في غارة بطائرة بدون طيار في عام 2011.
ونقل عن المدير السابق للمركز القومي لمكافحة الإرهاب نيكولاس ج. راسموسن، اعتقاده بأن "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لايــزال يشكل مصدر قلق كبير"، مرجعا ذلك "جزئيًا، إلى أن التنظيم كان يركز على الطيران كهدف، ومن غير المحتمل أن يكون نوع الخبرة في صنع المتفجـرات التي طورها التنظيم مقتصراً على عدد قليل من أفراد التنظيم بعينهم".
وقال السيد راسموسن، الذي يشغل الآن منصب المدير التنفيذي بالإنابة بمعهد أبحاث ماكين للقيادة الدولية "بــالطبع ..فهذا النوع من المعرفة والخبرات قابل للمشاركة وقابل للانتقـال- ليس فقط داخل القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بل يتعدى ذلك إلى الجماعات الإرهابية الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة وغيرها من الإرهابيين ذوي التفكير المماثل".
وبحسب بيل روجيو، محرر صحيفة الحرب الطويلة (The Long War Journal)، وهو موقع إلكتروني تديره مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التي تتتبع الضربات العسكرية ضد الجماعات المسلحة، فأن "ما تمت ملاحظته من قبل، هو أن القاعدة في جزيرة العرب كانت فقط تزدهر من خلال المرونة والصبر والتمســك بقضيتها".
ومع ذلك، يؤكد كاتب التقرير، أن الفـرع التابع للتنظيم الإرهابي باليمن عانى من عدة ضربات كبيرة في السنوات الأخيرة. حـيث قتل ناصر الوحيشي- أول أمير في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب- في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في عام 2015. وهو الذي كان يعتبر على نطاق واسع أنه الخليفة المحتمل لأيمن الظواهري، القائد العام لتنظيم القاعدة.
وأشار إلى أن بيان الرئيس ترامب، الأسبوع الماضي، الذي أكد فيه مقتل الريمي، لم يقدم سوى القليل من التفاصيل، لكن صحيفة التايمز ذكرت أن سي. آي. إيه هي من نفذت الغارة الجوية في أواخر يناير باستخدام طائرات بدون طيار موجهة عن بعد، بعد شهور من تعقبه.
ويحسب التقرير، يقول المحللون إن هنالك العديد من الجهاديين المتشددين الذي سيخلفون الريمي كزعماء مستقبليين للتنظيــم.
ويرى الكاتب أن مدى نجاح الولايات المتحدة ضد القاعدة في جزيرة العرب، يتضح من عدد الضربات العسكرية الأمريكية للطائرات بدون طيار في اليمن، والتي انخفضت إلى ثمان في العام الماضي من 125 في عام 2017، وفقًا للإحصاءات التي جمعتها منظمة السيد روجيو.
كما قال مسؤولون إن الغارات أسفرت عن عدد أقل من الأهداف ذات الأولوية العالية، ودفعت العديد من القادة الناجين إلى العمل بسريـة كبيرة من تحت الارض.
وقال كولين كلارك، الزميل البارز في مركز صوفان، وهو مركز أبحاث مقره نيويورك: "لقد فشل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في الاستفادة من الاضطرابات في اليمن لتجنيد المزيد من الأعضاء وتوسيع نطاقه".
وأضــاف: "بينما حقق التنظيم بالفعل بعض التقدم مع بعض القبائل السنية ،إلا أنه ركز خلال السنوات القليلة الماضية بشكل أكبر على البقاء وبدرجة أقل على النمو والتخطيط لشن هجمات خارجية".
ونقل الكاتب عن محلليين قولهم: إنه بصرف النظر عن الهجمات الإرهابية عالية المستوى ضد الغرب، التي أشتهر التنظيم بها، والتي شيدت علامته التجارية جزئياً حولها، فإن سمعت التنظيــم قد تدهورت، ويبدو أنه أصبح أكثر عزلة.
وفي هذا السياق، أورد ما قالته اليزابيث كيندال، الباحثة المتخصصة في الشأن اليمني لدى جامعة أكسفورد والتي زارت اليمــن في أكتوبر/ تشرين الأول، من أن تنظيم القاعدة في اليمن "قد تم إنهاكه بفعل ضربات الطائرات بدون طيار، وتسلل الجواسيس داخل صفوفه، وتفتته الـناجم عن الاقتتال الداخلي، كما تم شل تحركاته شبه كلياً بسبب إغلاق شبكات اتصالاته".
ومع ذلك إلا أنها حذرت من "أن النواة الصعبة للتنظيم ستبقى دائمًا"، مضيفة: "وكلما استمرت اليمن في الانهيار في ظل تجدد تصعيد الأعمال القتالية في الآونة الأخيرة، كلما وجدت القاعدة في شبه الجزيرة العربية البقاء على قيد الحياة أسهل، وبالتالي ربما ستزدهر من جديد".
- للوصول إلى النسخة الأصلية من التقرير أضغط هنا