دائما ما نسمع وصف: محافظة الحديدة الساحلية، وميناء عدن، وشواطئ المهرة، وسواحل حضرموت، وساحل أبين؛ لكننا قلما نسمع أن يُقال: محافظة تعز الساحلية!! بالرغم من أن تعز تمتلك شريطا ساحليا، يمتد من مديرية "ذو باب" جنوبا- وفيها يقع باب المندب- إلى مدينة الخوخة شمالا، ويبلغ طوله أكثر من 150 كيلو متر؛ بل يعتبر أهم جزء من الشريط الساحلي للجمهورية اليمنية، وذلك لإشرافه على مضيق باب المندب- أهم الممرات المائية في العالم..
وبالقرب منه تقع "جزيرة ميون"، وهي أقرب نقطة- من جهة اليمن- تربط بين ضفتي البحر الأحمر، وأقرب مسافة يمكن أن تربط قارتي أسيا وأفريقيا من الجهة الجنوبية الغربية لليمن ولشبه الجزيرة العربية، وتبلغ مساحتها 13 كيلومتر مربع. وكان المستعمر البريطاني يستخدمها كمحطة لتكرير النفط؛ وجدت مردومة ومرصوفة ومهملة بعيداً عن تدخل البشر.. وهي بحاجة لأن يُروى عنها ألف قصة وقصة استثمار.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك ميناء المخأ- أو (ميناء البن قديماً)؛ وهي من أقدم موانئ البحر الأحمر وأشهرها على الاطلاق؛ وتعتبر النقطة الساحلية الأهم على ذلك الشريط الساحلي، وترتبط بمدينة تعز عبر طريق بري يمتد على طول 100 كيلو متر.
الأهمية الاستراتيجية
وتحكي المرويات التاريخية الموثَّقَة، فصولا كثيرة عن ميناء المخأ وأهميتها الاستراتيجية والتجارية. الأمر الذي جعل مدينة المَخَا الساحلية- التابعة إداريا لمحافظة تعز- عرضة لحملات عسكرية من قبل الطامعين في اليمن، من بينها، وأهمها حملات البرتغاليين في أوائل القرن العاشر الهجري؛ كما كانت عرضة للتنافس العثماني- البريطاني على المنطقة.
وبسبب تلك الحملات والتنافسات الدولية، تعرضت هذه المدينة الساحلية الهامة للتدمير أكثر من مرة؛ كما حدث في الحرب العثمانية – الإيطالية عام 1911م؛ وفي الحرب العالمية الأولى عام 1915، من البريطانيين في حربهم ضد العثمانيين. حيث طال الدمار قلاعها وقصورها التاريخية الفخمة والمساجد الأثرية والمتاجر الكبيرة التي كانت تشتهر فيها قديما، كما دمر مينائها القديم.
معالم ومصانع في مدينة المخأ تعود للاوروبين مطلع القرن السابع عشر الميلادي- أوليفيردابير- 1680م
وفي القرن السابع عشر الميلادي، بلغت ميناء المخأ ذروة ازدهارها وشهرتها، عندما كان العثمانيون يستخدمونها كميناء رئيس لإمداد جميع المناطق في وسط وشمال اليمن بمختلف السلع. كما أنها كانت محطة تتزود فيها جميع البواخر والسفن العالمية المحملة بالضائع، حيث تبعد عن الممر الدولي ستة كيلومترات فقط. وتصل المساحة الإجمالية الحالية للميناء 466.350 متر مربع، وتمتد إلى جهة البحر قرابة 50 مترا، وفيها رصيفين بطول 430 متر وعرض 35 متر، واربعة مستودعات لتخزين البضائع.
ويبلغ طول القناة الملاحية 2 كيلو متر من منطقة الانتظار، وعرض 110 متر، وعمق من 7.2 – 7.8 متر، مؤدية إلى حوض الاستدارة بقطر 420 متر.
تغييب أهم 150 كيلومتر ساحلي
هذا الجزء المهم من الشريط الساحلي لليمن، ظل: إما "محتلاً"، أو "مُغيّبا" عن أذهان وواقع اليمنيين لعوامل كثيرة؛ منها ما كان بفعل فاعل، مع سبق الاصرار والترصد. ففي كنف الدولة اليمنية، استمر لعشرات السنين كمنطقة عسكرية مغلقة، تحت حكم وسيطرة معسكر "خالد بن الوليد"- (الذي أخذ مساحة كبيرة جدا من مدينة المخأ، ليكون في شمال اليمن- قبل الوحدة اليمنية (1990)- بمثابة القاعدة العسكرية المقابلة والموازية لقاعدة "العند" العسكرية في جنوب اليمن، والتي توصف أنها أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، من حيث المساحة).
لذلك، أيضا، ظل هذا الجزء معزولا تماماً عن أرض الواقع، لعدم ربطه بشبكة طرقات فرعية مع مدينة تعز، ليتم الاستعاضة ببعض الطرقات الجبلية الوعرة المهجورة، مخصصة لتهريب الأسلحة وكل الممنوعات، حتى تم- بعد الوحدة- افتتاح الخط الساحلي الأسفلتي الممتد من محافظة الحديدة، مروراً بسواحل تعز، وانتهاء بمحافظة عدن.
هكذا ظل 150 كليو متر ساحلي، هو بوابة الجزيرة العربية في اليمن؛ مؤمنا، أو بالأصح "مؤمما" من قبل الضابط علي عبد الله صالح، خلال توليه قيادة معسكر خالد بن الوليد، والذي كان بمثابة المكافأة التي أوصلته إلى رئاسة الجمهورية العربية اليمنية، ليعمل طيلة فترة حكمه على مواصلة تغييب هذا الجزء المهم من سواحل اليمن، مستخدما كل وسائل الصد والتهديد والوعيد لمن يفكر في استثمار ميناء المخا، كأهم نقطة فيه..
هذا ما قاله لي أحد رجالات وتجار المدينة القدماء. فكل المحرمات، والممنوعات، كانت تدخل من هذا الجزء المهم، كما أُريد له أن يكون شريطا ساحليا لرجال العصابات والمافيا والأفيون، لا أن يكون قبلة لرجال الأعمال، والاستثمار، ومحطة تزوّيد للبواخر والسفن التجارية، كما كان في عهد العثمانيين الذين استغلوه كمورد اقتصادي هام.
150 كيلو متر ساحلي، يعني لليمن والعالم الكثير؛ من يضع يده عليه، فقد وجد مفتاح الحل والازدهار وأكسير سعادة اليمن السعيد، إذا صدقت النيات، ووجدت عزائم الرجال الوطنيين الشرفاء، وكان انتشال الوطن هو الهدف.
ولأن هذا الشريط الساحلي الهام، ما يزال معطلا، خارج سيادة سلطات الدولة الشرعية، فإنه يجب أن يكون قضية اليمنيين جميعا؛ بمجتمعهم المدني؛ وكل أحزابهم؛ ورجال الاعمال؛ وكل المهتمين والناشطين؛ ومحبي اليمن- بشكل عام..؛ حتى يعود هذا الشريط الساحلي إلى الحكومة اليمنية، والسلطات المحلية بمحافظة تعز، ويتم تبني ربطه- من قبل الحكومة- بشبكة طرقات حديثه وواسعة لتسهيل وصول الناس إليه، مع إحداث تنمية في البنية التحتية لأهم المناطق فيه؛ من بناء للمدارس وتشييد للوحدات الصحية وتأهيل وتطوير مشاريع الكهرباء والمياه،...؛
ولا أعتقد أن هناك من لا يدرك يقينا، أن إنعاش الحياة في هذا الجزء الساحلي الهام، سيلعب دوراً هاماً في اقتصاد البلد، بما يتمتع به من موقع استراتيجي وميزات جاذبة للاستثمار، سواء من رأس المال المحلي أو الأجنبي.
* محلل مالي وأقتصادي