أفاد تقرير حديث صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأن الصراع في اليمن تسبب في تراجع التنمية البشرية بمقدار عشرين عاما، وخلف عواقب مدمرة منها مصرع حوالي 250 ألف شخص، سواء بسبب العنف بشكل مباشر، أم لانعدام الرعاية الصحية وشح الغذاء.
ويقول التقرير الذي أطلقه البرنامج الإنمائي، يوم الثلاثاء 23 أبريل/ نيسان الجاري، أن الصراع المستمر في اليمن أدى إلى تراجع التنمية البشرية بواقع 21 عامًا، في الوقت الراهن. فيما حذر من الآثار المتزايدة المتنامية للصراع على التنمية البشرية.
وتوقعت الدراسة أنه إذا انتهت الحرب في عام 2022، فستكون مكاسب التنمية قد تراجعت لمدة 26 عامًا- أي بعمر جيل تقريبًا. أما إذا استمرت الحرب حتى عام 2030، فستزيد هذه الانتكاسة إلى أربعة عقود.
ويستند ملخص تقرير الأمم المتحدة إلى دراسة رئيسية بحثية مطولة تقع في 68 صفحة (بي دي إف)، حصل "يمن شباب نت" على نسخة منها ما تزال باللغة الإنجليزية. حيث كلف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في اليمن، باحثين من مركز فريدريك س. باردي لأجيال المستقبل العالمية، وكلية جوزيف كوربل للدراسات الدولية، وجامعة دنفر، لإنجاز هذه الدراسة، التي بدأ العمل عليها مع نهاية العام 2018، لتصدر مؤخرا تحت عنوان "تقييم تأثير الحرب على التنمية في اليمن"، وتناولت بالبحث انعكاسات الصراع في اليمن على مسار تحقيق أولويات التنمية التي اعتمدتها الدول الأعضاء في خطة 2030 للتنمية المستدامة.
وتقارن الدراسة بين ثلاثة سيناريوهات محتملة لنهاية الصراع في اليمن خلال أعوام: 2019 أو 2022 أو 2030، بالإضافة إلى سيناريو رابع مضاد، يقوم على فرضية عدم احتدام الصراع بعد عام 2014.
واستنادًا إلى هذه السيناريوهات، تحاول الدراسة تحديد تأثير الصراع على أبعاد متعددة للتنمية، بما في ذلك التوقعات الديموغرافية والظروف الاقتصادية والبنية التحتية والصحة والتعليم.
وفي السيناريو الأول، تتوقع الدراسة أنه إذا ما انتهى الصراع خلال عام 2019، فإن التنمية تكون قد تراجعت 21 عاما، حيث سيبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية حوالي 88.8 مليار دولار. ويعني ذلك انخفاضا قدره 2,000 دولار (تعادل القوة الشرائية) في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي.
أما إذا ما انتهت الحرب عام 2022، في السيناريو الثاني، فسيبلغ معدل التراجع في مكاسب التنمية حوالي 26 عاما، أي ما يقارب جيلا بأكمله، وسيبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية حوالي 181 مليار دولار، ما يعني انخفاضا قدره 2,600 دولار في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي.
وفي السيناريو الثالث والأخير، أي إذا ما استمرت الحرب حتى عام 2030، فسيتزايد معدل النكوص والانتكاسة إلى أربعة عقود- أي بعمر جيل ونصف تقريبا. حيث ستكون الأثار المترتبة عن هذا السيناريو، وفقا لما تتوقعه الدراسة: أن يعيش 71% من السكان في فقر مدقع؛ فيما سيعاني 84% منهم من سوء التغذية؛ وسيبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية حوالي 657 مليار دولار، أي فقدان 4,600 دولار (تعادل القوة الشرائية) من نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي.
وستكون الوفيات غير المباشرة، الناجمة عن عدم القدرة على شراء، أو الحصول على، الغذاء والرعاية الصحية وخدمات البنية التحتية، أكبر بخمسة أضعاف من الوفيات المباشرة. وفقا للدراسة، التي تؤكد على "أن الآثار الطويلة الأجل للنزاع شاسعة وتضعه بين أكثر النزاعات دمارا منذ نهاية الحرب الباردة".
وتذكر الدراسة، أن المزيد من تدهور الوضع "سيزيد بشكل كبير من المعاناة الإنسانية الطويلة الأمد، ويؤخر التنمية البشرية في اليمن، ويمكن أن يزيد من تدهور الاستقرار الإقليمي".
ويخلص التقرير إلى أنه على المدى البعيد "ستكون لهذا الصراع آثار سلبية واسعة النطاق تجعله من بين أكثر النزاعات تدميرا منذ نهاية الحرب الباردة".
وتطرقت الدراسة إلى الضغوط التي عانى منها اليمن قبل اندلاع الصراع عام 2015، حيث كان ترتيبه 153 بين دول العالم على مؤشر التنمية البشرية. وأشارت التوقعات إلى أن اليمن لم يكن ليحقق أيا من أهـداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وفق ما اتفق عليه قادة العالم، حتى لو لم يندلع الصراع.
ومع نشوب الصراع "لم تتعطل التنمية البشرية في اليمن فحسب، لكنها تراجعت بالفعل سنوات إلى الوراء"، كما أكد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن أوك لوتسما، الذي قال: "حتى لو تحقق السلام غدا، فقد يستغرق الأمر عقودا كي يعود اليمن إلى مستويات التنمية التي كانت قبل نشوب الصراع. وهذه خسارة كبيرة للشعب اليمني."
وبحسب ما ورد في تصدير الدراسة، فإنها تهدف إلى تعريف أطراف النزاع بعواقب الصراع على التنمية، على المدين المتوسط والطويل، حيث إن الانتعاش إلى مستويات ما قبل الصراع سوف يتطلب جيلين إلى ثلاثة أجيال.
وفي الوقت نفسه، تهدف الدراسة إلى إعلام عامة الناس، بما في ذلك المجتمع الدولي، بمستوى الدمار الذي تسبب به النزاع في اليمن، وتطلب من الذين لديهم تأثير على أي طرف من أطراف النزاع، الدفع بشكل عاجل نحو اتفاق سلام مستدام ووقف مزيد من التصعيد. حيث وأن الوضع خطير للغاية فعلا. وإذا أزداد تدهوره أكثر، فمن المؤكد أنه سيعمل على إطالة أمد المعاناة الإنسانية، ويبطئ من عودة التنمية البشرية في اليمن، وقد تزيد من تدهور الاستقرار الإقليمي.