تداعيات كثيرة، قد تشهدها الساحة السودانية، بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير، في أبريل/ نيسان الجاري 2019، لكن ما يهتم به هذا المقال، واحدة من هذه التداعيات، وهي مسألة استمرار مشاركة القوات السودانية، ضمن قوات ما يسمّى "التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن"، بقيادة السعودية ومعها الإمارات؛ حيث تشارك السودان بقوام ستة آلاف مقاتل، ضمن أربعة ألوية عسكرية، تتنوع في التخصص، والمهام، والتموضع الجغرافي.
فمن الطبيعي أن تستدعي القيادة السودانية الجديدة، أي قوات لها خارج أراضيها؛ نتيجة لما تمر به البلاد من تحول حرج، وضرورة يستدعيها الأمن القومي السوداني، الذي لا يُسمح فيه للمتغير العسكري، كقاعدة، أن يطرأ عليه أي خلل، لا سيما في الظروف الراهنة، وهو ما يذكرنا، كذلك، بانسحاب القوات المصرية من اليمن، بعد نكسة حزيران/ يونيو 1967، وما أحدثه ذلك من تداعيات على سير الحرب، التي كانت فيه هذه القوات تحارب إلى جانب قوات الجمهوريين.
لقد خاضت القوات السودانية معارك شرسة، في مناطق من جنوب اليمن، وعلى امتداد الساحل الغربي، على البحر الأحمر، وفي الحدود الجنوبية المشتركة بين اليمن والسعودية. ولا تزال كذلك، خصوصاً في جبهات الحدود، التي تتعرض أغلب المناطق السعودية فيها، لهجمات الحوثيين، بالصواريخ، والطائرات المسيّرة، وعمليات الإغارة البرية، التي أودت بحياة المئات من الجنود السودانيين، فضلاً عن قتل مئات منهم في المعارك، التي دارت في جبهات داخلية يمنية، مثل: باب المندب، والمخاء، وحيس، وميدي، وحرض.
إن ستة آلاف مقاتل ليس رقماً هيناً يمكن الاستغناء عنه في الظرف الحالي، مع ما اكتسبوه من مهارة وخبرة في التعامل مع الشدائد خلال أربع سنوات. ولا شك أن القيادة السودانية الجديدة قد تعمل على عودتهم سريعاً، إذا ما تزايدت الاضطرابات سوءا في البلاد، وعلاوة على تململ هذه القوات من تأخر مرتباتها، التي تتكفل السعودية بدفعها، والتي مثلت قبل، بضعة أشهر، سبباً لإعلان الحكومة السودانية عن عزمها تقييم مشاركة هذه القوات؛ الأمر الذي أثار قلق السعودية، لما يشكله ذلك من حدوث فجوة في جبهاتها الجنوبية، التي تعاني، في الأساس، ضعفاً شديداً، وتتلقى على نحو مستمر، ضرباتٍ حوثية موجعة.
السؤال الذي سيثار، فيما لو قرر السودان سحب هذه القوات: هل تستطيع السعودية جَسْر الفجوة الناشئة عن ذلك، بالنظر إلى الدور القتالي، الذي تضطلع به هذه القوات، في الحد الجنوبي السعودي، وفي مناطق يمنية حدودية، مثل صعدة وحجة؟
الحقيقة أن السعودية لا يمكنها جسر هذه الفجوة بسهولة، وعلى وجه السرعة؛ فلو كان لدى السعودية ما يكفي من القوات، لما استدعى الأمر وجود قوات سودانية بهذا العدد، ناهيك عن الخسائر، التي مني بها الجيش السعودي خلال السنوات الأربع الماضية، مما استدعى تحريك عدد من الوحدات العسكرية المرابطة في شمال وغرب البلاد.
الخيارات المتاحة أمام السعودية محدودة، وتتمثل في حشد مقاتلين يمنيين والدفع بهم في الجبهات الحدودية، على نحو ما انتهجته خلال العامين الماضيين، لكن ذلك لن يملأ الفراغ، الذي ستتركه قوات نظامية مدربة وذات تجربة طويلة، كالقوات السودانية، مع يثار حول سوء إدارة المعارك، التي يخوضها مقاتلون يمنيون تدفع بهم السعودية في هذه المناطق، وتأخر دفع مرتباتهم، وحرمانهم من الأسلحة الثقيلة، مما جعل من هذه المناطق بؤرة استنزاف وتقدمات بطيئة، خلافاً لما يصوره إعلام التحالف.
الخيار الآخر، يتمثل في الدفع بمجندين سعوديين جدد، غير أن هذا الخيار يتطلب وقتاً طويلاً، يجري فيه إعداد هؤلاء المقاتلين، وتوزيعهم، وإقحامهم في المعركة، أو تمكينهم من ثكنات حدودية، تمثل نسقاً ثانياً للجبهات الملتهبة داخل محافظتي صعدة وحجة، لكنها عادة ما تتعرض لغارات حوثية متواصلة، تخلف الكثير من الخسائر البشرية والمادية، يكشف عنها الحوثيون من خلال إعلامهم المتلفز.
ثمة خيار ثالث، يتمثل في ما قد تمارسه السعودية من ضغوط على القيادة السودانية الجديدة، للإبقاء على هذه القوات، وذلك على نحو ما فعلته من الرئيس البشير، الذي، تعامل معها بذات الأسلوب، لتحقيق بعض المكاسب، معرضاً عن المطالبات الشعبية والبرلمانية بعودة هذه القوات، بعد ارتفاع عدد قتلاها إلى أكثر من سبعمائة جندي وضابط، وتعرض المئات لإصابة خطرة ومزمنة.
بالنسبة إلى السلطة الشرعية اليمنية، فإنها في غنى عن وجود القوات السودانية، ولن يؤثر خروجها على أداء قوات الجيش الوطني؛ إذ أن لديها قدرة على الحشد، وتعزيز التدريب، رغم القيود المفروضة من قبل التحالف، فضلا عن أن هذه المسألة ظرفية التأثير، وترتبط ارتباطا وثيقا بالظرف العام، الذي يحيط بالشرعية، وعدم استقلالية قرارها العسكري، والسياسي، والاقتصادي، وتراجع وجودها الفعلي على الأرض المحررة من قبضة الحوثيين.
على أي حال، فإن مسألة خروج القوات السودانية من التحالف مرهونة باستطالة الأزمة في السودان، وتحولها إلى مصير يشبه ما يجري في اليمن أو ليبيا. أما ما أعلن عنه المجلس العسكري السوداني عن بقاء هذه القوات، فمحاولة لكسب دعم السعودية والإمارات، لمواجهة الظروف الصعبة، التي يمر به هذا المجلس، أما القرار النهائي فسيمليه الواقع السوداني المرشح للتصعيد أكثر، لا سيما إذا ما لجأ المجلس العسكري لخيار العنف أمام مطالب المحتجين الرافضين لهيمنة هذا المجلس على السلطة.
*محلل سياسي في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية
أخبار ذات صلة
الأحد, 20 مايو, 2018
مسؤول سعودي يكشف لأول مرة عن مشكلة مع القوات السودانية في اليمن
الثلاثاء, 16 أبريل, 2019
المجلس العسكري السوداني يعلن موقفه من مشاركة قواته ضمن التحالف في اليمن
الإثنين, 27 أغسطس, 2018
صحيفة تكشف عن مغادرة لواء من الجيش السوداني اليمن بعد إنتهاء مهامه