الحملة الأمنية بتعز.. لماذا عُلقت؟.. وماذا حققت؟.. وما التالي؟  (تقرير خاص)

[ صواريخ حرارية يحملها أحد العناصر الإجرامية المطلوبة للأمن- لقطة مأخوذة من تسجيل فيديو بُث أثناء الحملة الأمنية 23 مارس 2019 ]

 ساد الهدوء مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن) بعد ثلاثة أيام متواصلة من الاشتباكات المسلحة بين الحملة الأمنية وعناصر تصفهم السلطات في المدينة بـ"الخارجين عن القانون" و"المطلوبين أمنياً".
 
وأكد سكان محليون لـ "يمن شباب نت" عودة الهدوء تماما إلى أحياء المدينة القديمة، منذ فجر الأحد الماضي، بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات بين مسلحين تابعين لكتائب أبو العباس والحملة الأمنية التي سيطرت على المقر الرئيس للكتائب جنوب المدينة.
 
وانطلقت الحملة الأمنية رسميا، يوم الخميس الماضي، 21 مارس/ آذار الجاري، تنفيذا لمقررات اجتماع الثلاثاء للجنة الأمنية العليا برئاسة محافظ المحافظة، رئيس اللجنة نبيل شمسان، والذي أقر اتخاذ عدد من الإجراءات لتثبيت الأمن والاستقرار بالمدينة بما في ذلك تعقب المطلوبين أمنيا.
 
والسبت أعلنت قيادة الحملة الأمنية انسحاب أفرادها من المواقع التي كانت بدأت بطهيرها من العناصر الخارجة عن القانون، مؤكدة أن إيقاف الحملة جاء التزاما بتوجيهات محافظ المحافظة الذي أمر بتعليقها والانسحاب من المنطقة.
 
وبحسب مصادر أمنية، فأن الحملة، وأثناء بدئها بعملية الانسحاب، تعرضت لهجمات غادرة من قبل العناصر الخارجة عن القانون، الأمر الذي دفعها إلى الرد لمواجهة الهجوم، ما أدى الى استمرار الاشتباكات حتى وقت متأخر من مساء السبت.
 
وانتشرت المواجهات في مناطق: صينة، والدائري والنسيرية، وادي المدام وأحياء الظاهرية والميدان.
 

أسباب الحملة وتوسعها

وجاءت الحملة، أساسا، لملاحقة مطلوبين في واقعة اغتيال الضابط عيدالله مقبل المخلافي، قائد احدى سرايا اللواء 22 ومرافقه، وفرار المتهم الرئيسي مع أفراده إلى المدينة القديمة تحت حماية كتائب أبو العباس.
 
وأكدت مصادر أمنية لـ"يمن شباب نت"، أن سبب اندلاع المواجهات وانتشارها يعود بداية إلى تعرض الحملة لمقاومة مسلحة قوية من قبل مسلحي كتائب أبو العباس المدعومة من دولة الإمارات (الدولة الثانية في التحالف العربي).
 
وأضافت: استخدمت كتائب أبو العباس اثناء مواجهتها للحملة قناصة وقذائف RBG ومضادات طيران إلى جانب أسلحة حديثة تُرجح المصادر أن الكتائب حصلت عليها من دولة الامارات.
 
وأظهر مقطع فيديو تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، قائد عمليات كتائب أبو العباس، محمد نجيب، وهو يتوعد ويهدد بإحراق تعز بالصواريخ الحرارية، في الوقت الذي كان يوجه فيه مسلحيه بفتح مخازن الأسلحة واعتلاء المنازل لمواجهة الحملة الأمنية.
 
ويُعتقد أن تلك الصواريخ الحرارية التي كان يتحدث عنها الإرهابي، هي صواريخ لو الحرارية، والتي كانت صحف أمريكية وبريطانية أشارت إليه نقلا عن تقارير استخباراتية أمريكية. وأتهمت السعودية والإمارات بتسليمها لحلفائهم في اليمن، بينهم جماعات مصنفة ضمن قائمة الإرهاب. في إشارة إلى عادل عبده فارع الذبحاني، المكنى بـ"أبو العباس"، والذي صنفته أمريكيا مؤخرا (2017) ضمن قائمة الإرهاب في اليمن.
 
وتماشيا مع القرار الأمريكي، صنفت دول الخليج أبو العباس، أيضا، ضمن قائمة الإرهاب. إلا أن دولة الإمارات ظلت تواصل دعمها له بالسلاح والمال، برغم إدراجه ضمن قوائمها الإرهابية.
  
ويوم أمس الأول السبت، سجلت مراكز طبية ومستشفيات في المدينة حالات قنص تعرض لها مدنيين، رجحت المصادر الأمنية أن معظمها أطلقت من جهة كتائب أبو العباس في المدينة القديمة.
 
وأفادت مصادر طبية أن ثلاثة مدنيين قتلوا وأصيب أربعة أخرين، بينهم امرأة في شارع التحرير بنيران مسلحي أبو العباس المتمركزين في عدد من المباني بالمدينة القديمة وتحديدا أسفل قلعة القاهرة.
 
وقال مصدر أمني لـ " يمن شباب نت" إن المدينة القديمة (المعقل الرئيس لكتائب أبو العباس) تم اخلائها لاحقا، يوم الأحد، من المظاهر المسلحة، وسلمت للشرطة العسكرية والأمن العام، التي انتشرت في المناطق التي ظلت مغلقة طوال الفترة الماضية على العناصر الخارجة عن القانون.
 
وأضاف المصدر أن الحملة الأمنية واصلت، أمس الأحد، المضي قدماً لمطاردة المطلوبين أمنياً في المحور الشمالي للمدينة بعد أن تمكنت من القبض على عددا من العناصر الخارجة عن القانون خلال الأربعة الأيام الماضية.
 

ضغوطات مؤثرة سلبا

وبعد ساعات من إعلان شرطة تعز توقف الحملة الأمنية، أقر المحافظ شمسان تشكيل لجنة تحقيق، في الأحداث الأخيرة في مربعات المدينة القديم والقاهرة وحصر الانتهاكات ومرتكبيها، والأضرار والمتسببين بها، بعد اتهامات للحملة الامنية بتجاوز قرار المحافظ، وعدم استجابتها سريعا لقراره بتعليق الحملة والانسحاب.
 
وهو ما تنفيه قيادة الحملة، متهمة الخارجين عن القانون باستهداف أفرادها من الخلف بمجرد بدئهم بعملية الانسحاب، ما أضطرهم إلى حماية أنفسهم بالرد. واستشهدت المصادر بالفيديو الذي سجله قائد العمليات بكتائب أبو العباس وبثه مباشرة على الفيسبوك وهو يحرض افراده على الرد بقوة والتهديد بحرق المدينة بالصواريخ.
 
وتضم اللجنة وكلاء ووكلاء مساعدين في المحافظة، وهم عارف جامل وعبد الكريم الصبري (وكيل مساعد لشؤون الدفاع) واللواء محمد المحمودي (وكيل مساعد لشؤون الأمن)، بالإضافة إلى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في تعز، العميد عبده البحيري، ونائب مدير الشرطة، العقيد الركن أنيس الشميري.
 
كما شكل المحافظ ايضاً لجنة "تهيئة" قامت أمس الأحد، بزيارة إلى أحياء المدينة القديمة، حيث التقى أعضاؤها بممثل "كتائب أبو العباس" القيادي مؤمن المخلافي.
 
وبالنظر إلى أسباب توقيف الحملة الأمنية بمدينة تعز، أرجعت مصادر مطلعة الأسباب إلى تعرض المحافظ إلى ضغوطات من قبل شخصيات في الحكومة والتحالف العربي.
 
ومساء الجمعة حلقت طائرات تابعة للتحالف العربي على علو منخفض في سماء المدينة، أعقب ذلك بساعات توجيه محافظ تعز بتعليق الحملة الأمنية وإعادتها إلى الثكنات بعد التوصل إلى اتفاق مع كتائب أبو العباس يقضي بتسليم المطلوبين أمنياً.
 
وأوضح مصدر عسكري لـ"يمن شباب نت"، بأن توجيهات المحافظ بتعليق الحملة، كانت مشروطة بتسليم كتائب أبو العباس المطلوبين أمنيا. ما يعني أنه في حال لم يقوموا بتنفيذ ذلك، وهو ما حدث فعلا، فإن الحملة ستظل مستمرة حتى تسليمهم.
 
وأضاف: هذا ما فهم من توجيهات المحافظ، مستدركا: ومع ذلك فإن الحملة استجابت وتوقفت وحين بدأت بالانسحاب وتعرضت للغدر من الخلف، أضطر عددا من أفراد الحملة للرد على مصدر النيران.
 
وكتب الصحفي اليمني، عبد العزيز المجيدي، تغريدة على صفحته بتويتر، قائلا: المحافظ الجديد أمر بحملة أمنية، فتلقى أوامر من خارج البلاد، فعلقها، مقابل تسليم المطلوبين من قبل ابي العباس، وهذه النقطة إثبات بأن الرجل يعمل وكيلا لعصابات الإغتيالات".
 
وأضاف المجيدي في تغريدته: "تحت تأثير الحملات الدعائية، ظهر شمسان مرتبكا فأمر بتوجيه حملة أخرى الى شمال وشرقي المدينة، وهو لم يفرغ بعد من الأولى!".
 


ما بعد الحملة

ويرى المحلل السياسي عبد الهادي العزعزي، أن الحملة الأمنية "ناجحة إلى حد كبير، بحكم الأوضاع التي تعيشها المدينة ما قبل هذه الحملة"، معتقداً أن "ما بعدها (الحملة الأمنية) سيتغير الوضع بشكل كبير لأنها في ظرف، الناس (فيه) بأمس الحاجة لهذه الحملة".
 
وحول الإجراءات التي يجب على السلطة اتخاذها في تعز، عقب انتهاء هذه الحملة، يقول العزعزي في تصريح لـ"يمن شباب نت" إنه "يجب على السلطات في المحافظة أن تعود الى الواجهة بقوة، وأن تبدأ بالشد في مسألة الأمن والانضباط والاشراف على كافة العمليات المرتبطة بالأمن".
 
وأضاف: على السلطة المحلية أن تبدأ بتفعيل شرطة المرور والسير، وتفعيل أقسام الشرطة، وتقييد البلاغات بشكل عام، والاهتمام بتدفق المعلومات، واحالة كافة القضايا التي تصلها الى الامن، وتحويلها الى النيابة، وبالتالي تبدأ بتفعيل الحلقة الثانية عبر القضاء: النيابات والمحاكم المعنية.
 
أضف إلى ذلك، حسب العزعزي، أنه على الشرطة أن تسعى في اتجاه آخر، نحو حملة توعية بشكل كبير لتغيير تلك الصورة السابقة، أو حالة العدائية القائمة منذ النظام السابق، بين رجل الامن والمواطن العادي، بحكم نوع الدولة.
 
ويأمل العزعزي أن "يصبح الأمن أمناً للمواطنين، وليس امنا للسلطات، أمن يهتم بقضايا الناس ومشكلاتهم اليومية، كي يشعروا أنه (أي الأمن) نقطة تكامل مع المواطنين".
 
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر