في بعض الأحيان، تأتي المادة الخام التي يرتكز عليها عمل "على الغماري" هاوية من فوق سماء اليمن. فالصواريخ التي تطلقها طائرات التحالف التي يقوده السعودية تمطر على رجال الميليشيات الحوثية والمدنيين على حد سواء، مما يؤدي إلى مقتل وتشويه الآلاف.
ثم يقوم الأطفال والمزارعون وغيرهم بجمع الشظايا من مزارعهم ومن الأزقة الترابية في الأحياء الفقيرة ومن ثم يعرضونها للبيع إلى الغماري وغيره من الحرفيين.
ومن الصواريخ، لا يصنع اليمنيون المحاريث بل يقومون بصنع جنابي الزينة التي يرتديها الرجال اليمنيون من أجل هيبتها وكعرض للشجاعة.
سابقا، كانت تلك الجنابي مصنوعة من الفولاذ المستورد، ولكن الأسعار المرتفعة أجبرت الحرفيين على استخدام مخلفات الحرب حيث يبلغ سعر الكيلوجرام الواحد (2.2 باوند) من شظايا الفولاذ حوالي 500 ريال يمني أي (أقل من دولار امريكي) وهو نصف سعر الفولاذ التركي.
وقال علي الغماري، وهو رجل في الخمسينات من عمره، إنه تعلم حرفته من والده الذي بدوره ورث المهارة من أجداده. حيث ان عائلة الغماري بأكملها المكونة من سبع أسر تعمل كحدادين في مدينة عبس الشمالية ويسكنون في أكواخ مبنية من حواجز شبكية أو من فروع الشجر حيث يقومون بطرق معدنً متوهج حول نيران مفتوحة.
ويقول الغماري إن الجنابي كانت في يوم من الأيام تجارة مربحة. لكن والد الستة أعرب عن أسفه لأن السوق قد ضعفت مع هبوط الاقتصاد الذي دمرته الحرب وأصبح القليل من الرجال فقط من بمقدوره حيازة أموال إضافية لدفع ثمن الجنابي.
وعندما يتوفر لديه المال، يقوم الغماري أحياناً بشراء بقايا شاحنات وسيارات مدمرة ضمن حطام أو جراء التفجيرات أو الغارات الجوية.
وقال "الشاحنات تصنع أفضل الجنابي لأن الفولاذ قوي ومميز".
وتمتلك الجنابي شفرات منحنية حيث تعد جزء من الملابس اليمنية التقليدية – اذ يتم غرزها في غمد مزخرف على شكل خطاف ينتصب بشكل عمودي وسط أحزمة مزخرفة في حال كان الرجال يرتدون ثيابًا أو يجري وضعها في اعلى المعاوز التي يرتديها الذكور في اليمن.
ويتم صنع نصل الجنابي من الفولاذ وكلما كان الفولاذ أقوى كلما كانت الجنبية أكثر تكلفة.
وغالبًا ما يشير شكل المقبض إلى المدينة أو المنطقة أو قبيلة الشخص الذي يحملها، ويعتمد السعر أيضًا على ما إذا كان المقبض مصنوعًا من الخشب أو قرن الجاموس أو قرن وحيد القرن.
وكلما كانت الجنبية أغلى، كلما ارتفعت مكانة الرجل الذي يرتديها وتتراوح أسعار الجنابي الجديدة من 100 دولار إلى 150 دولار. اما الاجيال القديمة من الجنابي الموروثة من الأسلاف ربما تساوي مئات الآلاف من الدولارات.
وتستمر الحرب بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين الشيعة المدعومين من إيران منذ ما يقرب من أربع سنوات.
حيث تدخل التحالف الذي تتزعمه السعودية من الدول السنية بدعم من الولايات المتحدة إلى النزاع في مارس 2015، وشن حملة جوية شرسة باستخدام ترسانة عسكرية تتكون في الغالب من صواريخ أمريكية الصنع وأسلحة أخرى، مما وفر الكثير من المعدن لعلي الغماري وعائلته.
استخدام الغماري للمخلفات الحربية ليس وليد اللحظة. فخلال الحرب الأهلية بين عامي 1962 و1970 حين دعمت كل من مصر والسعودية طرفين متناقضين في الحرب، استخدم والد الغماري سلاسل الدبابات المصرية وقذائف المدفعية والصواريخ لصنع الجنابي.
اليوم، يشير الغماري إلى السندان الذي يضرب فيها شظايا الصواريخ ليحولها إلى جنابي ويقول "انها قذيفة هاون فارغة تعود الى الستينات.
أخبار ذات صلة
الجمعة, 14 سبتمبر, 2018
"ذا إيكونوميست" البريطانية: حظر حمل السلاح بمدينة المكلا استثنائي ومميز في اليمن