ملاحظة المحرر: لقد انتقلت الحرب في اليمن من سيئ إلى أسوأ، مخلفة عشرات الآلاف من القتلى ومعرضة مئات الآلاف من المدنيين للخطر جراء الأمراض وسوء التغذية. حربٌ تعقيداتها تسابق وحشيتها، في ظل مصفوفة غير متناغمة من اللاعبين الحاملين لأجندات خفية ومراوغة.
في هذه المقالة يستعرض الباحث غريغوري جونسن، من المؤسسة العربية، الحروب الثلاث التي يواجهها اليمن، والمتمثلة بـ: الكفاح ضد الإرهاب، والحرب الأهلية، والصراع الإقليمي الذي يشمل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإيران. كلٌ له ديناميكيته الخاصة، لكنهم جميعا يعملون سويا على تدمير اليمن.
دانيال بيمان
* * *
في الشهر الماضي، وفي غضون بضعة أيام قليلة في اليمن، نجا أحد المحافظين من انفجار عبوة ناسفة على الطريق بينما مُنع أخر من الدخول عبر نقطة تفتيش تديرها حكومته ظاهرياً. وفي كلية عسكرية في عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة، فتح جنود مؤيدون للانفصال النار على حفل تخرج رداً على رفع العلم الوطني.
ثلاثة أحداث أمنية صغيرة- بالكاد تظهر كنقطة وميض على الشاشة في خضم سلسلة الضربات اليومية لليمن والتي اختفت بالفعل من عناوين الأخبار. ومع أن كل حادثة وقعت بعيداً عن الخطوط الأمامية للقتال في اليمن، إلا أن كل واحد منها، وبطريقته الخاصة، يعد تذكيراً بأن ما نسميه الحرب في اليمن هو في الواقع ثلاثة صراعات منفصلة ومتداخلة.
فهنالك حرب تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية في اليمن. وهنالك صراع إقليمي، بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ضد إيران. كما أن هناك حرب أهلية فوضوية ومتعددة الجوانب، تضم الحوثيين وما تبقى من الحكومة اليمنية، وحركة انفصالية جنوبية، وقوات تعمل بالوكالة للإمارات، وعدد من المليشيات المختلفة- بعض السلفيين، وبعض السكان المحليين، فيما يشبه بعض منها العصابات الإجرامية - وجميعها تسعى للسيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي البلاد.
وبقدر ما لهذه الحروب الثلاثة من معالم واضحة، إلا أن لكل واحدة منها حدوداً مسامية، بحيث تتسرب إلى بعضها البعض. لذلك فإن الولايات المتحدة، التي تقاتل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والدولة الإسلامية، نجدها أيضا تساعد السعودية والإمارات العربية المتحدة في حربهما ضد الحوثيين، الذين، بدورهم، نجدهم يقاتلون تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والدولة الإسلامية. في حين أن القوات التي تعمل بالوكالة لصالح الإمارات، والتي تم إنشاؤها لمحاربة القاعدة والحوثيين، نجدها تشتبك بشكل دوري مع القوات الحكومية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي طلب المساعدة العسكرية من دولة الإمارات في المقام الأول. كما أن الميليشيات السلفية في تعز تقاتل الحوثيين في اليوم الأول والقوات الحكومية في اليوم التالي.
اليمن، الذي توحد فقط في عام 1990، أصبح متشظيا وربما سيكون كذلك لسنوات قادمة. ولن يتمكن أي اتفاق سلام واحد، مهما كان شاملاً، من إنهاء كل هذه الحروب الثلاث. والسيناريو الأكثر احتمالاً- والذي بحد ذاته لن يكون سهلاً- هو أن أي صفقة برعاية الأمم المتحدة ستنهي الحرب الإقليمية، وتؤدي إلى انسحاب القوات السعودية والإماراتية وإنهاء الدعم الإيراني للحوثيين، فيما سيظل القتال على الأرض في اليمن مستمرا.
وقد أوضح المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث أنه يفضل مناقشة المستقبل الداخلي لليمن، بما في ذلك الجنوب، كجزء من حوار وطني مستقبلي، وليس ضمن محادثات ترعاها الأمم المتحدة.
لقد جرب اليمن المضي على هذا المسار من قبل، لكن النتائج كانت سيئة. والواقع، أن الكثير من القتال الحالي في البلاد يمكن إرجاعه إلى آخر حوار وطني لليمن، والذي انتهى في عام 2014 وخلّف العديد من الأطراف المحبطة، وبالأخص الحوثيون. وفي غضون أشهر من انتهاء الحوار، خرج الحوثيون من صعدة، ليبدئوا الأنقلاب وما تلاه من الحرب الأهلية اللاحقة.
وقد كانت المعضلة التي حالت دون التوصل إلى اتفاق نهائي حينها هي المشكلة نفسها التي تحول دون التوصل للحل اليوم، وهي: أن هنالك الكثير من الجماعات المسلحة في البلاد، ولا يوجد أي قوي بما فيه الكفاية لفرض إرادته على البلد بأكمله، لكن كل طرف يمكن أن يلعب دور المخرب في أي وقت لا يعجبه فيه قرار ما. أضف الى ذلك المزيج جماعتين ارهابيتين وستحصل على وصفة لذلك النوع من الكوارث الذي بمقدوره أن يدمر عدة أجيال ويفتت شعباً بأكمله.
الحرب ضد القاعدة والدولة الإسلامية
أطول حروب اليمن الثلاث هي الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد القاعدة، والتي توسعت اليوم لتشمل الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية. وهذه الحرب، التي يعود تاريخها إلى هجوم المدمرة يو إس إس كول في أكتوبر عام 2000 وهجمات 11 سبتمبر عام 2001، قد تضاءلت وتراجعت مع مرور الوقت. حيث نفذت الولايات المتحدة أولى ضرباتها بطائرة بدون طيار خارج ساحة معركة نشطة في اليمن عام 2002. ولكن في أعقاب غزو العراق في عام 2003، تجاهلت الولايات المتحدة اليمن إلى حد كبير حتى وصل ما يسمى بانتحاري الملابس الداخلية إلى طائرة متجهة إلى ديترويت في يوم عيد الميلاد عام 2009. ومنذ ذلك الحين، تبنت الولايات المتحدة ما يسمى أحيانًا باستراتيجية "قص العشب" (استهداف تجمعات كبيرة لعناصر التنظيم بهدف قتل اكبر عدد ممكن) عبر الطائرات بدون طيار والضربات البحرية والجوية جنبا إلى جنب مع عمليات القوات الخاصة الدورية بما في ذلك غارات تمت بالشراكة مع القوات الإماراتية.
وفي عام 2017، بعد أن أعلنت إدارة ترامب مناطق من ثلاث محافظات يمنية كـ"مناطق أعمال عدائية نشطة"- لتخفف من قواعد الاشتباك على نحو فعال- ارتفع عدد الغارات الجوي للطائرات بدون طيار وغيرها من الغارات في اليمن من أكثر من 30 في عام 2016 في السنة الأخيرة لإدارة اوباما، حتى بلغت أكثر من 130 خلال السنة الأولى لإدارة ترامب، وقد نفذت الولايات المتحدة 34 ضربة حتى الآن خلال هذا العام.
ما يعكر المياه قليلاً هو حقيقة أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وبدرجة أقل تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن، تعتبر أكثر من مجرد منظمات إرهابية دولية مُصمِمة على مهاجمة الغرب. فهم أيضا لاعبون محليون يقاتلون في كلا الحربين الآخرتين في اليمن.
فعلى سبيل المثال، في محافظة البيضاء وسط البلاد، تقاتل القاعدة في شبه الجزيرة العربية والدولة الإسلامية (داعش) ضد الحوثيين. بينما في شبوة تقوم القاعدة في شبه جزيرة العرب بشكل روتيني بشن هجمات ضد القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة. ومن المستبعد أن تنتهي هذه الحرب في أي وقت قريب.
الحرب الإقليمية
تعتبر الحرب الإقليمية- التي تجمع السعودية والإمارات في مواجهة ما تعتبرانه وكيلاً مدعوماً من إيران- هي الحرب التي نسمع عنها أكثر، كما أنها الحرب التي ألحقت الضرر الأكبر بالبلاد. غير أنها أيضا، وهذه من المفارقات، هي الحرب التي تمتلك طريق الخروج السريع الأكثر وضوحا.
فلقد تدخلت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وبقية شركاء التحالف في 26 مارس 2015، بناء ًعلى طلب الرئيس اليمني بهدف معلن هو ردع انقلاب الحوثي وإعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في صنعاء. حيث استمرت الحرب التي كان من المفترض أن تستمر لأسابيع قليلة، لتمتد لأكثر من ثلاث سنوات. كما أن الدعم الإيراني للحوثيين قد انتقل من فرضية جدلية إلى حقيقة ثابتة. فالصواريخ الباليستية الإيرانية، التي يتم تهريبها إلى اليمن في انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي، يتم تجميعها مجدداً وإطلاقها صوب السعودية.
لا يوجد طرف برئ في هذه الحرب. فغالبًا ما تقتل الغارات الجوية السعودية المدنيين، بما في ذلك الضربة الأخيرة التي أودت بحياة 40 طفلاً. كما تدير الإمارات العربية المتحدة سجوناً، وفقاً لتقارير متعددة، تحدثت عن التعذيب والاعتداء الجنسي. أما الحوثيون، الذين يتعرضون لانتقادات أقل مما يتعرض له التحالف، فهم متورطون في التعذيب واستخدام الجنود الأطفال وتفجير منازل المعارضين السياسيين المحليين.
وبقدر ما تعد هذه الحرب مدمرة، فإنها أيضاً- على عكس الحربين الأخريين- قابلة للحل. فالمملكة العربية السعودية تريد تفادي صعود مجموعة شبيهة بحزب الله على حدودها الجنوبية، وبالنسبة لإيران، فعلى الرغم من كل سعادتها بالهفوات السعودية، إلا أن استثمارها في اليمن يعتبر أقل بكثير من استثمارها في العراق أو سوريا. وعندما تأتي انفراجة سعودية-إيرانية محتملة، فإن اليمن قد تكون هي الفاكهة الاقل ثماراً (فيسهل التنازل والمساومات).
مثل هذا السيناريو سيكون له فوائد لكلا الجانبين. فإيران، التي تسعى إلى تقسيم الولايات المتحدة وأوروبا بشأن الاتفاق النووي والعقوبات، ستظهر مرونة في اليمن من خلال قطع الدعم عن الحوثيين مقابل انسحاب سعودي. حيث ستكون هذه بادرة كبيرة تجاه الاعتدال الذي تود أوروبا رؤيته في السياسة الإيرانية، بينما تضع حداً لتدخل محدود قد نفذ غرضه. وهو ما سيوفر للسعوديين نهاية تحفظ ماء الوجه، لحرب قبيحة ومكلفة.
الحرب الاهلية
إن أكثر صراعات اليمن الثلاثة استعصاءً هي الحرب الأهلية الأكثر فجاجة وتشظيا. حيث كانت هذه الحرب موجودة قبل أن تتدخل السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن وسوف تستمر لفترة طويلة بعد مغادرتهم. وللأسف، أن هذا يعني أن القتال الاكثر ضراوة في اليمن ربما لا يزال أمامنا. والتحالف (اليمن) الهش المناهض للحوثيين، الذي يتماسك غالبا عن طريق التحالف، من المرجح أن يتفكك، عندما تنسحب السعودية والإمارات.
وسوف يرغب الكثير في الجنوب، بغض النظر عن الجدوى الاقتصادية، في الانفصال. حيث أن الرئيس هادي لديه القليل من الدعم العسكري الذي يمكن أن يعتمد عليه من خارج ألوية الحماية الرئاسية الخمسة. أما نائب الرئيس علي محسن الأحمر، أحد الموالين السابقين لـ "صالح"، فقد تعرض للهزيمة من قبل الحوثيين ذات يوم، والدعم الذي يحظى به داخل الجيش يعد غير مستقر في أحسن الأحوال. وبالنسبة لما تبقى من الشبكة العسكرية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهم حوالي 3000 رجل، فسيواصلون القتال ومثلهم ايضاً بضع قوات مدربة جيداً في الإمارات، والتي تعمل كوكيل لها. اضافة الى مجموعات سلفية متعددة وعدة ميليشيات محلية مختلفة.
من جانبهم، من المرجح أن يخسر الحوثيون الارض بعد انسحاب القوات السعودية والإماراتية. فلقد صنع الحوثيون الكثير من الأعداء خلال فترة وجودهم في السلطة، ولكنه تم التغاضي عن سيطرتهم كثيراً بسبب حملة القصف التي قادتها قوات التحالف بقيادة السعودية، وحالما تنتهي، فسينتهي بعض الدعم أيضًا.
ببساطة، لم يعد هناك يمن واحد. حيث هناك العديد من الكيانات، وليس هناك فرد واحد أو مجموعة قادرة على إعادة توحيدهم في كيان متماسك. فاليمن لديها الكثير من المجموعات، التي بحوزتها الكثير من السلاح، ما يمنع أن تعود دولة موحدة مرة أخرى.
في نهاية المطاف، ستستأنف الحرب الأهلية، التي ظلت تحتل المقعد الخلفي للنزاع الإقليمي على مدى السنوات الثلاث الماضية. وعندما يحدث ذلك، فإن القتال الذي سينجم عنها سيكون داميًا وممتدًا.
* غريغوري دي. جونسن؛ باحث مقيم لدى المؤسسة العربية. من عام 2016 إلى عام 2018 عمل في فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن في اليمن.
- للإطلاع على النسخة الأصلية من المادة.. هنا
أخبار ذات صلة
الأحد, 28 يناير, 2018
واشنطن بوست: لماذا ليس من السهل حلُ حروب اليمن العديدة (ترجمة خاصة)