لم تكن الزيارة الطويلة لوزير الداخلية اليمنية أحمد الميسري إلى أبو ظبي نهاية مايو الماضي والتي استمرت أكثر من أسبوع عقب أزمة سقطرى، إلا محاولة إماراتية لإضفاء صبغة شرعية وقانونية على هيمنتها المتعاظمة في المناطق المحررة، بعد أن اتهمتها الحكومة اليمنية بمناسبات عدة باحتلال اليمن وانتهاك سيادته وخصوصا بعد أحداث يناير الأخيرة في مطلع العام 2018.
و آخر تلك التصريحات والاتهامات اليمنية كانت صادرة من وزير الداخلية أحمد الميسري نفسه في عدة مقابلات صحفية آخرها كانت مع قناة أمريكية قبيل توجيه وزير الداخلية الإماراتي دعوة للميسري لزيارة أبو ظبي.
وكانت الدعوة الإماراتية لوزير الداخلية ضمن حسابات سياسية خاصة بالإمارات تريد من خلالها تجاوز مشكلات سياسية ودبلوماسية وحقوقية نتجت عن تزايد الهيمنة الإماراتية على مؤسسات الحكومة اليمنية وخاصة في جانبها الأمني والسيادي، وهي ممارسات أدت إلى تقويض الدولة اليمنية وفقا لتقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن ومخالفة للقرار 2216و انتهاكات لحقوق الإنسان وخطف واغتيالات ونفي وتشريد، لقائمة طويلة ممن تعتقد الإمارات أنهم خصوم مفترضون لمشاريعها في اليمن.
ومع اشتداد حدة الصراع بين الإمارات والحكومة اليمنية قدم المندوب الدائم لليمن لدى الأمم المتحدة سابقا خالد اليماني رسالة رسمية من الحكومة اليمنية إلى مجلس الأمن تعليقا على تقرير لجنة الخبراء الدولية، اتهمت فيها الإمارات بشكل رسمي بتقويض سلطات الحكومة الشرعية، عبر تكوين المليشيات المسلحة التي لا تخضع لمؤسسات الدولة وإنشاء سجون سرية لخطف المعارضين وتعذيبهم.
لكن تزايد حملة الاختطافات والاعتقالات التي دشنتها الإمارات فور تحرير عدن منتصف العام 2015 اتسعت لتشمل مئات الأشخاص، نتج عنها عدة وفيات تحت التعذيب وأثارت موجة استياء واسعة ورفض متعاظم للسلوك الإماراتي الحاضر في جانب الهيمنة والاغتيالات والسجون وتعطيل المطارات والموانئ وحجز الأموال والغائب عن جانب الخدمات وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
واشتد الغضب الشعبي في عدة مناطق خاصة عدن بشعارات على جدران عدن تهتف برحيل المحتل الإماراتي والدوس على صور محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي كاحتجاج شعبي ساخط، وصدور عدة تقارير من قبل هيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة والحكومة اليمنية وأمهات المختطفين تدين الإمارات بعمليات تعذيب منظم وواسع الانتشار وبشكل منهجي بحق المختطفين شمل الصعق الكهربائي والاعتداء الجنسي والغرق الوهمي والكلاب البوليسية، وتعذيب لاجئين أفارقة.
ومثلت أزمة سقطرى نهاية أبريل ومطلع مايو الماضي ذروة الصراع بين الحكومة اليمنية والإمارات، باتهام اليمن للإمارات بتهديد سلامة البلد وسيادته ووحدة أراضيه، وهو ما جعل الإمارات في موقف محرج على مستوى العالم، أجبرها في النهاية على تبني إستراتيجية مغايرة بدأت برسالة إلى مجلس الأمن تؤكد التزامها بسيادة اليمن وأهداف التحالف وأن المشكلات التي حدثت كانت نتيجة سوء فهم، وأن هناك تنسيقا قويا بين الإمارات والسعودية واليمن.
ونتيجة لهذا التوجه زار الرئيس هادي أبوظبي الشهر الماضي وسمحت له بالعودة إلى عدن، ولاحقا أفرجت عن عشرات المختطفين في سجونها بعدن وخاصة من سجن بئر أحمد.
لكن تزايد التقارير الدولية عن السجون الإماراتية والاحتجاجات المستمرة لذوي المختطفين والتي تقودها رابطة أمهات المختطفين في عدن أصابت بضرر بالغ السمعة الإماراتية محليا ودوليا، ولرسم صورة جديدة مغايرة لأبوظبي وجيشها المتمركز في عدن سمحت الإمارات لأول مرة لنائب وزير الداخلية اليمني اللواء علي ناصر لخشع بالقيام بجولة تفقدية إلى سجن بئر أحمد سيء الصيت بعدن، مع عدد من كبار مسئولي الداخلية والنيابة والقضاء، كأعلى مسئول يمني من الحكومة الشرعية يزور مثل هذه المقرات.
إلا أن تصريحات لخشع عقب زيارته لسجن بئر أحمد والتي نفى فيها وجود سجون سرية خارج سيطرة الدولة أثارت استياءا واسعا وسخطا شعبيا عارما، لدى قطاعات واسعة من الشعب، خاصة من ذوي المفقودين، ومن الجهات الرسمية أيضا، حيث توجهت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان بقائمة طويلة من الأسماء المخفيين قسرا إلى معسكر مكافحة الإرهاب غير الخاضع للدولة والمدعوم إماراتيا، وفي الوقت نفسه، أقامت أمهات المختطفين وقفة احتجاجية أمام منزل وزير الداخلية احتجاجا على تصريحات نائبه، وخشية من دفن قضية ذويهن المختطفين فعليا، لدى الإمارات ووكلائها في عدة مناطق بالجنوب وخاصة عدن وشبوة والمكلا.
ووفقا للجنة الخبراء الدولية فإن الإمارات تعمد على تبرئة نفسها من أي انتهاكات لقواتها، وتحمل مسئولية ذلك حلفائها في كل مرة من المليشيات، إلا أن ذلك التوجه لم يعد يقنع أحدا ولذلك لجأت هذه المرة إلى استخدام الشرعية نفسها لتبرئة الإمارات من تلك المسئوليات، خاصة بعد وصول هذا الملف إلى مجلس الامن برسالة الحكومة اليمنية في وقت سابق.
وأمام الغضب الشعبي الواسع من تصريحات نائب الوزير لخشع، المجافي للواقع وفقا لذوي المختطفين، التقى وزير الداخلية أحمد الميسري في عدن بوزير الدولة للتعاون الدولي الإماراتي ريم الهاشمي كأعلى مسئول رسمي إماراتي يزور العاصمة المؤقتة، وأكد فيها على ضرورة إغلاق كل السجون وتسليمهم للقضاء والنيابة بناء على نتائج زيارته لأبوظبي، كأحد أهم القضايا الخلافية الدائمة بين عدن وأبو ظبي، وأبدت الوزيرة الإماراتية وفقا لوكالة سبأ الرسمية تفهما بشأن ذلك.
ويعتبر مراقبون كثيرون أن ملف السجون والمختطفين أحد أهم المؤشرات على طبيعة العلاقة المتوترة أو الدافئة بين الحكومة الشرعية والإمارات.
وتبقى الأيام المقبلة كفيلة بكشف مصداقية الإمارات في التعاون مع الحكومة الشرعية أو الاستمرار في نهجها السابق،