يتدهور الوضع الصحي في اليمن، يوماً بعد آخر، ومع دخول الحرب عامها الرابع، باتت الأمراض المزمنة والأوبئة، تنافس الرصاص في حصد أرواح اليمنيين، وتتفوق في غالب الأحيان.
ووفق منظمة الصحة العالمية، كانت الأمراض تمثل ما نسبته 39 بالمائة من إجمالي الوفيات قبل اندلاع النزاع باليمن، لكنها باتت الآن أكثر فتكا، رغم أن بعضها كان يمكن الوقاية منها.
وتسبب النزاع المتصاعد منذ 26 مارس/آذار 2015، في انهيار شبه تام للمنظومة الصحية.وحسب إحصائيات صادرة عن الصحة العالمية، هناك 50 بالمائة فقط من المرافق الصحية باليمن، تعمل بشكل كامل، فيما تعمل البقية بشكل جزئي أو توقفت عن العمل كليا.
"الأناضول" التقت نائب ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، التركي، محمد عاكف ساعاتجي أوغلو، وناقشت معه تفاصيل الوضع الصحي المنهار ، وجهود احتواء الأزمة ، وملفات أخرى.
**أمراض انحسرت تعود إلى الواجهة
لم تتسبب الحرب الدائرة بتدمير للقطاع الصحي فحسب، لكنها أعادت أمراضاً كان قد انحسرت قبل عقود، إلى الواجهة، وساهمت في تفشي أمراض أخرى، جراء تدهور الرعاية الصحية. نائب ممثل الصحة العالمية، اعتبر ،في حديثه للأناضول، أن تفشي الأمراض بكثافة خلال الفترة الحالية أمر وارد ومحتمل.
وقال" نحن في وضع حرب (..) عندما يكون هناك عنف في أي بلد يصبح تفشي الأمراض أمر محتملاً، وكذلك تعثر للخدمات الصحية".
وأضاف "نحاول مع الشركاء والسلطات المحلية، تعزيز برنامج ونظام التحصين في اليمن حتى نتجنب حدوث وباء بعد آخر (..)، واحدة من التحديات التي نواجهها هي عدم توفر المرافق والكوادر والأدوية، لكننا نحاول تقديم الخدمات الصحية الأساسية على الأقل ".
وبعد تسجيل ضحايا بالمئات لأمراض قاتلة، مثل الكوليرا والدفتيريا والحصبة، في أرقام تفوق المسجلين كضحايا للرصاص والقنابل، أشار المسؤول الأممي، إلى أن فقدان الإنسان حياته جراء النزاع أو الأمراض "أمر غير مقبول، وبعيدا عن المقارنة ، لا ينبغي لأي من هذه الأسباب أن تقتل".
** معركة ضد الكوليرا والدفتيريا
وتخوض منظمة الصحة العالمية وشركائها معركة كبيرة ضد مرض الكوليرا، وعلى الرغم من انحسار الموجة الثانية، بعد أن أودت بحياة أكثر من 2000 شخص وإصابة أكثر من مليون نسمة، ترى المنظمة الأممية أن المعركة لم تنته بعد. وقال ساعاتجي أوغلو، إن الموجة الثانية انتهت، ونحاول مع السلطات والشركاء، والمنظمات غير الحكومية منع حدوث موجة ثالثة.
ويضيف: لا نستطيع القول بأنه تم القضاء على الكوليرا حاليا، ولكن مقارنة بما قبل، عدد الاصابات أنحسر.
"الدفتيريا"، هو أحد الأمراض التي أنتجها النزاع باليمن، وفي وقت قياسي، سجلت إحصائيات الصحة العالمية، أكثر من 1800 حالة اشتباه و94 حالة وفاة، وأشار المسؤول الأممي، إلى أن مرض الدفتيريا تفشى في البلاد بسبب نقص المناعة وعدم توفر خدمات الرعاية الصحية بما فيها خدمات التحصين.
ولفت إلى أنه متى ما يكون هناك ثغرة أو مشكلة في المناعة يحدث تفشياً للأمراض التي يمكن الوقاية منها. ** الجسر الجوي من مطار صنعاء خلال الأيام الماضية، تحدث التحالف العربي، عن نوايا لاستئناف الرحلات التجارية من مطار صنعاء الذي يفرض عليه حظرا جويا منذ مطلع أغسطس/آب 2016، باستثناء الرحلات الأممية.
وأشار ساعاتجي أوغلو، إلى أنه سيسمح بـ"جسر جوي للحالات المرضية المزمنة بالذهاب إلى الخارج من مطار صنعاء وبمعدل رحلتين شهريا".
وحسب متحدث التحالف العربي، ومسؤولين يمنيين، سيتم التنسيق مع منظمة الصحة العالمية من أجل اختيار المصابين بالأمراض المزمنة والذين سيتسنى لهم السفر من مطار صنعاء.
وكان المرضى يضطرون إلى التوجه برا لأكثر من 12 ساعة إلى عدن أو يوم كامل إلى سيئون التي ماتزال مطارتها متاحة للرحلات التجارية.
وأشار نائب ممثل الصحة العالمية، في سياق، حديثه للأناضول، إلى أنه لم يتم الانتهاء من الاتفاق على فكرة الجسر الجوي، وأن العمل والتخطيط حول الموضوع. وقال" هناك بعض الإجراءات (..) بشأن إحالة المرضى الذين لا يستطيعون الحصول على علاج ملائم، إلى الخارج، وهذه هي فكرة الجسر الجوي".
**تصعيد الساحل الغربي
وتتابع الصحة العالمية التصعيد العسكري الكبير بين القوات الموالية للحكومة الشرعية والحوثيين في الساحل الغربي، منذ الشهر الماضي، بقلق بالغ، مع سقوط عشرات القتلى والجرحى.ووفقا لساعاتجي أوغلو، فهناك بعض المستشفيات في تلك المناطق، لكن مع استمرار الصراع، تحتاج تلك المرافق إلى المزيد من الدعم وتعزيز قدرتها الصحية.
وقال "سيكون هناك احتياج أكبر ومضاعف للخدمات الصحية، بسبب أعداد الضحايا، ونعمل بالتنسيق مع السلطات على تعزيز وتقديم المزيد من الأدوية والمستلزمات الطبية".
وأضاف أنه من الصعب حصر أعداد القتلى والجرحى بالحديدة، لكننا نقدم الخدمات الطبية للجرحى وكذلك النازحين الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية.
**صعوبة إيصال الإمدادات
خلال الأشهر الماضية، اتهمت الأمم المتحدة أطراف النزاع اليمني، وخصوصا جماعة الحوثي، بعرقلة إيصال المساعدات، وحرف مسارها لمناطق محددة.كما شكت منظمات إنسانية، من صعوبات في إيصال الإمدادات الطبية إلى بعض المناطق. وأقر نائب ممثل الصحة العالمية بوجود صعوبات في إيصال المساعدات الصحية، من دون تسمية أي طرف.
ولفت إلى أن المنظمة "تحاول دائماً إيجاد طرق لإيصال الخدمات ولا يمكن أن تتخذ من عدم إمكانية الوصول، كعذر، لعدم الوصول للأشخاص الأشد احتياجا".
وقال ساعاتجي أوغلو، أحيانا نصل بسهولة وأحيانا لا نصل، لكن في النهاية، استطعنا الوصول إلى مناطق صعبة الوصول بالتنسيق مع السلطات والشركاء الصحيين".