خلطت الصواريخ الباليستية السبعة التي أطلقتها جماعة "أنصار الله" (الحوثي) على السعودية، ليل الأحد الماضي، أوراق الحرب اليمنية مع أولى ساعات عامها الرابع، وفتحت المجال أمام سيناريوهات مبهمة لواحدة من أكثر أزمات الشرق الأوسط تعقيدا.
علاوة على الإرباك، الذي سببته للمساعي الدولية المكثفة مؤخرا لانعاش عملية السلام وطرح حل تفاوضي سلمي ينهي الأزمة، قد تعيد الصواريخ الحوثية الوضع العسكري إلى مربع الصفر، مع تأكد التحالف العربي، بقيادة الجارة السعودية، أن شوكة الحوثيين، المتهمين بتلقي دعم إيراني، لم تنكسر بعد.
ورغم اعتراضها جميعا، واقتصار خسائرها البشرية على قتيل واحد مصري الجنسية، إلا أن صواريخ الحوثي الأخيرة أصابت الإقليم والدول الكبرى بصدمة كبيرة، خاصة بعد اتجاه أصابع الاتهام كالعادة صوب إيران، أبرز حلفاء جماعة الحوثيين.
وخلافا لسابقتها، لم تُحدث الهجمات الجديدة ردة فعل فورية من السعودية ضد الحوثيين، فالطلعات الجوية للتحالف لم تشهد حضورا كثيفا، كما كانت العادة عقب كل صاروخ حوثي يطلق صوب المملكة، ولم يفرض التحالف حظرا على المنافذ البحرية الخاضعة للحوثيين، كما كانت ردة فعله عقب صاروخ نوفمبر/ تشرين ثان الماضي.
وبدا ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يزور واشنطن، غير مكترث بشكل كبيرة بالصواريخ الحوثية، ففي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، ليل الثلاثاء، اعتبر الأمير تلك الصواريخ "محاولة أخيرة يائسة من جانبهم".
** إدانات وأغراض متعددة
قوبلت الهجمات الصاروخية الحوثية المتزامنة على أهداف سعودية متفرقة بتنديد إقليمي ودولي كبير، لكن الأغراض اختلفت من طرف إلى آخر.
بدا حلفاء الرياض من الدول الكبرى قلقين من الطموح الإيراني، المتهم في المقام الأول بإرسال الصواريخ إلى الحوثيين، وضرورة معاقبة طهران، ولو بوقف البرنامج النووي الإيراني.
لكن رعاة السلام، الذي عملوا طيلة الأشهر الماضية على تهيئة الأجواء لإنعاش الحل السياسي والمجىء بمبعوث أممي جديد، كانوا أكثر قلقا من انهيار فرص السلام، الذي كان قد بدأ يلوح أكثر من أي وقت مضى.
وبشدة، أدن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الهجمات الحوثية، وقال إن التصعيد العسكري ليس الحل.
واعتبر الاتحاد الأوروبي هذا الهجوم "عملا استفزازيا آخر"، يتعارض مع دعوات المجتمع الدولي إلى حل سلمي وتفاوضي للأزمة.
وفيما وصفها الاتحاد بأنها "سابقة في خضم الصراع"، أعرب عن أمله بأن "لا تثني تلك الأعمال من يعملون على إيجاد تسوية سياسية للصراع".
بينما لم يصدر أي تعليق عن مبعوث الأمم المتحدة الجديد الخاص باليمن، مارتن جريفيث، المتواجد في صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
وهو صمت آثار سخط الحكومة اليمنية الشرعية، التي قالت، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام سعودية، إن هذا الصمت قد يقودها إلى دراسة طلب تعليق مهام جريفيث.
واستثمرت الحكومة إطلاق تلك الصواريخ في دعوة المجتمع الدولي إلى الضغط على "مليشيا الحوثي" من أجل الجنوح إلى السلام، وذكرّت بأن لدى الحوثيين سوابق في خنق فرص السلام.
وطبقا لمصادر مقربة من مكتب المبعوث الأممي، للأناضول، فقد أبدى جريفيث إنزعاجه من الصواريخ الباليستية، لكنه سيواصل زيارته لصنعاء، بعد أن زار الرياض، على أن تكون أبوظبي هي محطته الثالثة.
** وعيد الحوثيين
عشية الذكرى الثالثة لانطلاق عملية التحالف العربي "عاصفة الحزم" لدعم القوات الحكومية، في 26 مارس/ آذار 2015، توعد زعيم جماعة الحوثي، عبد الملك الحوثي، بقدرات تغير مسار المعركة، وضمنها صواريخ باليستية، إضافة إلى تطويرهم لمنظومة الدفاع الجوي.
وبعد ساعات، نفذت الجماعة وعيدها بإطلاق سبعة صواريخ صوب السعودية، وقبلها هاجمت مقاتلة للتحالف العربي في سماء صعدة (شمال) بصاروخ أرض جو، لكن الطائرة عادت إلى قواعدها بعد إصابتها، حسب التحالف.
ووفقا لمصادر عسكرية، فقد خططت جماعة الحوثي لذلك اليوم منذ أشهر، لرفع الروح المعنوية بين أنصارها، عشية حشد جماهيري في صنعاء، وأيضا لتحفيز القبائل على الدفع بمقاتلين جدد.
** تغير في الميزان العسكري
وفق الباحث والمحلل السياسي اليمني، نبيل الشرجبي، فإن الصواريخ الحوثية تكشف عن تغير في الميزان العسكري الجوى، لكنه لن يؤثر كثيرا على سير المعركة، وخصوصا مع بقاء التفوق النوعى لقوات التحالف.
وأضاف الشرجبي، في حديث للأناضول، أن "المعركة ستدخل نفقا آخر، ولن تميل إلى جهة السلام، لأن الشرط الأساسي والمهم للتحالف عامة، والسعودية خاصة، هو نزع سلاح الحوثيين، لكن مانراه هو إثبات عكس ذلك، وهو ما يعنى تمسك التحالف بذلك الشرط أكثر مماسبق".
وبخصوص نوعية السلاح لدى الحوثيين، أعرب الشرجبي عن اعتقاده بأن "الحوثيين قد يكونوا لديهم هذا النوع من الصواريخ منذ بدء الحرب، أو تمكنوا من الوصول إليها بعد أن قتلوا (في 4 ديسمبر/ كانون أول 2017 حليفهم الرئيس علي عبد الله) صالح (1978-2012)، إذا كانت في مخازن سرية".
وختم بالتشديد على أن "الشيء المؤكد هو أن هذه الصواريخ يتم تطويرها على الأراضي اليمنية، سواء بخبرات إيرانية، بعد دخولها على شكل قطع صغيرة إلى اليمن، أو غيرها، فلا يتم إخالها على شكل صواريخ جاهزة".