استيقظ سكان العاصمة صنعاء، على أتون ازمة جديدة، تمثلت في ارتفاع أسعار الغاز المنزلي، والذي وصل سعر الاسطوانة الواحدة، 20 لتر، الى 7000 ريال، في ظل انعدامها في معظم المحطات الرئيسية بشكل مفاجئ، وتوفرها بشكل محدود في بعض المحطات الأخرى، التي تبيعها في السوق السوداء.
وازدهرت تجارة السوق السوداء التي يديرها الحوثيون في العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتهم، حيث تدر عليهم أرباحا طائلة إلى درجة غير مسبوقة، تعكس ما يُعرف بـ" اقتصاد الحرب" الذي يشمل كيانات اقتصادية موازية تعد أهم مورد مالي بالنسبة للحوثيين.
حيث يجني الحوثيون ملايين الريالات يوميا من بيع الغاز المنزلي عبر السوق السوداء التي يسيطرون عليها والتي انتشرت فيها المحطات المتنقلة بالأحياء كما في صنعاء بعدما منعوا شركة الغاز من احتكار توزيعه للمستهلكين عبر محطاتها الخاصة.
وتشير إحصائية أجرتها الشركة اليمنية للغاز إلى وجود 647 محطة تعبئة للغاز غير مرخصة، في مديريات أمانة العاصمة وتحتل مديرية السبعين المرتبة الأولى في عدد المحطات بنحو 145 محطة. وتؤدي نسبة الربح الكبيرة التي يجنيها أصحاب المحطات إلى زيادة انتشارها.
ابتزاز التجار
وبحسب مصادر خاصة، فان ارتفاع اسعار الغاز المنزلي بصنعاء، جاء بعد ساعات فقط، من اجتماع عقده، القيادي الحوثي، حسين عبد الله مقبولي، والذي يعمل نائبا لرئيس الوزراء وزير المالية في حكومة المليشيا الحوثية، غير المعترف بها دوليا، مع تجار الغاز بصنعاء، والذي نشرته وكالة سبأ، الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وأوضح المصدر لـ"يمن شباب نت"، أن الأهدل، هدّد بمعاقبة تجار بيع الغاز، وهو الأمر الذي دفع أصحاب المحطات لإغلاقها، نتيجة خلاف لم يُكشف سببه، لكنه لم يخلوا من محاولة من الحوثيين لإجبار التجار على دفع ضرائب هائلة، ومجهود حربي، وغيرها من المسميات التي يتم نهب التجار تحت لافتاتها المختلفة.
مصادر أخرى، في العاصمة صنعاء، كشفت عن نهب مليشيا الحوثي، لتاجر الغاز "المفزر"، مبلغ مليار ريال، الشهر الماضي، كمجهود حربي؛ حتى يتم السماح له في مواصلة عملة في مجال استيراد الغاز، وهو الامر الذي يدفع هؤلاء التجار لعكس هذه الأموال التي يدفعونها للحوثيين على أسعار الغاز، والذي يتحمل نتيجتها المواطن المغلوب على أمره.
عاصمة الحطب!
وأدى ارتفاع أسعار الغاز المنزلي، في العاصمة صنعاء، الى لجوء كثير من الأسر لاستعمال "الحطب"، و"الكراتين"، وغيرها من الوسائل التقليدية؛ لطباخة وطهي الطعام، حتى باتت تُعرف صنعاء، بـ"عاصمة الحطب"، كما توضح ذلك الصور التالية.
حيث تداول ناشطون، صورا تظهر كميات كبيرة من الحطب، في عدد من شوارع العاصمة صنعاء، إذ بات "الحطب" السلعة الرائجة، والتي يقبل المواطنين على شرائها؛ لاستخدامها في عملية الطبخ المنزلي، بدلا عن الغاز، الذي ارتفعت أسعاره بشكل كبير، وصل سعرها الى 6500 ريال، وبات الحصول عليها يحتاج الى جهد ومشقة كبيرة، خصوصا مع انقطاع مرتبات الموظفين.
وفي هذا الصدد، علق الناشط والصحفي، فاروق الكمالي، على الصورة التي التقطتها عدسته للحطب في العاصمة بالقول: "صنعاء يا مدينة الحطب". مضيفا "أولها حطب، وأخرتها فحم".. مؤكدا أن صنعاء وفي عهد المليشيا الحوثية أضحت "مُظلمة يعني مُظلمة". حسب قوله.
امبراطورية مالية
باتت المشتقات النفطية والغاز والكهرباء الخاصة، أهم الموارد المالية للمليشيا الحوثية، والتي مكّنتها من تكوين امبراطورية مالية، كان "يمن شباب نت"، قد كشف عنها في تقرير سابق، بهذا الخصوص.
حيث أكد مصدر في شركة الغاز "صافر" أنهم يوزعون الغاز المنزلي بسعر لا يتعدى 1060 ريال للأسطوانة (عبوّة 20 لتراً)، لكن الحوثيين يفرضون رسوم جمركية على ناقلات الغاز التي تأتي من مأرب، كما يتلاعبون بأسعار أسطوانات الغاز المنزلي في المحافظات الخاضعة لسيطرتهم.
وأوضح المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ"يمن شباب نت" أن السعر الرسمي للشركة يفترض بعد إضافة إيجار القاطرات وتكاليف لجان الضبط والمرافقة إلى المحطّة المرسلة إليها القاطرة، وأجور "الشركة" والسلطة المحلية ومالكي المحطّات والنقل من تلك المركزية إلى مراكز التوزيع في الشوارع والحارات يفترض أن يصل إلى المواطن بنحو 1500 ريال وهو الحاصل في مناطق سيطرة الشرعية.
وبلغة الأرقام، كشف المصدر أن الشركة تنتج من مادة الغاز المنزلي نحو 75 قاطرة غاز يومياً، تذهب أكثر من 60 % منها يومياً إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين، وتشكل ما نسبته 70 في المئة من الإنتاج الكلي للشركة، موضحاً أن نحو 30 ألف اسطوانة تُباع يومياً في أمانة العاصمة صنعاء لوحدها فقط.
وأكدت الشركة اليمنية للغاز في 11 من فبراير من الشهر الجاري، أنه لا يوجد أي تغيير في أسعار الغاز المنزلي، مشيرة أن الانتاج من صافر يغطي احتياجات جميع محافظات الجمهورية، داعية السلطات المحلية في المحافظات لمتابعة المخالفين وضبطهم.
وتنتج شركة صافر نحو 40 ألف برميل نفط يومياً من القطاع 18 في محافظة مأرب، كما تنتج الغاز المنزلي بطاقة إنتاجية قدرها 800 طن متري يومياً، يتم تخصيصها للاستهلاك المحلي، وتعد المنتج الوحيد للغاز الطبيعي المسال والمصدّر إلى محطة التسييل في منطقة بلحاف بمحافظة شبوة، وتصدر الشركة ما يقارب مليار قدم مكعبة يومياً.
?وتقدر المصادر، أن الحوثيين ينهبون نحو ملياري ريال من فارق بيع الغاز شهريا.
شركة الغاز: الاسعار ثابتة
وحاولت مليشيا الحوثي، التخلص من الغضب المجتمعي المتزايد، جراء ارتفاع اسعار الغاز المنزلي، تارة بإرجاع سبب الارتفاع الى ما تصفه بـ"العدوان"، في اشارة الى التحالف العربي بقيادة السعودية، وأخرى بما تقول أنه ارتفاع أسعاره من مقر الشركة الرئيس في مارب، وهو الأمر الذي جعل الشركة تصدر بيان توضيحي حول هذه المزاعم التي ترمي بها مليشيا الحوثي، للتخفيف من الغضب الشعبي المتزايد، جراء تلاعبها بأسعار هذه السلعة الاساسية.
وفي هذا الإطار، أعلنت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي، أن أسعار الغاز المنزلي لم تتغير بعد أن تصاعدت الأسعار بشكل جنونية. مؤكدة في بيان لها في وقت سابق، "أن سعر اسطوانة الغاز لا يوجد تغير فيها، وأن أي محطة تقوم برفع السعر سيتم وقف تموينها بالغاز".
ودعت الشركة، السلطة المحلية في المحافظات، متابعة المحطات وضبط المخالفين". مشيرة إلى "أن الانتاج من صافر يغطي كافة احتياطات محافظات الجمهورية"، وأهابت الشركة بـ"أن لا ينجر المواطنين وراء الدعايات المغرضة". حسب قولها.
تحركات حكومية دون جدوى
وإزاء العبث الذي تمارسه مليشيات الحوثي الانقلابية بمادة الغاز المنزلي المرتبطة ارتباطاً أساسياً بأقوات المواطنين، احتضنت محافظة مأرب، نهاية يناير المنصرم، اجتماعات مكثّفة لمحافظي محافظات إقليمي (تهامة وآزال)، مع وزارة النفط ممثلة بالشركة اليمنية للغاز بمأرب، وذلك من أجل تدارس الوضع المتعلق بمادة الغاز المنزلي، وطرق إيصالها إلى المواطنين، تحت رقابة السلطات الشرعية، وبالأسعار الرسمية.
حيث عقدت السلطات المحلية بإقليمي (تهامة وآزال) ، مؤتمرًا صحفيًا بمدينة مأرب أطلعت من خلاله الرأي العام على نتائج تلك الاجتماعات، وأعلنت عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة لضبط أسعار الغاز المنزلي وضمان وصوله إلى المواطنين في مناطق سيطرة الانقلابيين بأسعارها المحددة من قبل الشركة المنتجة.
وأشار محافظو إقليمي تهامة وآزال، إلى أن الغرفة المشتركة تأتي ضمن آلية متكاملة للإشراف والرقابة على الغاز المنزلي بدءً تحميله بصافر وحتى وصوله إلى المحطات المخصصة في المحافظات وبيعه للمواطنين بالسعر الرسمي.
وخلال المؤتمر أوضح محافظو إقليم تهامة وآزال أن هذه الآلية الجديدة تهدف إلى وضع حد لما وصفوه بالإجرام الذي تمارسه مليشيا الحوثي الانقلابية بحق المواطنين وبيعها الغاز المنزلي بأسعار مضاعفة تفوق خمسة الاف ريال، مؤكدين بأنهم سيقومون بضبط المخالفين وتوقيف محطاتهم وفقا لرصد غرفة العمليات وشكاوى المستفيدين.
كما أشاروا إلى أن الاجتماعات المكثفة للجهات ذات العلاقة، أقرت ربط كافة التعاملات المتعلقة بالغاز بالسلطات المحلية في المحافظات المذكورة وممثليها ومندوبيها في مأرب، وتبليغ كافة المحطات بذلك.. محملين مليشيا الحوثي مسؤولية إحداث أي خلل في إجراءات وصول المادة إلى المواطنين بأكثر من سعرها الرسمي.
ورغم هذا التحرك الحكومي المحدود؛ إلا أن المعطيات على الأرض تؤكد عدم قدرتها على ضبط أسعار الغاز المنزلي، في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا الحوثية، وربما فشلت تلك الخطوات، خصوصا إذا لم تتخذ اجراءات اكثر فاعلية على الأرض، بحيث تشمل في اطارها كل الجهات المختصة، للعمل لما من شأنه وقف عبث الحوثيين في أسعار الغاز المنزلي.