موقع أمريكي: في ظل حظر دخولهم أمريكا نتيجة التهديدات الإرهابية.. اليمنيون ضحايا هجمات الإرهاب (ترجمة خاصة)

[ مواطنون يمنيون في مدينة عدن جنوب اليمن (وكالة فرانس برس) ]

كان "خلدون غالب" جالساً على الرصيف خارج منزله في اليمن ذات صباح هادئ اواخر شهر نوفمبر عندما اقترب منه متطرفين اثنين يستقلان دراجة نارية وأطلقا النار عليه مرتين في مؤخرة رأسه.
 
حيث كان خلدون البالغ من العمر 37 عاماً وهو حارس أمن في سجن حكومي، ينظر في جواله في انتظار راتبه الشهري. حيث انه كان قد اشتكى لأخيه الاكبر مأمون بأنه لم يكن يملك أي مال لشراء القات -المخدر المنتشر في اليمن، وقد دخل مأمون الى داخل منزل عائلتهم كي يجلب بعض النقود ليقرض اخاه.
 
لكنه عندما عاد، كان خلدون ملقىً على الرصيف ينزف من مؤخرة رأسه. وقد كانت تلك هي الصورة التي سينشرها الفرع المحلي لتنظيم الدولة الاسلامية، الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم، عبر قنواته الاعلامية الخاصة والتي نشرت فيما بعد بواسطة وسائل اخبارية يمنية.
 Khaldoon-son-1518559392
وقد سارع مأمون بنقل خلدون الى المستشفى لكن كان الاوان قد فات فقد أعلن الاطباء عن وفاة اخيه الاصغر.
 
في مدينة نيويورك التي تبعد عن مدينة وميناء عدن جنوب اليمن أكثر من 7 الاف ميل، لم يستطع محمد غالب وهو والد الاخوين تصديق الاخبار. وكان الرجل الذي يملك الجنسية الامريكية والبالغ من العمر 73 عاماً قد هاجر في عام 2008 بعد عقد منذ ان تزوجت واحدة من بناته بيمني يحمل الجنسية الامريكية ومن ثم انتقلوا الى ولاية ميتشغن.
 
وقد قدم محمد غالب طلباً من اجل ان يلحق به خلدون في العام 2009 حيث لدى محمد خمسة اطفال اخرين في اليمن لكنه اختار خلدون لان ابنه الاوسط كان الاشد حاجة للعمل كما ان محمد لم يشأ ايضاً ان يحاول مجدداً فقد عرف كم انه لأمر صعب وطويل المدة ان تتم عملية ادخال حتى شخص واحد من العائلة الى الولايات المتحدة.
 
وقد قال محمد " لقد كنت انتظره منذ سنين، حتى اتى اليوم الذي قتلوه فيه".
 
واثناء جلوسه في المطبخ في الطابق الارضي في قلب ولاية بروكلاين فقد عرض محمد على هاتفه الجوال صورة لخلدون وهو يمسك بطفله الصغير.
حيث اغرورقت عينا غالب الاب المسن بالدموع عندما قام بتقبيل الشاشة وهمس قائلاً " ابني، ليس سهلاً لي الحديث عنك فذلك يؤذيني كثيراً جداً".
 
 التأشيرات المتعلقة بأطفال المتزوجين من الاشخاص الذي يحملون الجنسية الامريكية قد تحتاج لأكثر من عقد من الزمن لإتمامها، فبعد ان سلم غالب اختبار فحص الحمض النووي DNA وأجرى مقابلتين بخصوص الهجرة وانتظر لثماني سنين، أعلن الرئيس ترامب قرار حظر السفر في يناير 2017 والذي منع مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة بما فيها اليمن من دخول الولايات المتحدة.
 
وقد سمحت المحكمة العليا بأن يتم تطبيق النسخة الثالثة من قرار الحظر في ديسمبر، مما أوقف جميع تأشيرات المهاجرين اليمنيين.
 
وقد ترك حظر السفر عائلات كعائلة غالب عالقة ًفي حرب قتلت الالاف وخلقت ازمة انسانية جوعت الملايين.
 
وقد ملأت الجماعات المتطرفة الفراغ في السلطة الناجم عن الصراع حيث ينشط تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية منذ عام 2009 وازداد قوة في الوقت الذي يضعف فيه داعش في العراق وسوريا، كما استغل الفرصة من اجل التحرك باتجاه المنطقة والقيام بالتجنيد في العام 2015.
 
حيث كانت تلك التهديدات الارهابية هي مبرر قرار ترامب بحظر السفر غير ان تلك السياسة قد تركت اليمنيين الذين لديهم رؤى ً ليبرالية اضافةً الى فروع الحكومة عرضة للمتطرفين.
 
وقال زيد ناجي وهو ناشط في الجاليات ونائب رئيس رابطة التجار اليمنيين الامريكيين في مدينة نيويورك "جزء من سبب عدم قبولنا في الولايات المتحدة هو حقيقة انهم يقولون اننا مرتبطون بالإرهابيين ونحن هنا نقتل من قبل الإرهابيين".

 Mohamed-Gahleeb-at-home-in-Brooklyn-1518559479
حتى اليمنيون الذين ربما يتم تأهيلهم لتتم اعادة توطينهم كلاجئين يواجهون احتمالات قاسية. ففي قرار ترامب التنفيذي الاول بخصوص الهجرة والذي سُمح بأن يدخل حيز التنفيذ في يوليو 2017، حظر ترمب جميع تصاريح اللجوء لمدة 120 يوماً. وعندما انتهى ذلك في نوفمبر وضع نسخة معدلة لمدة 90 يوماً بخصوص 11 دولة يعتقد بخطورتها العالية بما فيها اليمن. وعلى الرغم من أن ذلك يترك الباب مفتوحاً امام امكانية تصاريح اللاجئين فقد اظهر تحقيق لوكالة رويترز في ديسمبر بأنه حتى عندما تم رفع الحظر تناقصت تصاريح اللجوء.
 
وبحسب مكاتب الهجرة والمواطنة الامريكية فلم يتم اعادة توطين واسكان سوى 16 يمنياً كلاجئين في السنة المالية 2015 اضافةً الى 26 في 2016 و21 في 2017، ولا أحد حتى الان في السنة المالية الجارية.
 
وقال محمد غالب ان اليمنيين عاشوا في ظل وجود الارهاب لقرابة العقد من الزمن.
 
واضاف" الارهابيون في كل مكان، انهم يحبون ان يجعلوا الناس تخاف ويرغبون ان يقتلوا. هؤلاء اناس يعتقدون انهم مسلمون لكن الله لا يقول بأن تقتل شعبك واهلك. لا نعرف ما الذي يريدونه " كما انه (محمد غالب) لا يعرف لماذا استهدفوا ابنه.
 
وكان مقتل خلدون غالب قد تلا سلسلة من الهجمات ضد مدنيين وقوات امنية تابعة للحكومة في عدن في نوفمبر 2017.حيث ادعى الفرع اليمني المحلي لداعش مسؤوليته عن تفجيرين انتحاريين وعمليتي اغتيال على الاقل، بما فيها اغتيال خلدون برغم عدم وضوح الدوافع وراء ذلك.
 
اليزابيث كيندل وهي باحثة رفيعة لدى جامعة اكسفورد والتي ترصد المتطرفين في اليمن قالت بأن الاغتيالات برزت لأن هجمات الارهابيين قد تقف وراءها دوافع تتعلق بالخصومة السياسية او النشاط الاجرامي، لكن من الصعب معرفة ذلك في ظل فوضى ولغط الحرب.
وتلخص هذه القصة المعقدة ازمة اليمن المتشابكة التي تغير فيها الاطراف تحالفاتها بانتظام. فعندما اوشكت الحرب على الاندلاع في اواخر 2014 ,انضم خلدون الى القوات الحكومية في القتال ضد المتمردين الحوثيين والرئيس السابق صالح.
 
كما أن عائلة (غالب) هي من المؤيدين المتحمسين لجنوب اليمن الذي كان دولة مستقلة حتى الوحدة عام 1990. ويحلم محمد غالب، الذي يرحب بالدعم الامريكي والسعودي للحرب ضد الحوثيين، بجنوب يمن مستقل مجدداً ذات يوم. وقد احتفل عندما حاول جنود انفصاليون جنوبيون تدعمهم الامارات، القيام بما اسماه رئيس الوزراء "انقلاب " على حكومة عدن وذلك في يناير 2018(حيث لايزال القتال مستمراً في المدينة).
 
ووسط هذه الفوضى فقد ازدهرت الجماعات المتطرفة. حيث أوضح جيرالد فايرستاين السفير الامريكي الاسبق اليمن خلال الفترة ما بين 2010 حتى 2013، بأن انهيار الحكومة قد قوض من جهود ومحاولات محاربة الارهاب.
حيث أخبر فايرستاين موقع ذا انترسيبت قائلاً " لقد استطاعوا توسيع وجودهم في اماكن ومناطق تأثرت بالصراع الاهلي على وجه الخصوص حيث المستوى الضعيف لسيطرة الحكومة. وبسبب انهيار البرنامج اليمني القوي لمكافحة الارهاب بالشراكة معنا ومع اخرين، فقد كان بمقدورهم (الجماعات الارهابية) استعادة المناطق التي خسروها".
 
وقد استهدفت السياسة الخارجية الامريكية منذ ما بعد الحادي عشر من سبتمبر الارهابيين المزعومين بضربات جوية وهجمات برية.  ومنذ العام 2002 قتلت الطائرات بدون طيار على الاقل 1000 من المقاتلين اضافةً الى أكثر من 100 مدني في اليمن، بحسب تقديرات مجموعات لجان الرقابة، ووتشدوغ غروبس.
 
أما في عهد ترامب فقد تصاعد عدد هجمات مكافحة الارهاب بقوة. حيث بعد اسبوع من توليه منصبه، انتهى هجوم لاقى انتقادات واسعة بمقتل واحدٍ من افراد البحرية الامريكية بالإضافة الى مقتل 16 مدنياً يمنياً على الاقل. كما تضاعفت ضربات الطائرات بدون طيار بنسبة ثلاث مرات من العام 2016 حتى 2017 .وفي يناير 2018 نفذت القوات الامريكية 10 غارات جوية استهدفت داعش وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
 
وبحسب كيندل، التي ترصد تقارير الاخبار ووسائل الاعلام التابعة للمتطرفين، فهناك دليل على أن الضربات ربما كانت فعالة في إضعاف تلك الجماعات.
 
وقد تحدثت كيندل لموقع ذا انترسيبت قائلةً "حالياً تقع كلا الجماعتين (القاعدة وداعش) تحت ضغط كبير جداً."
 
وقد تتبعت كيندل قادة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الذين قتلوا بطائرات بدون طيار وتم استبدالهم برجال أصغر سناً بشكل متزايد اضافة الى ملاحظة التكتيكات المتغيرة لكلا الجماعتين.

 Yemenis gather at the scene of an explosion near a security post in the southern port city of Aden on November 14, 2017. / AFP PHOTO / NABIL HASSAN        (Photo credit should read NABIL HASSAN/AFP/Getty Images)
وبحسب دراستها فقد غير تنظيم القاعدة هدفه من استهداف الحوثيين الى استهداف القوات المدعومة اماراتياً نتيجة التهديد الذي تشكله للجماعة المتطرفة. أما داعش فقد تحول من التفجيرات الانتحارية في اوساط المدنيين باتجاه قتال الحوثيين -باستثناء الحادثة العنيفة التي قتلت خلدون في نوفمبر.
 
إلا أنه وبعد أكثر من 15 سنة منذ اول ضربة جوية امريكية في اليمن، يستمر المتطرفون في النمو والتطور حيث ان خبراء مثل كيندل وفايرستاين يسارعون بالإشارة الى ان هجمات مكافحة الارهاب تفشل في معالجة الاسباب الجذرية للتطرف الذي يغديه اللا استقرار السياسي اضافةً الى الازمة الانسانية الحالية.
 
وقد قال فايرستاين " إذا كنت ماضٍ في تحقيق نجاح طويل الامد على المدى البعيد وكنت في طريقك لكي تجتث فعلاً البيئة العملياتية لتلك الجماعات، فإنه يتوجب عليك أن تنخرط في أمورٍ اخرى مثل بناء القدرة المؤسساتية وتطوير النظام والقانون وتوفير الخدمات وإقناع الناس بأن مصالحهم تتحقق بشكل أفضل من خلال دعم الحكومة والتعاون من اجل إنجاز ذلك".
 
وحتى حين يصبح ذلك ممكناً، لايزال المتطرفون اليمنيون ينشطون -ولايزالون قتلة مخيفون. حيث قال محمد غالب انه يخشى على سلامة اطفاله الخمسة الذين لايزالون في اليمن.
وأضاف "لا يمكنني ان ادعهم يبقون هناك لأنهم مطلوبين، ربما مثل اخيهم. وطالما انهم قتلوه، ربما يريدون قتل الاخرين ايضاً انا أخشى على العائلة كلها".
 
ويريد محمد ان يجلب زوجة خلدون وولده الى الولايات المتحدة، لكن حتى تقوم المحكمة العليا بالنظر في قرار حظر السفر ومعالجته، سيبقوا عالقين بين مطرقة الارهاب وسندان الحرب.
 
 
*لقراءة المادة من موقع الانترسبت الأمريكي اضغط هنـــا

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر