كغيرها من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الانقلابين، كان من الطبيعي أن تتماهى مواقف حزب المؤتمر الشعبي العام وميليشيات الحوثي، في محافظة إب، وسط اليمن، باعتبارهما شريكين في الانقلاب على السلطة الشرعية منذ سبتمبر 2014..
إلا أن ما هو لافت، الأن، أن يواصل حزب المؤتمر، في محافظة إب، تماهيه مع ميليشيات الحوثي حتى بعد انقلابها عليهم، واغتيالها زعيمهم ورئيس حزبهم علي عبد الله صالح، مطلع شهر ديسمبر الماضي...!!
لماذا، وكيف حدث ذلك؟ هذا ما نحاول هنا توضيحه، بداية بكشف أبرز المواقف الحديثة لقيادات حزب المؤتمر في محافظة إب، وصولا إلى تحديد الأسباب التي أدت إلى ذلك؟
مظاهر التماهي والانصهار
تُعد محافظة إب واحدة من المحافظات التي يمتلك فيها حزب المؤتمر أغلبية عددية في الأعضاء والمناصرين وقيادة السلطة المحلية.
وباتصال هاتفي من رئيس الحزب السابق "علي عبد الله صالح"، سلمت قيادات الحزب المحافظة إلى ميليشيات الحوثي، في 15 أكتوبر 2014م، لقاء صفقة تستمر بموجبها قيادات المؤتمر في هرم السلطة المحلية تحت لافتة ميليشيا الانقلاب، التي اكتفى فيها الحوثيون، بداية، باستلام الملف الأمني، ليسيطروا من خلاله، لاحقا، على كافة تفاصيل المحافظة.
وبأدوات وشخوص المؤتمر، أحكمت ميليشيات الحوثي الانقلابية قبضتها على المحافظة، تدريجيا، على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهي تواصل ذلك اليوم بالطريقة والآلية ذاتها، وربما بشكل أفضل من قبل.
فمن الواضح أن قيادات الحزب في إب، ليس فقط لم تتخذ مواقف مناهضة للميليشيات نتيجة انقلابها الأخير على الحزب في صنعاء، بل أكثر من ذلك يمكن ملاحظة أنها ذهبت حدا أبعد من ذي قبل في تطابق مواقفها مع الميليشيات على الصعيدين المحلي (في إب)، والعام (في مختلف أنحاء البلاد).
حتى يكاد المتابع الجزم أنه لم يعد ثمة وجودا فعليا لحزب المؤتمر في إب، وأن قياداته ووجاهاته الاجتماعية قد تحولت- دون أدنى شك- إلى بيادق بيد الحوثيين، لدرجة أنهم لم يتورعوا عن الخروج في فعاليات تحتفي بمقتل زعيمهم جنباً إلى جنب مع قاتليه.
فعقب مقتل صالح، مباشرة، اجتمعت قيادات فرع الحزب في إب، وأعلنت تمسكها بالتحالف مع قتلته، مؤكدة- في اجتماعها ذاك- رفد جبهات الحوثيين بالمقاتلين ودعمهم بالمال!! في حين سارعت قيادات الحزب وكتلته النيابية إلى عقد اللقاءات مع قيادات الحوثيين وتطبيع الأمور معهم.
توالت الاجتماعات والمواقف المتطابقة. ومؤخراً عقد محافظ الانقلابيين ورئيس فرع الحزب السابق، عبدالواحد صلاح، لقاءاً رسمياً مع قيادات السلطة المحلية ومدراء المديريات وقيادات حزبه ومشرف الحوثيين بالمحافظة، خصص لإقرار التجنيد الإجباري ودفع الشباب والطلاب وخريجي الجامعات إلى جبهات القتال، وتشكيل غرفة عمليات موحدة مع الحوثيين لذات الغرض.
ما وراء الأكمة
لم يكن المؤتمر في إب حليفاً للحوثيين في انقلابهم فحسب، بل كانوا شركاء فساد ومصالح. فخبرة المؤتمر في الفساد من خلال إدارتهم للمحافظة منذ عقود، شكلت لهم لبنة أساسية لمواصلة تحالفهم، على نحو خاص في إب، رغم كل العوائق التي واجهت مسيرة التحالف الانقلابي.
وبشكل خاص، مقارنة ببقية المحافظات الأخرى تحت سيطرتهم، تحظى علاقات حليفي الانقلاب في محافظة إب بنوع من التفاهم والانسجام والتماهي، نتيجة وجود مصالح مشتركة بينهما. طبقا لبعض المراقبين.
وكشفت مصادر مطلعة، لـ"يمن شباب نت"، أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى ما يسمى بـ"البيعة" لزعيم الحوثيين، والتي أخذت من عدد من قيادات حزب المؤتمر في المحافظة أثناء الزيارات المكوكية التي قامت بها إلى صعده لهذا الغرض، إضافة إلى الدورات الطائفية التي تم تلقينها لعدد من مسؤولي الحزب في صنعاء وإب.
ومع تنامي دور الحوثيين وتحكمهم في إدارة الدولة، بعد أن مكنّهم "صالح" منها، لينقلبوا عليه لاحقاً ويقتلوه، فقد سهل ذلك على الحوثيين التهام الحزب والتحكم به. وشكلت محافظة إب نموذجا مثاليا حيث كانت الأسهل لهم، نظرا لما سبق الإشارة إليه من عوامل مهدت وساعدت على تمتين العلاقة بين الطرفين.
أدوات الماضي.. سلاح الحاضر
وبالإضافة إلى ذلك، ثمة أمر آخر يتعلق بأولئك المشايخ في محافظة إب الذين يُحكمون قبضتهم على حزب المؤتمر، وقد استخدمهم "صالح" في السابق في توسيع حضوره بالمحافظة وتحويل إب إلى صندوق انتخابي كبير.
ولأن معظم أولئك المشايخ ينحدرون من أسر معروفة تنتمي لمحافظات شمال الشمال، فقد انعكس ذلك لاحقاً على الوضع الراهن للحزب والمحافظة، من خلال تسهيل عملية التهام المليشيات الحوثية لكليهما، على حد سواء.
وفي حين يؤكد الكاتب "ماجد الشعيبي"، وهو من أبناء إب، على حقيقة أن "محافظة إب كانت من أكبر الحاضنات الشعبية للمؤتمر"، إلا أنه يرجع الزخم الجماهيري الذي حظي به المؤتمر في إب ليس كحزب "وانما بسبب كاريزما صالح وشخصيته المسيطرة".
لذلك يرى الشعيبي، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن ما يحدث الآن هو "عبارة عن تأجير أو بيع هذه القاعدة الشعبية للحوثيين من قبل من يديرون المؤتمر في محافظة إب"، مؤكدا على أن "قيادة المؤتمر في المحافظة تحولت إلى أداة طيعة بيد الحوثيين، وكل هذا لأنهم قيادة انتهازية كانت أجيرة لدى صالح ولم يكن ولائها للحزب".
وبالتالي، يشير الشعيبي، إلى أنه وبمجرد رحيل شخص "صالح"، انهار الحزب في المدن الواقعة تحت سيطرة المليشيات، وأغلب قيادات الحزب وأعضاؤه تحوثوا واندمجوا مع الحركة الحوثية بطريقة غير مسبوقة. حسب وصفه.
أسباب أخرى.. بينها الشرعية
ويقدم آخرون تفسيرات أخرى، ضمن الأسباب التي ساهمت في ذوبان مؤتمر إب في بطن المليشيات الحوثية، منها أن تماسك كتلة المؤتمر وتوحدها في صف الانقلاب، كان بالأساس يرجع إلى نفوذ وقوة "صالح" بدرجة رئيسية، في مقابل غياب أو انعدام أي قيادات كبيرة تمتلك القوة والنفوذ الموازي في صف الحكومة الشرعية.
وهو ما يذهب إليه الناشط في المجال الإعلامي "أمجد الجحافي"، الذي يرى أن مؤتمر إب ظهر ككتلة واحدة متماسكة في صف الانقلابيين، خلال الأحداث التي شهدتها البلد منذ انقلاب الحوثيين، بحكم تحكم صالح بالقرار في الحزب.
ويضيف لـ"يمن شباب نت": وللأسف الشديد، فإن ضعف التواصل الحكومي كان سببا رئيسيا في بقاء هذه الكتلة متماسكة في صف الانقلاب، رغم مقتل زعيم الحزب. ما يعني- في نظره- أن قيادات المؤتمر، جناح "هادي" والسلطات الحكومية، عجزت في فتح قنوات تواصل مع القيادات المؤتمرية الراضخة في الداخل، والعمل على فتح ممرات آمنة لإخراجهم من المحافظة، وتخليصهم من تلك الوصاية المفروضة عليهم.
ومع ذلك، ما زال "الجحافي" يأمل من السلطات الحكومية سرعة المبادرة إلى سحب الحزب من تحت عباءة الحوثيين ومحاولة استقطاب أكبر قدر ممن لم يثبت بتورطه في جرائم مع الحوثيين، إلى صف الشرعية.