ما أن وطأة اقدام مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية مدينة بيحان بمحافظة شبوة، حتى بدأت قصة جماعية وطويلة من الألم والمعاناة، وخيم الخوف والرعب على أجواء المديرية نتيجة الممارسات التعسفية البشعة والانتهاكات المتواصلة بحق أبنائها.
لقرابة ثلاث سنوات من سيطرة ميليشيات الانقلاب واحتلالها المديرية، استمرت تلك الانتهاكات بأبشع صورها، تدور وتدار في العتمة دون أن يعلم شيئا عن تفاصيلها المؤلمة، حتى تمكن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من تحرير المديرية أواخر العام الماضي، لتبدأ تفاصيلها بالخروج إلى الضوء.
مراسل "يمن شباب نت" بالمحافظة زار مديرية بيحان بعد التحرير والتقى عددا من أبنائها وأعد لنا هذا التقرير الذي يسلط الضوء على جزء من تلك المعاناة، وكيف كانت تتم عمليات الاعتقالات والاختطافات والإخفاءات القسرية، والتعذيب الذي مارسته المليشيات بحق المدنيين والاطفال من ابناء بيحان.
البداية: مسوغات غريبة للاعتقال
استخدمت الميليشيات أساليب عدة لتسويغ ممارستها الإرهابية، إلا أن تلفيق التهم جزافا بحق المدنيين الأبرياء كانت هي الأسلوب الأكثر شيوعا للاعتقال أو الاختطاف، وفي بعض الحالات: الإخفاء القسري.
وروى عدد من ابناء بيحان، لـ"يمن شباب نت" تفاصيل عمليات الارهاب التي كانت تقوم بها المليشيات لتلفيق التهم للعديد من أبناء المديرية بحجة ايجاد مسوغات لاعتقالهم، والتي لم تكن معظمها سوى مبررات يحتجون بها أمام اهاليهم غالبا، وفي بعض الاحيان تتم عمليات الاختطاف بدون أي مبرر.
وعلى سبيل المثال، يكشف الحاج (ع.أ.م)، أحد أبناء المديرية أن المليشيات الانقلابية كانت تقوم "باختطاف كل شخص يتصل بهاتفه في الشارع أو الطرقات، بحجة أنه يرفع احداثيات لما يسمونه العدوان".
ولذلك- يضيف- صار الناس: "من لديه مكالمة أو اتصال، حتى وإن كان طارئا أو هاما؛ إما أن يدخل الى أحد المحلات القريبة؛ أو يتجاهل الاتصال، مخافة من الاعتقال"، مؤكدا أن الكثير من الشباب "اعتقلوا بهذه التهمة الغريبة".
ويتابع (ع.أ.م): كما أنه عند مرور قيادات الحوثي أو سياراتهم، إذا امعنت النظر فيهم، قد تصبح في دائرة الاشتباه..! ولا تدري بنفسك الا في السجن بتهمة رصد تحركات المجاهدين، على حد زعمهم.
في حضرة سجين سابق
وأكد أحد السجناء السابقين، الذين أطلقتهم المقاومة الشعبية من السجن بعد تحرير المديرية، أن غالبية السجناء كانوا يتعرضون للتعذيب والضرب والاهانة تحت مسميات مختلفة، أبرزها رفع احداثيات للعدوان، ورصد تحركات المجاهدين، وغيرها..
إلا أن ما استرعى انتباهنا، أثناء حديثه لـ"يمن شباب نت"، قوله إنهم لم يستغربوا من تلك التهم السابقة التي كانت تلفق ضدهم "كونها كانت شائعة وساذجة"، ولكن، أضاف مستدركا: "ما كان أكثر استغرابا هو أن يسجن اشخاصا بتهمة تدريس القران الكريم، وضربهم وتعذيبهم بشكل قاسي".
وفيما يتعلق بأساليب تعامل الميليشيات مع المختطفين والمساجين، يشرح السجين السابق بعض تلك الاساليب التي كان يتعرض لها هو وبعض زملائه المختطفين في سجون الميليشيات.
يبدأ بحكاية قصته قائلا: تم نقلنا الى سجن بيحان، وجلست عشرة أيام في الحجز دون أن تنسب اليَّ أي تهمة. وبعدها بدأت عمليات التحقيق التي عادة ما تكون في الفترة الليلية، حيث تم أخذي وأنا معصوب العينين الى غرفة يوجد فيها بعض المحققين الذين يقومون بالتحقيق مع السجناء.
ويضيف: كان يتم التحقيق معنا ونحن معصوبي الأعين وواقفين مع رفع الأيدي الى الأعلى. وعادة يبدأ التحقيق من التاسعة مساءا الى الرابعة والنصف فجر ونحن على هذه الحالة، وفي حالة أنزل السجين يديه من التعب يتعرض للضرب المبرح بهراوات وعصي خشبية.
ويتابع: كانوا يمنعون عنا أي زيارات من قبل أهالينا أو أقاربنا، وكان ذلك يسبب لنا عذاب تفسي كبير، لا سيما وأنهم لا يستطيعون الحصول على أي معلومات عن حالاتنا الصحية والنفسية نتيجة تعنت المليشيات وعدم السماح بالزيارات للمعتقلين والسجناء، بحيث يمكث الواحد منا في السجن لأشهر لا يعلم عما يدور في الخارج، ولا يعلم أهله عنه شيء.
ويواصل: يتم احتجاز السجين من عشرين يوم الى شهر، ثم يتم نقله الى محافظة ذمار إذا لم يكن لديه اقارب –أو وسطاء- لديهم علاقات بقيادات الحوثي، أو مبالغ مالية كبيرة يدفعونها للإفراج عنه، أو محاولة أيقاف عملية نقله الى ذمار.
ويؤكد السجين السابق أن مسئول السجن ببيحان، ويدعى احمد جمال السيد، كان من أبناء مديرية عسيلان المتحوثيين، (أي من أبناء المنطقة الذين أصبحوا يعملون مع الحوثيين)، لكنه كان من أشد الناس تعذيبا للمساجين...!
تقطير البلاستيك على الجسم
في لحظة ما، تناسى السجين السابق، والمفرج عنه، آلامه جراء ما تعرض له من تعذيب في السجن، لينقلنا في حديثه إلى قصة أحد الأسرى، الذي تعرض للتعذيب بشكل مروع، حسب وصفه.
يقول: قام المحققون والمسؤولون عن تعذيب السجناء بالاعتداء على هذا السجين بالضرب بالعصي والاحزمة لفترة طويلة وبدون رحمة، حتى كاد أن يفقد –أو ربما فقد- وعيه من شدة الضرب والالم الذي أصابه..
وتابع: لكنهم لم يكتفوا بذلك، بل قاموا بعدها بنزع ملابسه العلوية واذابوا البلاستيك وجعلوه يتقطر على ظهره العاري، ما أدى الى احتراق أجزاء كبيرة من ظهره، وحين ساءت حالته الصحية كثيرا، خافوا أن يلقى حتفه تحت التعذيب فتوقفوا عن تعذيبه وأجروا له بعض الاسعافات الاولية فقط..
هل انتهت المأساة؟
وحول مشاعره الأن بعد هذه التجربة المريرة وما إذا كانت معاناته قد انتهت أم ما تزال أثارها قائمة وتؤثر على حياته، قال: اننا ولله الحمد قد أطلق سراحنا على أيدي ابطال المقاومة الشعبية والجيش الوطني، ولكن هناك الكثير منا تعرضوا للأذى الجسدي والنفسي، وما زالوا حتى الأن متأثرين ومتضررين، لذلك نؤكد على أن حقوقنا لن تذهب ولن نسمح بضياعها.
وأضاف: ونحن هنا نناشد الدولة ونبحث عنها من أجل رفع ملفات ضد الاشخاص الذين انتهكوا حقوقنا وقاموا بسجننا وتعذيبنا دونما أي سبب، وبعضهم معروفون لنا، وسنظل نلاحق من تسبب في قتل اخواننا أو جعلهم دروع بشرية أو قام بتعذيبهم في السجن عبر المحاكم القضائية طال الزمان أم قصر، ولن يسقط حق وراءه مطالب.
ويؤكد أبناء المديرية أن مليشيات الحوثي لم تفرق بين صغير أو كبير عندما كانت تقوم بعمليات الاختطاف، وأن هناك مختطفين- بينهم صغار السن، تم نقلهم إلى محافظة ذمار، بسبب عدم قدرة أسرهم على دفع فدية للميليشيات لإيقاف عملية النقل.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها "يمن شباب نت"، لا يزال هناك ما يربوا عن 150 شخصا من أبناء بيحان وعسيلان معتقلين في سجون المليشيات في ذمار حتى اليوم.
أخبار ذات صلة
الإثنين, 01 يناير, 2018
شبوة بعد التحرير تكشف: هكذا كانت الميليشيات تجني الملايين من التجار لرفد جبهاتها وإثراء قادتها (تقرير خاص)
الثلاثاء, 26 ديسمبر, 2017
شبوة: مشاعر أبناء "بيحان" و "عسيلان" بعد ثلاث سنوات من الإبعاد القسري
الجمعة, 15 ديسمبر, 2017
شبوة: الجيش الوطني يعلن تحرير مديرية "بيحان" من سيطرة المليشيا الانقلابية