تعطَّلت المباراة النهائية في كأس العالم لدقائق، بعدما تمكَّن 4 متسلّلين تابعين لفرقة Pussy Riot (المناهضة للكرملين) من الدخول إلى أرض ملعب «لوجنيكي» في العاصمة الروسية موسكو، قبل تدخُّل الأمن وإخراجهم.
أعضاء الفرقة، الذين ارتدوا الزيّ الرسمي للشرطة الروسية خلال تسلُّلهم، تمَّ اعتقالهم واحتجازهم فيما بعد في مركزٍ تابع لشرطة موسكو، حسبما أفادت أولغا كوراتشيوفا (أحد أعضاء الفرقة) في اتصالٍ مع وكالة رويترز.
وقالت الشرطة إنها تحقّق مع الأربعة، للاشتباه «بمخالفتهم قواعد الاحتفال في حدثٍ رياضي»، بالإضافة إلى ارتدائهم الزيّ الرسمي للشرطة الروسية؛ ما يُعدُّ خرقاً للقانون، كما نقلت وكالة أنباء إنترفاكس.
مخالفة قواعد الاحتفال – بحسب صحيفة FirstPost البريطانية – يمكن أن تصل عقوبتها إلى 160 ساعة من الخدمة المجتمعية، أو التعويض عنها بدفع غرامةٍ تصل إلى 10 آلاف روبل (العملة الروسية)، أي ما يُعادل 160 دولار؛ بالإضافة إلى حظر أعضاء الفرقة الروسية من حضور الأحداث الرياضية، لمدّةٍ تصل إلى 3 سنوات.
أما ارتداء الزيّ الرسمي للشرطة الروسية، وهو يُعتبر مخالفة أيضاً، فمن المتوقع أن يُلزم الفرقة بدفع غرامةٍ تتراوح بين ألف و1500 روبل. عبر موقع «تويتر»، أعاد مراسل صحيفة Financial Times في موسكو Max Seddon نشر تغريدةٍ تتضمّن فيديو من داخل تحقيق الشرطة الروسية مع أعضاء فرقة Pussy Riot.
الفيديو يُظهر شاب وشابة (ليتبيّن أن أعضاء الفرقة ليسوا جميعهم نساء، كما تناقلت الصحف العالمية أمس) يتعرّضون لمساءلة شديدة اللهجة من المحقّق؛ وبحسب Seddon، فإن المحقّق كان يصيح بوجههما قائلاً: «تنشرون هراءكم في كل أنحاء روسيا، نعم؟ من المؤسف أننا لسنا في العام 1937».
وفي حال كنتم تتساءلون لماذا يتمنى الشرطي أن يكون حدث ذلك في العام 1937؟ فهو العام الذي قام فيه الزعيم السوفياتي ستالين بحملة تطهيرٍ واسعة سُمّيت بـِ «الإرهاب الكبير»، للقضاء على أعضاء الحزب الشيوعي وكلّ معارضٍ لسياسته يعتبره تهديداً.
وعلى الرغم من اختلاف التقديرات، إلا أن معظم الخبراء يُشيرون إلى أن ما لا يقلّ عن 750 ألف شخصٍ قد تمَّ إعدامهم خلال حملة التظهير الكبرى، التي استمرّت حتى العام 1938.
وكانت فرقة Pussy Riot الموسيقية نشرت يوم أمس الأحد 15 تموز/يوليو، عقب تتويج فرنسا بلقلب بطل العالم، بعد فوزها على منتخب كرواتيا بنتيجة 4-2، بياناً رسمياً عبر صفحاتها وحساباتها على الشبكات الاجتماعية تبنّت خلاله عملية اقتحام ملعب «لوجنيكي» في الدقيقة 52، من خلال 4 من أعضائها في الذكرى الـ 11 على رحيل الشاعر السوفياتي الشهير ديميتري بريغوف. كما أشارت في البيان إلى قضية المعارض الروسي أوليغ سينتسوف، الرافض لضمّ روسيا إلى منطقة شبه جزيرة القرم في العام 2014، والذي حُكم عليه بالسجن 20 سنة بتهمة «التآمر لارتكاب أعمال إرهابية» في العام 2015.
وكان سينتسوف نفى الاتهامات الموجَّهة إليه، ودخل في إضرابٍ عن الطعام منذ منتصف مايو/أيار الماضي. وفي مارس/آذار 2014، ضمَّت روسيا شبه جزيرة القرم، الواقعة على البحر الأسود، إلى أراضيها، عقب استفتاءٍ تمَّ في ظرفٍ غير مناسب واعتبره المعارضون «غير قانوني».
حساب الفرقة الرسمي على «تويتر» كان يقوم بنشر إحداثياتٍ حول مجريات التحقيق مع أعضائها؛ وعند منتصف ليل أمس الأحد، نشر تغريدةً جاء فيها: «الأعضاء الأربع لا يزالون موقوفين في مركز شرطة لوجنيكي، رغم مرور 6 ساعات على الحادثة. الشرطة لا تسمح لمحامينا برؤية الناشطين».
وبعد ساعةٍ، أي فجر اليوم الإثنين 16 تموز/يوليو، غرّدت الفرقة قائلة: «الشرطة لا تزال ترفض السماح للمحامي برؤية أعضاء الفرقة، الذين ما زالوا موقوفين لديهم. الضابط سابوتين خرج وقال للمحامي أن يأتي غداً لتقديم الشكوى. يبدو أن الشباب سيمضون ليلتهم في مركز الشرطة».
وضع الأعضاء حالياً، جاء فيها: «أمضى أعضاء الفرقة طوال الليل في مركز الشرطة (مع الإشارة إلى أنه لا توجد ظروف مناسبة للنوم وتناول الطعام والاستحمام، وما إلى ذلك) وما زالوا هناك. سيتمّ اقتيادهم إلى المحكمة. يواجهون اتهامات لارتكابهم مخالفات إدارية حتى الآن».
لماذا ارتدت الفرقة بدلات الشرطة؟ لأن الشاعر الروسي بريغوف اشتهر بأنه صنع صورة رجل الأمن المثالي في الثقافة الروسية وسُجن بسببها، وارتداؤهم لبدلة رجل الأمن (الشرطي) ما هو إلا تسجيل اعتراضٍ على دور رجال الأمن الروسيين اليوم، ومقارنة بينهم وبين رجل الأمن المثالي. فالشرطي المثالي هو الذي نظّم احتفال كأس العالم الجميل، في حين يخاف الشرطي «الدنيوي» من الاحتفال. الشرطي المثالي يحرض على تنفيذ القوانين بعناية، في حين لا يهتمّ الشرطي «الدنيوي» لقلواعد أو القوانين. الشرطي «الدنيوي» يطارد السجناء السياسيين، ويسجن الناس بسبب إعادة نشر تغريداتٍ، أو بسبب تسجيل إعجابهم بمنشور.
ومن خلال البيان الذي نشرته فرقة Pussy Riot، طالبت الحكومة الروسية بـِ:
1- إطلاق سراح السجناء السياسيين.
2- عدم اعتقال الناس بسبب إعجابٍ على منشورٍ.
3- وقف الاعتقالات غير القانونية.
4- السماح بالمنافسة السياسية في البلاد.
5 - عدم تلفيق التهم الجنائية وإبقاء الناس في السجون من دون سبب.
6- تحويل رجل الأمن الدنيوي إلى رجل أمنٍ مثالي.
تجدر الإشارة إلى أن خطوة Pussy Riot باقتحام 3 شاباتٍ وشاب لمباراةٍ يتابعها الملايين من حول العالم، وبوجود الرئيس الروسي فلاديمير بويتن في منصّة الشرف الرئيسية، تُعتبر خطوة جريئة جداً. وهذه ليست المرّة الأولى التي تقوم فيها الفرقة بعملٍ مماثل. فهي اشتهرت على مستوى العالم، من خلال جرأتها في انتقاد قرارات الرئيس الروسي في أكثر من مناسبة.
المصدر: عربي بوست