حتى ماقبل 21 فبراير 2012، كان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، مجرد بيدق في رقعة النظام السابق، لكن ثورة الشباب في 2011، منحته فرصة لأن يكون الرجل الأول داخل البلاد، ومع ذلك لم يرتق الرئيس هادي أبدا إلى مستوى التطلعات الشعبية، والمسؤولية الملقاة على عاتقه.
ظل هادي لنحو ثمانية عشر عاماً، نائبا للرئيس الراحل صالح، وهو المنصب الذي عُيّن فيه، تكريما له على دوره في حرب 1994، حيث كان وزيرا للدفاع خلال تلك الحرب.
بقي هادي نائبا للرئيس في منصب شرفي، أكثر من كونه حقيقي، وكان حضوره باهتا لنحو عقدين من الزمن، حتى سنحت له الفرصة ليتولى دفة السلطة عقب ثورة شعبية أطاحت بنظام صالح، الممتد لثلاثة عقود وثلاث سنوات، ومع ذلك بقي هادي يمارس مهام النائب وهو في سدة الحكم.
مشكلة الرئيس هادي تتمثل في عدم استخدامه صلاحياته كرئيس، والاستجابة للإرادة الشعبية التي وضعته في هذا المنصب، بقي الرجل متثاقلا في أداء مهامه، متجاهلا ممارسات صالح ونفوذه داخل مؤسسات الدولة، والمؤسسة العسكرية، وبقي وفياً لصمته، على حساب وفائه للإرادة الشعبية.
يمتلك هادي شخصية ضعيفة، وإن حاول أن يبدو عكس ذلك، أو حاول البعض إظهاره بالرجل المتأنّي الحازم، فهادي الذي رافق صالح لنحو عقدين من الزمن، يفترض به أن يكون الأكثر معرفة به من غيره، لكن مع ذلك ظهر هادي كأنه لايعلم شيئا عن شخصية صالح، وتركه يمارس العبث لسنوات بعد تنحيه عن الحكم.
أتخذ هادي قرارات بإعادة هيكلة الجيش، بعد ما بُحّت أصوات شباب الثورة، لكن العملية اقتصرت على إقالة أقارب صالح فقط، فيما بقيت القيادات العسكرية المرتبطة بصالح في مواقعها، وتعرض عدد منها للتدوير الوظيفي، ونقلها من لواء لآخر، ومن معسكر لآخر، وفيما تمردت قيادات عسكرية على قرارات هادي، فإن هادي كان أكثر تجاوزا منها، عندما سمح لها بمخالفة القانون العسكري، واكتفى بالصمت، أو المهادنة، وهو موقف يعكس هشاشة شخصية هادي وليس صبرها وذكاءها في التعامل مع الموقف.
عندما غزت جحافل الحوثيين محافظة عمران منتصف 2014، بتواطؤ إقليمي، وإسناد داخلي من صالح والقيادات العسكرية المرتبطة به، كان هادي يبدو أسوأ من الأطرش في الزفة، كان يعلم حجم المؤامرة، وكان قادرا على إفشالها، لكنه آثر الانسحاب، وتخلى عن مسؤوليته في صيانة التراب الوطني، سقطت عمران فاعتبر هادي سقوطها عودة إلى حضن الدولة، وتلك نقطة سوداء في سجل الرجل.
توالت سقطات الرئيس هادي، طلب من سكان منطقة دماج مغادرة منازلهم مطلع 2014، مع أن الأصل في مثل هكذا موقف، أن يقف إلى جانبهم ويصد عنهم عدوان الحوثيين، بصفته المسؤول الأول في الدولة، ومن المخجل أن تتداول الصحف أخبار التهجير القسري الذي تم برعاية كريمة من فخامة الرئيس.
في صنعاء، قلعة هادي ومعقله، وقف الرجل ساكنا بلاحراك، تحيط به أكوام بشرية من الخيانة، لم يكن شجاعا ليتخلص منها، فقررت هي التخلص منه، وأدخلت الحوثيين إلى صنعاء في سبتمبر 2014، في مشهد مأساوي ومستهجن لم يستغرق ساعات، سقطت صنعاء، بينما أشرف هادي على اتفاق جديد مع الحوثيين بعد ساعات فقط من الكارثة التاريخية.
لم يكن هادي يوما متحمسا للتطلعات والآمال الشعبية، فحتى بعد اعتقاله في صنعاء، وتضامن غالبية الشعب معه، إلا أنه عقب تمكنه من مغادرة صنعاء، والإفلات من قبضة الحوثيين، في فبراير2015، وماتلاها من أحداث فاصلة كانطلاق عاصفة الحزم، بقي هادي متواريا عن المشهد المأساوي، غير آبه بحجم المؤامرات التي تحاك ضد البلد، من قبل الشركاء في التحالف العربي، الإمارات تحديدا، الدولة التي منعته من دخول البلد ومارست العبث، وتطفلت على صلاحيات الرئيس في الإقالة والتعيين، وضغطت عليه أكثر من مرة في ذلك.
من المخزي أن هادي أصبح عاجزا عن العودة إلى الوطن ليقود البلد ومعركته المصيرية، والأشد خزيا، هو صمت هادي عن مصارحة الشعب اليمني بما يحدث، ولم نعد ندري هل ابتلانا الله برجل كهادي، أم ابتلاه بشعب يعقد عليه آمال هو عاجز عن تحقيقها؟
شخصية هادي، ستبقى لغزا يصعب حله، فالرجل يغلق كل الأبواب المفتوحة أمامه، ويفضل الإنزواء في الهامش، يمتلك شرعية شعبية تؤهله لفرض نفسه، لكنه يفضل الهروب وتجنب الصدام، خذل هادي نفسه، وخذل الشعب، ومع ذلك لم يخذله الشعب رغم كل موبقاته وسوء إدارته للبلد خلال ستة أعوام، ينتظرون منه أن يكون صريحا، أن يتكلم، فلا يجيبهم بغير الصمت!
*المقال خاص بـ"يمن شباب نت"
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية