ما الذي يمنع التحالف من دعم الجيش على الأرض بما فيه الكفاية؟
التحرير يحتاج إلى جهود جبارة على الأرض أكثر من الجو لتعزيز قدرات الجيش الوطني وتطوير أداءه وإمكاناته. هكذا يمكنه أن يكون قادرا على فتح معسكراته لمجندين جدد، ويصبح قادرا على تدريبهم وتسليحهم وتوفير رواتبهم. يبقى الجيش هو الحل ونجاحه مرهون في قدرته على عسكرة المجتمع وتجييشه في وجه الانقلاب.
الإنقلابيون بما نهبوه من أموال الدولة والناس نجحوا في الاستفادة من المجتمع السائل، غير المعني بالأحداث. وهو سط اجتماعي لا يستهان به إذا ما تم تفعيله والاستفادة من إمكاناته ودخوله دائرة الصراع، وفي المكان الصحيح الذي يجب أن يكون فيه ليؤدي دوره الوطني والتاريخي.
وللتوضيح أكثر؛ ركز الحوثيون على هذا الوسط الذي يمكن خداعه، مستغلين تدني وعيه السياسي والوطني، ووجهوا له خطابا مكثفا يستفز مشاعره تحت أكثر من شعار مخادع؛ رفعوه من قبيل مواجهة العدوان والعملاء والحرب مع أمريكا وإسرائيل؛ نزلت فرقهم المعنية بهذا الأمر- والتي تم تجهيزها بكل ما تحتاجه لممارسة دجلها وتزييفها على بسطاء الناس .بل أن هذه الفرق كانت مدربة على أعلى مستويات الخديعة- إلى كل مديرية وعزلة وتقريبا إلى كل قرية وكانوا غير يائسين من أن يقع في شراكهم ولو العدد القليل في كل من هذه القرى والعزل والمدن التي مروا عليها وهذا ما حدث فعلا.
هكذا كانوا ولازالوا يحولون الكثير من الناس من محايدين سائبين إلى مصطفين مع الانقلاب وخصوم للثورة والمقاومة. وبهذا يكونوا قد خلقوا أوضاعا جديدة صار حتما على الأخر مواجهتها ورفع كلفة التضحية لإزاحتها من طريقه.
في أحد الأيام زارت واحدة من هذه الفرق في أحدى قرى دمت. ومع بداية جلسة المقيل بدأ المسؤول الثقافي للمسيرة- حد وصفهم- بتوجيه خطابه، مصطعنا بهلوانية حركات الجسد وإيماءاته ليبدو وكأن وراء خطابه الهزيل ما يدعو للاهتمام به وينبئ عن عظمة مكنونه؛ كان خطابا باهتا تافها مبنً ومعنً، ومستخف بالعقول إلى درجة مؤلمة جعلت من صاحبي يهمس في أذني قائلا: معقول أن يعتقد هذا الأخرق أنه بكلماته هذه الباهتة المجردة من المنطق سيجعل منا أتباعا لمشروعه العنصري، على الرغم من معرفته مستوى الوعي السياسي والوطني الذي تتمتع به المنطقة؟
قلت له: هو يدرك أن خطابه ليس لي ولا لك وحتى ليس موجها لخمسة وتسعين بالمائة من الحاضرين، وإنما هو يتوقع أن هناك ضمن الحضور خمسة بالمائة سائبين لو وقع نصفهم في شراكه لكفى. يصطادهم ليشحنهم بالحقد والكراهية وبعد أن يكون قد تأكد من تحويلهم إلى أدوات قتل، يرميهم في الجبهة ليقتلوا نخب اليمن وخيرة رجالها.. لقد قُتل خير من فينا بأراذل القوم.
إنه صراع على إمكانات الشعب المهدورة ومن يحسن استخدامها. هل نقاتل بالناس من أجل الثورة وأهدافها أم نستمر على هذا الحال من الخمول لنتركهم فريسة يحطم بهم الحوثي مشروع الوطن ويحوله إلى ملكية أسرية بحتة؟
ثم ماذا عن التحالف ودعمه؟ هل يرقى دعمه إلى مستوى قدرة الجيش الوطني على عسكرة الناس السائبة، وتفويت فرصة التحاقهم في صفوف الانقلابيين؟ في النهاية هؤلاء أناس بسطاء من الشعب يصنع منهم الانقلاب ألغاما تنفجر في وجهنا وتمزق أجسادنا، ولا مناص من تدبر الحلول لنزيح عن الانقلابيين الأحجية والمتارس التي يتخفون وراءها؛ متارس من أجساد بسطاء الشعب المخدوعين والمرهبين.
هناك جبهات لم تصلها، حد الآن، حتى عربة واحدة من التحالف أو قطعة سلاح خفيفة أو متوسطة.. فبماذا سيقاتل الناس إذن؟ وكيف ستتزاحم بهم معسكرات المقاومة؟
نجح حلفاء الانقلاب في الوصول إلى الناس وعجزنا كمقاومة ومن ورائها حلفائنا في تطوير أداءنا وتوسيع إمكاناتنا بالرغم من أن الشعب من حيث المبدأ معنا ومستعد أن يلقي بثقله لصالحنا.
الحرب على هذا المنوال ستطول، ومألاتها غير معلومة تحديدا، مع تداخل الأطراف الفاعلة فيها والتي يتوجب على التحالف قطع الطريق أمامها ببناء مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسة الجيش، فضلا عن بسط نفوذ الدولة على كل المناطق المحررة وأداء مهامها ليتضح للناس الفرق بين ممارسة الدولة والعصابة..!
هذه خطوات طال انتظارها. وكلما تم المقايضة فيها بملفات خارج اليمن، كلما تجذر تواجد خصوم الثورة والتحالف.
اقراء أيضاً
بل كانت حربا على الحياة برمتها
"العودة".. حلم نازح
الجُهد الوطني المهدور