مثّل مقتل صالح مطلع ديسمبر الماضي فرصة مثالية لعودة المؤتمر إلى حضن الجمهورية ، بعد سنوات من القطيعة التي توجها بتحالف شنيع مع مليشيا الحوثي فور انقلابها في سبتمبر من العام 2014م، وسط تسهيلات كبيرة قدمها المخلوع على المستويين العسكري والمادي أثناء مؤتمر الحوار شجّعت الحوثيين للخروج من جحورهم في صعدة نحو صنعاء، وما فعل صالح ذلك إلا نكاية بثورة فبراير الشبابية وتصدياً للمشروع الوطني الذي دشن أعماله بمخرجات الحوار الوطني كلبنة يمكن البناء عليها وصولاً إلى اليمن الجديد.
إلى ما قبل اندلاع الثورة الشبابية والمؤتمر على رأس السلطة التنفيذية والتشريعية منذ تأسيسه في أغسطس 1982، لكنه كان ملاذاً ارتمى فيه كل من فر من ارتباطات المسؤولية والمسائلة بعد تأديته لواجب الطاعة اللا مشروطة لصالح وزبانيته ،كان المؤتمر الحزب والوطن بالنسبة لهم ،لا يفرقون بين هذا وذاك البتة ، وتلك سوءة خلصوا من خلالها إلى صدمة فبراير التي أظهرت حجمهم الحقيقي ومدى السخط الشعبي لسياسة المداراة والابتزاز والمحاباة التي اتسمت بها فترة حكم المؤتمر الحزب وصالح الرئيس وكلاهما وجهان لحالة واحدة تمخض عنها فساد هستيري شل كافة مؤسسات الدولة ، وولاء عسكري لشخص واحد ولعائلة واحدة ، وهوشلية متسيدة في كافة مسارات عمل مؤسسات الدولة العرجاء ذات الوساطات والمحسوبية والشللية المستقوية بفلان وعلان.
لا أستطيع الجزم بإنجاز واحد يحسب للمؤتمر كحزب قيل إنه ينتمي للطبيعة اليمنية ولا ارتباطات ايدولوجية له تربطه بتنظيمات إقليمية ودولية كأحزاب أخرى على رأسها الاشتراكي والناصري والإصلاح.. لكنه في المقابل كان يفتقد للرؤية المؤسسية الواضحة وهو ما انعكس على أداء وعمل المؤسسات الحكومية التي لم تكن في حقيقتها إلا مرتعاً للمؤتمريين والمحسوبين عليهم على مستوى العمل والمعاملات والخدمات التي كانوا يتباهون بتقديمها على الرغم من هشاشتها.
الحقيقة المرة التي لم يتقبلها المؤتمر وأعضاؤه وأنصاره وفي مقدمتهم صالح هي أنه بات خارج سرب الحسابات المستقبلية للبلاد بسبب تعنته ورفضه احتواء المطالب الشعبية وذلك ما أحرزته الثورة الشبابية بعد هنيهة من اندلاعها حين أربكت الحسابات السياسية والعسكرية لصالح وحزبه على الرغم أنه نفد بجلده بعد تدخل خليجي منحه حصانة أبقته على رأس حزبه المنقسم زعيماً كما أحب أن يُلقّب.
بحسابات اليوم لم يعد المؤتمر حزباً له ثقله، فالمصلحة التي ارتبط بها مع أنصاره انتهت وقُضي عليها بمقتل صالح من قبل حليفه اللدود الذي ساومه على مدى ثلاث سنوات حتى أوقعه وزاد على ذلك أن اتهمه بالخيانة وشرد أتباعه من القيادات السياسية والعسكرية التي كانت تدين للمخلوع صالح بالولاء حتى بعد إزاحته من سدة الحكم.
لا يعتبر الرئيس هادي مؤتمرياً خالصاً إذا ما تحدثنا عن كونه أميناً عاماً فيما مضى ورئيساً لفصيل المؤتمر الشرعي وحتى رئيس الوزراء بن دغر وكثيرون على شاكلتهما إذ شكّل المؤتمر خليطاً من ضحاياه الناصريين والاشتراكيين في فترة من الفترات حتى أصبحوا من صفوة المقربين وأظهروا ولاء مكنهم من الحظوة عند صالح لينالوا مناصب عليا لُفّت حينها بالصبغة المناطقية والمكايدة الحزبية على اعتبار أن غالبيتهم كانت لهم مكانتهم التنظيمية في أحزابهم السابقة التي تنصلوا منها ليتبعوا صالح وحزبه.
من غير المنطق دمج فصائل المؤتمر الثلاث مع بعضها نظراً للتباين الكبير بينها، ففصيل الرئيس هادي اختار الجمهورية ونافح عنها وقدم بعض أعضائه تضحيات تستحق الإشادة ، أما فصيل صالح فنأى عن نفسه خيار الوطن واختار الاصطفاف في صف المشروع الرجعي المتمثل في الحوثي وأنصاره، واستخدم كافة السبل لتمكينهم على الأرض حتى وجد نهايته التي تأجلت مراراً بالنظر إلى فوارق المعتقد والأهداف الاستراتيجية بينهما، أما الفصيل الثالث وهو من كان بين الفصيلين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وهو ما يمكن اعتباره بالفصيل الذي استسلم للأمر الواقع ولم يعد يمتلك ما يعينه على الظهور سياسياً وعسكريا.
إن محاولة بعض الأطراف الإقليمية إعادة تدوير مؤتمر صالح ودمجه في المؤتمر الشرعي بل وكل القوى والمؤسسات الشرعية تعد محاولةً لخلط الأوراق وتأجيل مرحلة حسم الصراع الذي كان أتباعه السياسيين والعسكريين طرفاً رئيسياً فيه على مستوى التخطيط والإسناد والدعم وكذا التعاطي الإعلامي والمناصرة على كافة الجبهات ونملك ارشيفاً يوثق ذلك أولاً بأول.
هناك لعبة يتم الترتيب لها من قبل لاعبين إقليميين ودوليين لحشر قيادات المؤتمر الفارة من بطش حلفائهم في مؤسسات الدولة العسكرية تمهيداً لتمكينهم من دفة القيادة وهو خطر كبير سندفع ضريبته نحن اليمنيين جميعا خاصة وأن مجمل هؤلاء الفارين لم يذعنوا للشرعية ولم يعترفوا بهادي رئيساً للبلاد حتى اللحظة وذلك سبب كاف للتعاطي معهم بحزم حتى لا نؤكل كما أُكل الثور الأبيض.
لا يُجرب المُجرب، وهؤلاء استبدوا ومارسوا أشنع الانتهاكات بحق الشعب ونهبوا ثرواته وشكلوا خطراً حقيقياً على ثورته ووحدته وجمهوريته فلماذا نسلّم اليوم لإعادة تدويرهم وتصديرهم إلى واجهة المشهد اليمني على الرغم من أننا سئمناهم زمناً ويئسنا من تغييرهم حتى اجتثتهم ثورة فبراير وعرتهم على حقيقتهم خائنين للقيم والمبادئ اليمنية الخالدة؟
لا مجال لتكرير الخطأ والإذعان لإملاءات ستفرز وضعاً كارثياً لن يستثنِ أحداً وهو ما يجب التنبّه له والتعامل مع هؤلاء في حدود العرف اليمني والتعاليم الإسلامية إيوائاً وتأمينا وما عدا ذلك فليكن للقانون والدستور كلمة الفصل.
اقراء أيضاً
تهامة.. خارج الحسبة الحكومية
حكومة بلا أجنحة
مبعوث السلام المستحيل