قبل سبع سنوات، في 17ديسمبر2010 بالتحديد، أحرق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه، إثر تعرضه لإهانة من قبل شرطية، ولأن البوعزيزي لم يكن بمقدوره رد الإهانة في ظل سلطة بوليسية، وبعد إهمال شكواه من قبل الجهات المختصة، لجأ لإحراق جسده العاري، أمام بلدية سيدي بوزيد، احتجاجا على الظلم الذي تعرض له، لكنه في الحقيقة أشعل شرارة لم تتوقف عند حدود مبنى البلدية.
ما فعله البوعزيزي، كان معبرا عن غضب ملايين الشباب من العرب، الذين ضاقت عليهم أنفسهم، وأضحت حياتهم تحت تصرف جلاد، يرثه ابنه من بعده، ولذا كان من الطبيعي، أن تمتد شرارة النيران، من جسد الشاب الفقير، لتحرق قصر قرطاج، وتطيح برأس النظام التونسي زين العابدين بن علي.
تهافت ملايين البسطاء، إلى شوارع المدن في أكثر من بلد عربي، للمطالبة بالحرية والقضاء على الفساد، وصولا للمطالبة بإسقاط النظام، وسلطة الرئيس، فسقوط بن علي ونجاح ثورة 17 ديسمبر التونسية، حفّز الشعب المصري لتفجير ثورته المباركة، في 25 يناير 2011، والمطالبة برحيل النظام، ولم تمض ثمانية عشر يوما، من التظاهرات اليومية، والغضب الشعبي، حتى كان نائب الرئيس المصري، عمر سليمان، جاهزا لإعلان بيان تنحي مبارك مساء 11فبراير 2011، ذلك البيان الذي طربت له الأسماع في شتى البقاع العربية.
كما أن نجاح ثورتي مصر وتونس في إسقاط نظامي مبارك وبن علي، ألهب مشاعر الجماهير العربية، التائقة للحرية، والعيش بكرامة، فتوالت الثورات العربية تباعا، في اليمن شرقا، وليبيا غربا، وسوريا شمالا، وشهدت دول أخرى مظاهرات شعبية تطالب بالإصلاح، كسلطنة عمان والأردن والجزائر والعراق والمغرب والبحرين.
في اليمن، وعقب اندلاع ثورة 11فبراير2011، مارس نظام صالح القمع، والمراوغة السياسية، للقضاء على الثورة، لكنه فشل، قتل الثوار في ساحة التغيير بصنعاء، وأحرقهم في ساحة الحرية بتعز، وراوغ في خطاباته، وحاول اللعب في إطار المسار السياسي، الذي وفرته المبادرة الخليجية، لكنه فشل في البقاء رئيسا، واضطر للتنازل، في 23 نوفمبر2011، تحت ضغط الثورة الشعبية.
في ليبيا، كان للقمع المفرط، والمجازر الوحشية، التي نفذها العقيد الراحل معمر القذافي، دور كبير في توقف المسار السلمي، وإعلان الكفاح الثوري المسلح، واستمرت المعركة العسكرية لنحو ثمانية أشهر، انتهت في 20 أكتوبر 2011 بمقتل القذافي بطريقة مأساوية، وتركة ثقيلة من الشهداء والجرحى والمفقودين.
أما سوريا، خامس بلد عربي التحق بركب البركان العربي في 15 مارس2011، كان قدر أبنائه، أن يعيشوا مأساة لامثيل لها، بدأت بقتل المتظاهرين، واقتحام المدن، وتوسعت لتشمل قصف الأحياء وتدميرها، وانتهاء بالتدخل العسكري الخارجي، لتتحول الثورة السورية، إلى مأساة حقيقية، جاءت نتاج الخذلان العربي والإسلامي، والتدخل الخارجي، ومن المؤسف أن موازين القوى على الأرض حاليا، تميل لصالح النظام المجرم، بعد أن كانت تميل لصالح الثوار بعد انطلاق الثورة بأشهر.
طريق الثورة لم يكن مفروشا بالورود، بقدر ما كان معبّد بالتضحيات التي سطّرها شباب الثورات العربية، في مرحلتي الثورة، والثورة المضادة، وهذه الأخيرة نعيشها اليوم في جميع بلدان الثورات العربية، إذ أن الثورة المضادة نجحت في ترتيب صفوفها منذ وقت مبكر، وتمكنت بمساعدة خارجية من العودة إلى سدة الحكم، إما بواسطة الانقلابات العسكرية، أو الانقلابات الناعمة.
والثورات المضادة، بدأت بتحقيق أولى مكاسبها في قاهرة المعز، بالانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي، في 3يوليو 2013، وإعادة تدوير النظام القديم، واحتفاظ العسكر بالسلطة مجددا، وكما كان للثورة المصرية حافز في انطلاق الثورات العربية في بلدان أخرى، كان للانقلاب العسكري نفس الأثر لانطلاق الثورات المضادة في بلدان الثورات العربية.
المحطة التالية للثورات المضادة، كانت ليبيا، في فبراير 2014، أحبطت الحكومة محاولة انقلاب للعجوز خليفة حفتر، على أن ذلك لم يمنعه من إعلان الحرب على مكتسبات الثورة، ضمن عملية الكرامة العسكرية، والتي أطلقها في مايو من نفس العام، وحظيت ولاتزال بدعم خليجي كبير، لكنها لم تحقق النجاح المطلوب حتى اللحظة، إذ لاتزال المعركة مستمرة، وسط مسار تفاوضي سياسي يتضاءل يوما بعد آخر.
في اليمن، يمكن القول أن بوادر الثورة المضادة، بدأت بتوقيع المبادرة الخليجية، التي منحت صالح حصانة ما أنزل الله بها من سلطان، وتركت له حرية العمل السياسي، ما تسبب بعواقب كارثية، كان من ضمنها، انقلاب الثورة المضادة في 21سبتمبر 2014، بقيادة الحوثيين، على مكتسبات ثورة فبراير، بمساعدة خليجية، ومساندة من النظام القديم، لكن هذا الانقلاب لم ينجح كليا، بسبب وجود مقاومة شعبية مسلحة، أعلنت رفض الانقلاب وقررت المواجهة، وحتى اليوم لايزال اليمنيون يخوضون معركة لإسقاط هذا الانقلاب، بإسناد من تحالف عربي، مع وجود خلل في الرؤية، بالنسبة لدول رئيسة في التحالف العربي، التي رعت رسميا جميع الثورات المضادة.
أما في تونس، فقد اختلف الأمر كليا، بالنسبة لطريقة عمل الثورة المضادة، إذ أن عودة النظام القديم، جاء عن طريق صناديق الاقتراع، بعد فترة طويلة من التحضيرات، والدعم الخارجي، الذي جاء متوازيا مع ضعف وتشتت تحالف الترويكا الحاكمة، وعجزها عن تحقيق بعض أهداف الثورة، ومحاسبة الفاسدين، بسبب حالة التساهل التي وقعت فيها الترويكا، ولم يحتاج الأمر سوى لحملات دعائية ضخمة، بعد تهيئة الوضع لعودة النظام القديم، تحت اسم حزبي جديد، وهو نداء تونس، الذي فاز في انتخابات الرئاسة في ديسمبر 2014.
ومن خلال المقارنة بين مرحلتي الثورة والثورة المضادة، في الوطن العربي، بعد سبع سنوات من اندلاع الثورات العربية، نجد أن الثورة المضادة سيطرت على المشهد، نظرا لأن الثورة لم يتاح لها الفرصة، لإدارة شؤون الدولة، بما فيه الكفاية، إذ أن أطول فترة حكم لمشروع الثورة لم تتجاوز ثلاث سنوات، وكانت في تونس، كما أن الثورات العربية خاضت معركتها مع الأنظمة بمعزل عن التدخل الخارجي، الذي كان أبرز أسباب نجاح الثورات المضادة، من خلال دعمه الكبير لقوى الثورة المضادة ماليا وعسكريا ونفسيا، وتآمره الفاضح على تطلعات الشعوب.
لقد أصبحت المعركة مع الثورات المضادة، أصعب بكثير من المعركة مع الأنظمة السابقة، ومن المهم الإشارة إلى أن ضحايا الأنظمة السابقة أقل بكثير من ضحايا قوى الثورة المضادة، وهو ما يتطلب اصطفافا شعبيا عربيا، يضمن استمرار زخم الثورة بشقيها المدني والعسكري، حتى الانتصار للثورات العربية، وأهدافها النبيلة، وإنصاف الضحايا.
اقراء أيضاً
سطا الحوثيون على قريتي... فصرنا غرباء
الجريمة في ظل اللادولة
موسم الهجرة القسرية