ثلاث سنوات ونصف السنة تقريبًا مضت على توقيع الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، على اتفاقيات استوكهولم، في ديسمبر/ كانون الأول 2018، بشأن محافظة الحُديّدة وموانئها، التي تضمنت، كذلك، تفاهماتٍ بشأن مدينة تَعِز المحاصرة من جماعة الحوثي، وذلك كله لم يتحقق منه ما يمكن عدُّه مكسبًا للحكومة، بل أضافت جماعة الحوثي إلى رصيدها نحو 100 كلم، جنوبي الساحل الغربي (التِّهامي) للبحر الأحمر، عقب ما عُرف بإعادة التموضع المثيرة للجدل، التي نفذَّتها القوات المشتركة المدعومة من التحالف، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
وها هي هُدنة الستِّين يومًا، المعلنة بين الجانبين، في 2 إبريل/ نيسان من هذا العام (2022)، تُجدَّد، برعاية أُممية، المُدة نفسها، من دون التوافق مع جماعة الحوثي، على فتح الطُّرق الرئيسة المؤدّية إلى داخل مدينة تعز، وما يجاورها من المحافظات، وفتح طُرق مماثلة في المحافظات الواقعة في مسرح الصراع، وذلك ما يخالف أحكام الهدنة، بل تجاوز ذلك إلى فرض توافق على البدء في إنشاء "غرفة تنسيق مشتركة"، لمعالجة الشواغل الأمنية الطارئة خلال التمديد الثاني للهدنة، وفقًا لما صرَّح به مكتب المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، في 6 يونيو/ حزيران الجاري، عقب المشاورات التي استؤنفت في عمَّان.
في عملية التفاف واضحة على أحكام الهدنة، والدفع بالمفاوضات نحو مساراتٍ معقدة، كانت جماعة الحوثي قد اقترحت فتح طريق جبلية قديمة، وغير صالحة للمرور المزدوج للشاحنات، إضافة إلى طولها الكبير البالغ نحو 25 كلم، فيما الطول الإجمالي للطُّرق الرسمية المتعارف عليها، المؤدّية إلى وسط مدينة تعز، لا يبلغ هذا المقدار، لكنها توفّر لها ميزات أمنية وعسكرية بحتة؛ ما يلقي بظلاله على سلامة المدنيين الذين يتطلعون إلى العبور الآمن والسَّهل فيها، وهذه الحسابات إن دلَّت على شيء، فإنما تدلّ على أنّ فتح الطُّرق، بوصفها تدابير لبناء الثقة بين الجانبين، ستظلّ محكومة بهواجسهما الأمنية والعسكرية.
يبدو أن تعثر هذا المقترح دفع جماعة الحوثي، على نحو مستقل، إلى شقِّ طريقٍ ترابيٍّ آخر يزيد طوله عن 25 كلم؛ بحيث يجتاز الجهة الشمالية من مدينة تعز، حتى منطقة بِير باشا، الواقعة داخل المدينة، وهذا، كما تفيد المعطيات الطبوغرافية للأرض، إجراءٌ عسكريٌّ تكتيكيٌّ، من شأنه إخضاع الطريق للسيطرة النارية، وجعلها مسلكًا جديدًا لتقرُّب القوات إلى مناطق متقدمة لم يكن متاحًا الوصولُ إليها قبل هذه الهدنة، ثم إمدادها لوجستيًّا من دون أي عوائق، أما الحكومة أو فريقها المفاوض، فلم تقم، إزاء ذلك، بأي إجراء رادع، عدا التهديد بالتوقف عن المفاوضات، وهو غير ممكن عمليًّا.
من جانب آخر، تواجه الإخفاقات التفاوضية المتتالية، للفريق الحكومي، استجابات شعبية صاخبة، تتهم الفريق بضَعْف خبرته التفاوضية، بناءً على أدائه في الهدنة الحالية، وفي اتفاقيات استوكهولم لعام 2018، التي عكس بعضٌ من أحكامها هذا الضَّعف. ففي اتفاقيات استوكهولم، غاب عن الفريق الحكومي المفاوض، وربما تجاوزه، تضمُّن الاتفاقية الخاصة بميناء الحديدة، ما يجعلها مقطوعة الصلة "بأي مشاورات أو مفاوضات لاحقة"، في الوقت الذي رافق التوقيع عليها، التوقيع على "تفاهمات بشأن تعز"؛ وذلك ما يعني أن امتناع جماعة الحوثي عن تنفيذ اتفاقية الحديدة، لا يحقّ الاحتجاج به، من فريق الحكومة، في مفاوضات الهدنة الراهنة، فضلًا عن أن الاتفاقية لم تُصغ بحيث تكون قابلة للتنفيذ؛ مراعاة لواقع تموضع القوات، ولاستراتيجية "فاوض وتقدم ميدانيًّا"، التي تنتهجها جماعة الحوثي.
ما من شك في أنَّ ثمة عوامل خارجية تؤثر في موقف الفريق الحكومي المفاوض، إذا ما أبدى ممانعة تجاه أي بند، أو التوقيع النهائي على الاتفاق، كما حدث في اتفاقية استوكهولم، حينما امتنع أحد أعضاء الفريق عن التوقيع النهائي، ثم ما لبث أن تراجع، بعد تلقيه اتصالًا من الرئاسة اليمنية التي كانت مقيمة، مؤقتًا، في الرياض، وترافُق ذلك مع تداعيات مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي.
في مفاوضات الهدنة الحالية، ليس من مصلحة أطرافٍ دولية انهيارها؛ نظرًا إلى تشابك الأزمة اليمنية مع ملفات إقليمية دولية معقدة، من أبرزها إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على مجالات الطاقة، وهذا ما تعمل لأجله هذه الأطراف، فضلًا عن التحدّيات التي يواجهها مجلس القيادة الرئاسي في الحكومة اليمنية، برئاسة رشاد العَليمي، الذي تحمَّل أعباء المرحلة في ظل كل هذه الظروف.
إلى ذلك، رغبة السعودية في تسوية الأزمة اليمنية، للتخفٌّف من أعبائها المختلفة، مع ما يشكِّله الأمر من مدخلٍ لخفض التوتر مع واشطن، وهذا ما تأكَّد، بعد تصريح الخارجية الأميركية، الذي أثنى على دور القيادة السعودية في تمديد الهدنة.
ولا يخفى أن فريق الحكومة في مفاوضات الهدنة، يشارك فيه ضباطٌ من العمليات المشتركة للتحالف العربي؛ ما يوضح أنَّ الفريق ليس مستقل القرار، وهذا طبيعي؛ لأن البند الأول من الهدنة يتضمن وقف العمليات العسكرية الخارجية، في إشارة إلى الهجمات بالصواريخ الباليستية، والطائرات غير المأهولة، التي تشنها جماعة الحوثي، على السعودية والإمارات.
اقراء أيضاً
مفاوضات السلام اليمنية وتراجع الأجندات الخارجية
برلمان اليمن وحكومته: ضَعُفَ الطالب والمطلوب
"الانتقالي الجنوبي" ولعبة الإرهاب في أَبْيَن